عيون ابن رشد
وهيب ايوب
وهيب ايوب
كلّ ما نُدركه في هذه الدنيا - مُتحرِّكاً كان أم غير مُتحرِّك - ليس سوى إدراكات للفكر - ليس إلاّ الفكر ذاته.لأننا لاندرك التنوّع عندما نتعدّى الفكر.ماندوكيا كاريكابعد الضربات التي تلقتها الفلسفة على أيدي الأشعري والغزالي ورجال الدين، كان لا بد من عقل منقذٍ مخلّص يحيي الفلسفة والعلوم من جديد، فكان "أبـــــو الولـــيـــد" محمد بن رشد، المولود في قرطبة بالأندلس عام 1126م، خير من يقوم بتلك المهمة الشاقة، سيــّما وأن الفلسفة والفلاسفة ذاقوا الأمرين من قتلٍ وتعذيبٍ وتهجيرٍ وحرقٍ لمؤلفاتهم في الغرب والشرق على حد سواء.وهكذا انبرى إبن رشد في فلسفته الرائدة كقائد حركة انبعاثٍ للفكر الإسلامي الحر، فصبَّ اهتمامه على أعظم الفلاسفة، وأهمهم أرسطو، وكان أفضل شارحٍ ومحللٍ لمؤلفاتهِ، مضيفاً فلسفته وآرائه الخاصة، مدافعاً عن العقل، وهو بذلك يقدم الفلسفة على الدين.لقد عاشت الأندلس بتأرجحٍ مستمرٍ وصراعٍ دائمٍ منذ فـَتــَحها العرب بقيادة طارق بن زياد عام 711م، بين الفلسفة والعلوم والفلاسفة من جهة، ورجال الدين والفقهاء من جهة أخرى. وكان الصراع يعلو ويهبط تبعاً للظروف والحكّام الذين أحب بعضهم واحتضن الفلاسفة وأعلى راية العلوم والفلسفة، ومنهم الخليفة أبو يعقوب يوسف الذي قرّب إبن رشد منه وجعله طبيبه الخاص. وهو فيلسوف وطبيب وقاضي قضاة إشبيلية، وله مؤلفات تربو على السبعين كتاباً ورسائل في مختلف العلوم، أشهرها: "مناهج الأدلة"، "فصل المقال" و"تهافت التهافت"، وهو الكتاب الذي ردّ به على كتاب "تهافت الفلاسفة" لأبي حامد الغزالي. فأورد فقراته واحدةً واحده، وردّ عليها ببرهانٍ عقليٍ منقطعِ النظير. إذ كان الغزالي في كتابه يهاجم الفلسفة والفلاسفة ويحاول دحض أفكارهم، فكان إبن رشد خيرَ من يرد عليه في الكتاب الذي ذُكـِر، وهو أشهر مؤلفاته.إلا أن حياة إبن رشد لم تكن لتسير بهذه البساطة، بعد أن فجّر بكتبه وآرائه بركاناً لم يخمد بعد، خاصةً بعد تولي الخليفة المنصور الحـُكمَ بعد والده أبي يعقوب. حيث استمر على نهج والده في البداية، إلا أن تحريض المتدينين والفقهاء على إبن رشد واتهامه بالكفر والزندقة، أثار حفيظة المنصور. ورأى سلطته مهددةً من قبل العامة والغوغاء التي أثارها خصوم إبن رشد على أفكاره المفسـِـّرة للقرآن والشريعة بغير ما يعتقدون، خاصةً رأيه بدور المرأة إذ يقول: "رأيي أن النساء ما دُمن من أفراد الجنس البشري فهن يشتركن بالضرورة في تحقيق غاية الإنسان، وهي تعمير الأرض والارتقاء بالحياة البشرية، ولن تختلف النساء عن الرجال في تحقيق هذه الغاية، إلا من حيث الدرجة الأكثر أو الأقل مثلما تختلف بين الرجال، ويستطعن أن يصبحن من القضاة والفلاسفة والحكام أسوة بالرجال". فزاد المتدينون إثارة العامة عليه، مما اضطر الخليفة، تحت ضغط هياج العامة، لعقد محكمةٍ في مسجد قرطبة، وُجِهت خلالها تهمة الخروج عن الدين ومخالفة عقائد المؤمنين. ودون سماع دفاع ابن رشد عن نفسه، حــُكِم بإبعاده ونفيه هو وأصحابه، وأُصدر منشور بتحريم الاشتغال بالفلسفة، وتحريم قرائتها واقتناء كتبها. فأُحضرت كتب ابن رشد وأُحرقت على مرأى العامة في ساحة قرطبة، وتعالت ألسنة المرتزقة في شتم وهجاء ابن رشد، حتى أن الرحالة المعروف إبن جبير هجاه بقوله: لم تلزم الرشد يا إبن رشد لما علا في الزمان جدكوكنت في الدين ذا ريــــــاء ما هكذا كان فيه جــــدك. ولم يتوقف الظلم الموجه لابن رشد ومهاجمته من قبل العرب والمسلمين فحسب، بل تعدّاه الى أوروبا والكنيسة المسيحية، إذ كان عدد من علماء وفلاسفة اوروبا قد تأثروا بفلاسفة العرب أمثال إبن سينا والفارابي وغيرهم، إلا أن تأثير ابن رشد كان الأقوى على عقولٍ من مختلف الديانات، أمثال "موسى بن ميمون" اليهودي و"توما الأكويني" المفكر المسيحي و"مارتن لوثر" داعية البروتستانت. إضافةً لعدد كبير من صفوف مفكري روما وأوروبا، فأُصدرت أحكام ضدهم بالإعدام بتهمة "الرشدية"، ومنهم الإيطالي "بترو بومباناري" 1524م، و"برناردو تليزيو" عام 1588م، الذي تبنى نظرية ابن رشد القائلة بأن الحرارة هي سبب انتقال المادة الجامدة الى الحياة. ومثلما شعر رجال الدين المسلمين بالخطر على مراكزهم ومصالحهم، حدث ذات الشيء على الكنيسة والكهنة في أوروبا، فأصدرت الكنيسة في باريس قراراً عام 1277 يدين أهم القضايا الفلسفية التي تتعارض والعقيدة المسيحية ومنها:أولاً: إنكار الرشديين لحدوث العالم وإصرارهم على القول بقدمه .ثانياً: إنكار الرشديين على الله العلم بالجزيئات.ثالثاً: إنكار الرشديين على الله الخلق من عدم.رابعاً: إنكارهم للعناية الإلهية.خامساً: إنكارهم الخوارق والمعجزات.سادساً: قولهم بوحدة العقل البشري، وتقديمهم الفلسفة على الدين، إلى آخره من من القضايا الواردة في قرار الإدانة، والذي يحتوي على 219 قضية.إلا أن الفلسفة والفلاسفة استمروا في التحدي رغم الاضطهاد. وترجم هرمان الألماني أهم مؤلفات إبن رشد إلى اللاتينية وتسربت الرشدية إلى أوروبا، واستمرت فاعلة أربعة قرون، بل امتدت الى القرن الثامن عشر.وبينما كانت العلوم تتحدى وتتقدم في أوروبا والغرب، كانت تتهاوى وتندثر في الشرق العربي والإسلامي تحت ضربات الفقهاء والحكام والغوغاء. ونهض الغرب بتطوير الفلسفة والعلوم، فظهر كوبرنيك وجاليليو ونيوتن ثم أينشتين وديكارت وكانــْط وهيجل وماركس، إلى آخره من علماء وفلاسفة لا يُعدّوا ولا يحصوا، في الوقت الذي ما زال العرب والمسلمون يتنازعون حتى الآن حول ما قاله الشافعي أو ابن مالك.منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين حاول بعض مفكري النهضة العربية، متدينين وعلماء أمثال الأفغاني ومحمد عبدو والكواكبي وقاسم أمين وفرح أنطون وشبلي شميل وغيرهم، النهوض بالعقل والعلم وإحداث ثورة فكرية إجتماعية تحدث التغيير الحقيقي. إلا أن دين التعصب، أي تعصب، ما زال يأخذ على عاتقه إعاقة المسيرة وعرقلة التطور.فهل من مرشدين بعد إبن رشد؟ وهل من صحوةٍ بعد سبات؟ وهل من عيون تتفتح من جديد على عيون أغمضت عام 1198م؟ حيث لم يعد إبن رشد طبيباً ولا قاضياً.
-------------------------------------------------------
ردة" في مجتمعنا للسحر و"العمل"... و"تائبة" اكتشفت في "حجاب" .. " كفر كبير"
تحقيقات
المشعوذين يملون " الحجاب " للجمهور على الهواء
الحياة قد تبدو اصعب ، والظروف قد تكون اشد قسوة اليوم ، وكثير من العوامل قد تدفع الانسان الى الاقتراب من حافة اليأس ، فيدق باب التنجيم والدجل عله يجد حلا نافعا أو يرسم أملا واعد ...
إلا أن المشعوذون يستغلون عادة ظروف الناس وآلامهم ليجعلوا منها مادة ربحية ، ويساعد هذا ضيق الحالة المعيشية ، وانخفاض الوعي والثقافة ، مع امتلاك "المشعوذين" ادوات وامكانات هائلة لم تمكن متوفرة قبلا.
فبتنا نشهد هذه الأيام خاصة في بعض المحطات الفضائية مثل كنوز, وشهرزاد, وقنوات أخرى تروج لأعمال السحر متنكرين بثوب الدين و"المشيخة" ومستشهدين بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة لخداع الناس بما يخدم مصالحهم الشخصية حيث يستمع الشيخ (حسب ادعاؤهم) إلى أحد المتصلين، فيما تقوم المذيعة بكتابة اسم المتصل الأول واسم أمه وهو الشرط لإعطائه نبذة عن حياته ومستقبله.
حجاب على الهواء
وتعتمد هذه القنوات على عمل "حجاب" أو تعويذة يكتبها الشيخ في ورقة ويعرضها أمام الكاميرا على الهواء لكي يقوم المشاهدون بكتابتها، ثم يطلب من المتصل معاودة الاتصال به بعد عدة أيام لكي يقدم له الإرشادات المناسبة, ومنهم من يقومون بتوكيل (خادم) جنَي لكي يساعد المسحور حتى يعافيه مما ابتليَ فيه, حيث يتصل الشيخ مع هؤلاء (الخدم) مباشرة أمام المشاهدين ويبدأ بالتصرف بأفعال غريبة منافية للعقل والمنطق ويكرر عبارات تؤيد ولائه الشديد لهم, ويقرأ بعض الآيات القرآنية بينما نراه يرتدي في عنقه سلاسل ذهبية وفي يده بلاكات ، ليشوه صورة الشيخ في أذهان الناس, ويدعي هؤلاء أنهم تعلموا السحر على أيدي علماء الشيعة الكبار.
أقسام السحر وأنواعه
وينقسم السحر حسب بعض "الدراسات" إلى قسمين، الأول سحر ( القاعدة ) وهو العمل الذي يسقى أو يؤكل أو يرّش على أرض المنطقة التي يمر منها المسحور أو الذي يدفن, والثاني ( الخادم ) فهو من شياطين الجن ، بحيث ينفذ كل مطلوب يوصي به الساحر, وللسحر أنواع كثيرة منها سحر التفريق وغالبا ما يكون بين الزوج والزوجة ومنها سحر ربط الشباب عن الزواج وأنواع أخرى .....
وهناك تسميات للأشخاص الذين يقومون بهذه الأمور "الكاهن وهو الذي يدعي علم غيب المستقبل, والعرّاف الذي يدعي معرفة الماضي، ويزعم إنه يستخدم الجن والشياطين الذين يعرفون الكثير من أمور الناس بسبب مخالطتهم لهم ورؤيتهم لأحوالهم ومعرفتهم بأمورهم، دون أن يرونهم أو يشعرون بهم.
أما الساحر فهو الذي يتوصل إلى سحر أعين الناس والتسلط على عقولهم وأبدانهم عن طريق تلاوة تمتماتٍ خاصةٍ والتلفظ بألفاظ الشرك، وعمل القبائح والمنكرات، واستخدام الطلاسم والحسابات والأرقام، ليقنع الآخرين بأنه يعرف غيب المستقبل كما يعرف غيب الماضي.
ويعتمد هؤلاء في أرباحهم على الناس الذين يستفسرون عن السحر وأمور المستقبل وأكثر من يقبل على ذلك النساء لتعقد حياتهن الزوجية أو الأسرية, بحثاعن حلول سريعة, ونجد بعض الناس يصدقونهم ويجدون فيهم طريقا لتخطي المصاعب, ومنهم يكذبونهم بشعار الخرافة والشعوذة, وآخرون اعتادوا كلامهم وألفوه كقصة مسلية.
الاستماع للأبراج باب للتسلية... والاستئناس
هكذا بدأت سلمى كلامها بالضحك واللعب "أنا لا أعرف مدى مصداقية هذه الأمور لكن ما أعرفه إنني اعتدت يوميا استماع توقعات الأبراج ربما من باب التسلية لكن لا أخفي إنها تشعرني بشيء من التفاؤل أو التشاؤم وتستدعوني للتفكير بعض الشيء خاصة فيما يتعلق بتطابقات الأبراج فبعضها متوافقة وبعضها متناقضة حتى إني بدأت أفسر تصرفات أشخاص وفق أبراجهم فلكل برج مواصفاته وطبيعته الخاصة".
كما إنني "لا أفوت فرصة ما تجمعني مع إحدى قارئات الفنجان لاستطلع منهن على بعض الأمور تخص الحب والزواج والعمل والسفر وإن كنت لا أصدق كل ما يقولونه إلا إني أجد فيها وسيلة للاستئناس بعض الشيء".
"سحر يهودي... مدفون في مقبرة...وأدواته ملح وبخور وكسر زجاج"
فيما تقول هنادي "لما كان الزواج هاجس الفتاة منذ الأزل وارتداء الثوب الأبيض حلمها الأكبر منذ الصغر وقد دخل عمري عامه الـ "27" ولم أحظى بشاب رغم تمتعي بمواصفات أنثوية جذابة , عندها بدأت أبحث عن الحل خاصة بعد أن حدث لي أمر غريب ,وكان حدد موعد "عقد قراني" على شاب ذات مرة وعندما وصلنا الساعة المحددة وكما يقال "وصلت اللقمة للفم" حتى أصاب الشاب شعور غريب ورفض إتمام الزواج دون إعطاء أي مبرر مكتفيا بالقول أنه "مافي اسمة ونصيب".
وتضيف هنادي "حاولت وقتها تبرير ما حدث دون أي جدوى فارجعت الأمر إلى "السحر والعمل" فاجتمعت بامرأة تعرف بـ "أم زياد" وهي مشهورة بكتابة الحجابات وفك السحر والأعمال , وهي امرأة طبيعية في شكلها كغيرها, تبلغ الخمسين من عمرها, إلا إنها غامضة بعض الشيء".
وكانت أم زياد تعطيني وفي كل زيارة وصفات علاجية مختلفة تساعد على فك العمل المكتوب "باسمي" كأن أضع دائما في جيبي ملح حتى يفسخ السحر, وأن أشعل عدة أنواع من البخور بروائح مختلفة وأن أقفز فوقها 16 مرة يوميا مع تكرير عبارة "بعدوا عني اتركوني" حيث استطاعت بالاستعانة بـ "الجن" معرفة أن شخص ما كتب لي سحر يهودي ودفنه في مقبرة للدروز".
وكانت المعلومات ترد إليها من (الجن) بحضوري وهذا كان أصعب ما في الموضوع لأنها كانت تقول بعبارات وتمتماتٍ مختلفة وتتصرف بحركات غريبة بعض الشيء "كالرجفة" التي يتبعها فجأة صرخة عالية ثم تعود إلى وضعها العادي, وتمكن أعوان أم زياد(الجن) بجلب ورقة السحر "الموسخة" بالتراب وهي ورقة طولانية تشبه "الراشيته" ومكتوب فيها بالعكس "كل من يشوف هنادي بنت (د) يشوف فيها عبدة سوداء ويخاف ويهرب منها".
"ثم طلبت مني رمي الورقة خلف ظهري دون النظر إليها في نهر جاري وبهذا يكون قد فك العمل, فيما أخذت مني في المقابل مبلغ 35 ألف ل.س شعرت وقتها وكأني وقعت في فخ كبير لأني لم أتزوج إلا بعد سبعة أشهر.
فيما كانت أم زياد تطمأني "لا تخافي زواجك قريبا لكن السحر لا ينتهي مفعوله بين يوم وليلة".
ونوهت هنادي أخيرا "في الحقيقة وبعد أن تزوجت لا أعرف لمن أرد أمر زواجي لأم زياد و(أعوانها) أم للقسمة والنصيب فهذا الأمر شائك جدا, إلا إنني استمريت باتباع إرشادات أم زياد خوفا من أن أخسر زوج آخر فكسرت زجاج ليلة حفل زفافي لرد العين ، مع وضعي الملح في صدري لأن للعين حقها ويجب أن نحتاط منها".
"السحر والحجاب تيار كفر وضلال... منافي للعقل والعقيدة "
فيما تقول مريم "الحمد لله الذي عافاني من كل هذه الخرافات والشعوذات وأبعد عني الأوهام فبعد أن اخترقت المشاكل هدوء حياتي الزوجية وأصبحت وزوجي كالأعداء دون سبب, عندها انتابني شعور أن امرأة أخرى دخلت حياته وما أن انتهي من شك حتى يراودني شك أكبر إلى أن شككت بأقرب الناس لي فكان لا بد من أن أقصد إحدى العرافات التي أخبرتني بان امرأة تحاول جذبه إلا انه بإمكاننا قطع طريقها".
وهكذا بدأت "ألعب معها لعبتها الدنيئة كأن أضع لزوجي وصفات مختلفة في الطعام وان أضع له "حجاب" بين ثيابه مع تأكيدها لي (بعدم فتح الحجاب وقراءة ما كتب فيه وإلا سيبطل مفعول الحجاب) وكانت تتدخل بخصوصياتي مع زوجي وقد طبقت كل ما تقوله بحذافيره لمدة شهرين وكل ذلك لم ينفع بينما كانت هي الوحيدة المنتفعة لأنها كانت تأخذ مني ثلاثة آلاف ل.س في كل زيارة دون حساب الوصفات والحجابات".
وتابعت مريم "وبعد مرارة هذه الدوامة بدأت بالتفكير مليا بالموضوع وبشكل أكثر واقعية وما أثارني في ذلك هو تكريرها لعبارة " الله يقدرني على فعل الخير".
وعند سؤالي لها عما تعني بذلك قالت العرافة إن "هناك من يستخدمون قواهم في عمل الشر لكني أنا أخاف الله".
وعندها استيقظت من غفلتي لأنه إذا كان بإمكانها عمل الشر فربما قامت "بعمل شرير" حتى لا تصلح علاقتي مع زوجي فيما تواصل هي أرباحها الغير شرعية".
وتقول مريم "قررت بعدها الإقلاع عن هذه الخرافات إلا أن الطامة الكبرى لم تنتهي هنا لكن عندما قمت بفتح ورقة الحجاب حتى يبطل حسبما كانت تقول, لأفاجئ بعبارات فيها "كفر كبير" مكتوبة بالورقة, إضافة إلى أسماء غريبة, وبصراحة لا أستطيع أن أقدر درجة الجهل لأن أسير في تيار الكفر والضلال هذا المنافي للعقل والعقيدة وما يسعني القول إلا استغفر الله العظيم.. من كل ذنب عظيم" واقتضيت بعدها بقول الله تعالى ﴿من يتقي الله يجعل له مخرجا﴾ وتوجهت إلى الله بالدعاء مع أخذي بالأسباب وعمل ما يرضي زوجي, وتجاوزي تقصيري بحقه, ونحن اليوم نعيش معا حياة هادئة سعيدة".
"ثمرة السحر والشعوذة... طفل مصاب بسرطان الدم"
إعجابها الشديد بالشاب دفعها لعمل المستحيل مقابل أن تتزوج به ,هذا ما أوضحته (ر) لسيريانيوز "أغرتني وسامته الجذابة, وأمواله الطائلة, وهذا ما ترسمه الصبية عن فتى أحلامها, فما كنت استطيع مقاومة كل هذه المغريات إضافة لرجولته القوية".
"حاولت التودد إليه وإظهار عواطفي له, بينما كان هو يعاملني كصديقة من شلة واحدة فقررت أن أنسى الموضوع, إلا أن صديقتي أخبرتني بأنه بالإمكان عمل سحر له حتى يحبك و"لم أكذب خبر" ذهبت إلى شيخ أخبرني بأنه بالإمكان ربط الشاب وبهذا لن يتزوج غيري لكن اشترط لربطه شيء من الشاب أي "من أثره " شعرة , ظفر, ثياب عليها رائحته,أي شيء يكون فيها رائحته أو أثره".
وبعد تفكير مطول "طلبت منه استعارة ربطة عنقه(كرافة) حتى ألبسها خلال حفلة تنكرية بحجة إني متنكرة بزي رجل, فأخذتها مباشرة إلى الشيخ الذي طلب أيضا شيء من أثري حتى يقوم بربطنا معا وقمت بتنفيذ كل أوامره والتي كان فيها نوع من الابتزاز كالكشف عن جسدي في بعض الأحيان".
وبعد مضي عدة أشهر طلب مني الشاب الزواج, فلم أصدق, وتزوجنا واستمرت حياتنا رائعة إلى أن أنجبنا طفلا مريضا بسرطان الدم, خاصة أنه الأطباء لم يعطونا نسبة واحد % أمل لشفائه, وتذكرت حينها العراف وعند اقتراح الأمر على زوجي حتى يساعدنا رفض باعتباره خرافات.
وعندها كشفت نفسي بنفسي أمامه فكان أمرا كبيرا بالنسبة إليه لم يتقبله وأصبحت حياتنا من أسوأ إلى أسوأ إلى أن وصلت حد الطلاق ثم مات طفلي وبقيت أنا وحيدة مع ذكريات مؤلمة صنعتها بيدي كانت أشد عقاب أتلقاه بحياتي التي لم يعد لها مغزى".
"الإنسان يمتلك طاقة تتعدى طاقة الجن"
وبعد تقصي قصص واقعية كثيرة كان لابد لنا أن نطلع على آراء أحد العرافين, حيث قالت عرافة رفضت الكشف عن اسمها لسيريانيوز "العراف إنسان عادي, إلا إنه يملك حاسة سادسة وفراسة وحنكة ويتمتع بذكاء شديد".
وتابعت العرافة "استطيع بقراءة الكف والفنجان معرفة ما سيجري للإنسان في المستقبل وذلك من خلال خطوط ورسوم معينة "رافضة" نسب هذه الأمور إلى العلم بينما مردها إلى طاقة إيجابية يمنحها الله للعراف حتى يستطيع مساعدة الناس واختيار الأصح لهم".
وعند الإشارة إليها بان العرافيين يجمعون المعلومات عن الشخص قبل أن لقائه حتى يوهمونه بالمعرفة أوضحت "لست مضطرة أن أعرف عنه شيء قبل أن أراه لأني استطيع أن استشف كل شيء من خلاله هو شخصيا ,كنظرة وحركة عيناه, شخصيته, ملامح وجهه, طريقة جلسته وحركاته, ومن صوت نفسه,ويكفيني ان أعرف اسمه واسم والدته, ومن خلال فراستي أستطيع الحكم عليه, و تقدر نسبة استطلاعاتي وتوقعاتي الناجحة بـ 98 % ".
أما فيما يتعلق بأمور السحر والحجابات قالت "عادة ما ألجأ إلى إليها لأنها تكون على الأغلب مطافنا الأخير وبإصرار من صاحب العلاقة نفسه, وذلك عندما تتأزم به الأحوال والظروف كتعسير الزواج, فشل العمل والدراسة, فشل العلاقات الزوجية, تأخر الإنجاب, حيث نستعين ببعض الآيات القرآنية لحل المشكلات".
وفي سؤال عن علاقة هذه الأمور بالجن اكتفت بالقول "الله يمنح الإنسان طاقة تتعدى طاقة الجن".
لا يعلم الغيب إلا الله...
وعن نظرة الدين لهذه الأمور قال د. محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والحديث الشريف في كلية الشريعة لسيريانيوز "الدين الإسلامي ينطلق من وحي السماء ومن حقائق وعندما نبتعد عن الحقائق نقع في خرافات وخزعبلات لا تقدم ولا تؤخر بل تعقد الأمور, وأنا أراها ضالة مضلة تضل الناس عن دينهم وعقيدتهم الصحيحة".
والأمة بأمس الحاجة للحقائق وهي من عوامل تقدمها ونهوضها أما الغيبيات لا يعلمها إلا الله وهذا ما قاله الله تعالى ﴿لا يعلم الغيب إلا الله﴾ كما خاطب رسوله محمد (ص) "قل لا أعلم الغيب" فكيف لأي جهة أن تدعي ذلك".
وأضاف أستاذ الإعجاز العلمي النابلسي "أمور الدجل خطيرة جدا لأنها تخاطب عامة الناس والعامة قد لا يكون لديهم مقاييس فيؤخذون بمظهر الشيخ وينقادون بحديثه خاصة أن نسبة الأمية كبيرة في وطننا العربي وأنا أرى كواجب وطني وأخلاقي محاربة هذه الشعوذات والخرافات بالعلم حيث قال الإمام الشافعي وهو أحد الأئمة الأربعة "إذا أردت الدنيا بالعلم وإذا أردت الآخرة بالعلم, وإذا أردتهما معا بالعلم" فبالعلم والوعي والعقيدة الصحيحة ننفي كل الأخطاء ونحاربها خاصة أن العمل بالدجل مربح جدا لأن ليس له رأسمال".
"لذلك يجب توعية الأمة انطلاقا من حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "من أتى كاهناً أو عرافاً أو ساحراً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أتاه غير مصدّقٍ لم تُقبل له صلاةٌ أربعين يوماً".
وينطوي ضمنها توقعات الأبراج وحظك اليوم وقراءة الكف والفنجان وقال الله تعالى "وعنده مفاتحُ الغيب لا يعلمها إلا هو".
"أوضاع الناس الاجتماعية والنفسية والحياتية تدفعهم لتصديق الشعوذة"
بينما يفسر علماء الاجتماع هذه الظاهرة حسبما يقول د. بلال عرابي أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق لـ سيريانيوز "تستهوي أمور الشعوذة والدجل اهتمام الناس وهي مشكلة كبيرة تنطلق من عدة أمور أهمها وضع الناس الاجتماعي والنفسي ونقص خدماتهم الحياتية إضافة إلى تفشي الأمية والتي تصل نسبتها عند النساء في سورية إلى 26 %".
وعندما يكون مستوى العلم والوعي عند الناس منخفض لا يستطيعون الوصول إلى القرار فيلجئون إلى هذه الأمور, كما أن الفضائيات تلعب دور سلبي في هذا الاتجاه فهي تطرح فكرا يبعد الناس عن الحقائق وتؤدي بهم إلى التطرف, وتدفعهم للإيمان بأشياء غير موجودة فكيف من اسم شخص أن نعرف أموره المستقبلية ويدعي هؤلاء بأنهم شيوخ للحصول على الأموال على الرغم من أنه لا يوجد في الدين أي مؤشر على ذلك بينما يرد هذا إلى عدم الاطلاع على الدين جيدا لأنه جاء في القرآن الكريم ﴿كذب المنجمون ولو صدقوا﴾
ولذلك يجب أن ننشر في المجتمع جو من العلم والمعرفة لمكافحة الأمية والجهل للتميز بين الحق والضلالة".
مها القحف - سيريانيوز
---------------------------------------------------------------
الحداثة معجزة أم أسطورة؟
2007 الجمعة 25 مايو
البيان الاماراتية
هاشم صالح
الحداثة بالمعنى الحالي للكلمة هي ظاهرة نشأت في أوروبا منذ القرن السادس عشر وبلغت ذروتها في القرنين التاسع عشر والعشرين. وقد قسمت التاريخ إلى قسمين: ما قبلها وما بعدها. فما قبلها كانت العصور الوسطى المسيحية أو محاكم التفتيش الظلامية، هذا بالإضافة إلى الفقر والجوع والزهد في الحياة الدنيا وانتشار أفكار الخوف والتعصب والحروب الطائفية أو المذهبية.
وما بعدها كانت الحضارة العلمية والتكنولوجية والفلسفية والعلمانية والتقدم المادي والاقتصادي الذي لا مثيل له في التاريخ. ولو نهض أناس القرون الوسطى من قبورهم ونظروا من حولهم لجن جنونهم وهم يرون كل هذه الحضارة المزدهرة التي قلبت الأمور عاليها سافلها وغيرت وجه الأرض.
بهذا المعنى فالحداثة معجزة بدون أدنى شك. وللتأكد من ذلك يكفي أن تنتقل بالطائرة من عواصم الغرب إلى عواصم العرب والمسلمين لكي ترى الفرق الشاسع ولكي تدرك أنك قطعت ثلاثة قرون لا ثلاث ساعات أثناء رحلتك القصيرة بالطائرة.
ولكن بعضنا ممن يحاول تعزية نفسه يقول ان الحداثة هي مجرد أسطورة أو حتى وهم وسراب بل؟ ويقولون بأنها كلها كفر وإلحاد واباحيات وسلبيات.. والسؤال المطروح هو التالي: إذا كان الأمر كذلك فلماذا تحاول كل أمم الأرض كالصين والهند وروسيا أن تلحق بركب الغرب وتدخل إلى جنة الحداثة؟ لماذا تزحف نحوها زحفاً بكل يديها ورجليها؟
لا يوجد بلد واحد في العالم إلا وهو يحلم بأن يتوصل إلى نفس التقدم المادي والعلمي والطبي والرفاهية الاقتصادية التي وصلت إليها الشعوب الأوروبية أو الأميركية الشمالية. كلنا نحلم بأن نذوق طعم الحداثة والحياة الاستهلاكية والحريات الشخصية التي تتمتع بها الشعوب المتقدمة.
ولا يوجد بلد واحد في العالم يقول (على الأقل ظاهرياً) بأنه ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان. هذا لا يعني بالطبع أنه لا توجد نواقص في الحداثة، أو أنها لا تعاني من أزمات وانسدادات أو شطط وانحرافات. ولكني قررت في هذه المقالة ألا أتحدث إلا عن إيجابيات الحداثة.
لماذا؟ لأني كالعديد من المثقفين العرب أتمنى أن تخرج مجتمعاتنا من حالة التخلف والأصولية والاستبداد إلى حالة التقدم والاستنارة والحريات. ولكي أفهم الحداثة، لكي أقدم عنها صورة تبسيطية واضحة، أجد نفسي مضطراً لتقسيمها إلى حداثات.
فهناك أولاً الحداثة المادية أو العلمية والتكنولوجية التي تبهر أبصارنا نحن الشرقيين بمجرد أن تطأ أقدامنا الأرض الأوروبية. وهي التي نحسدهم عليها بالدرجة الأولى إذا ما استثنينا مسألة الحريات الفردية وعدم الخوف المرعب من الطغاة والحكام، الخ.
وهناك ثانياً الحداثة الفلسفية المرتبطة بالأولى بشكل أكبر مما نظن. والدليل على ذلك هذه العبارة التي انتشرت في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر: لولا نيوتن لما كان كانط. والمقصود بذلك أنه لولا الاكتشافات العلمية الهائلة لإسحاق نيوتن لما استطاع فيلسوف الألمان أن يشكل أكبر فلسفة في العصور الحديثة.
وبالتالي فتقدم الفلسفة العقلانية مرتبط بتقدم العلم الفيزيائي واكتشاف قوانين الطبيعة والكون. ونحن العرب خسرنا المعركة منذ ان كانت حركة العلم والفلسفة قد توقفت عندنا ودخلنا في عصور الانحطاط الطويلة.
وهناك ثالثاً الحداثة الاقتصادية التي قضت على المجاعات الكبرى داخل النطاق الأوروبي على الأقل ورفعت مستوى المعيشة للطبقات الوسطى وعموم الشعب. انظر مثلا إلى حالة الرفاهية السائدة في البلدان الاسكندنافية كالسويد والنرويج والدنمارك حيث تؤمن لك الدولة كل شيء تقريبا وحيث لا يوجد أي فساد إداري أو سياسي وحيث الوزير مسؤول عن كل فلس يصرفه.
وهناك رابعاً الحداثة السياسية المتمثلة بالثورات الثلاث: الإنجليزية (1680)، فالأميركية (1776)، فالفرنسية (1789). فبعدها دخلنا في عصر الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان وسيادة الشعب وحق التصويت العام والتناوب على السلطة ووجود الأغلبية والمعارضة، وعدم سجن الناس على آرائهم السياسية.
وهناك خامساً الحداثة الدينية. وكان ينبغي أن أقول أولاً الحداثة الدينية لأن الدين هو ذروة الذرى وغاية الغايات. وإذا فسد فهمه أو تأويله فسد كل شيء. أقول ذلك ونحن نعلم أن مدشن حركة الإصلاح الديني في أوروبا، مارتن لوثر، كان معاصراً من الناحية الزمنية لمدشن الثورة العلمية كوبرنيكوس.
ومعلوم أن الإصلاح الديني أدى إلى تخفيف أعباء التراث وأثقاله عن كاهل الإنسان المسيحي في أوروبا فانطلق بعدئذ لفتح العالم وتحقيق ذاته على الأرض. أو قل تصالحت السماء والأرض بفضله ولم تعد طبقة رجال الدين مليئة بالفساد كما كان يحصل سابقا.
ثم جاء التنوير بعده لكي يطرح القشور من الدين ولا يبقي إلا على الجوهر الروحي والأخلاقي فقط ولكي يقدم البديل المقنع عن التزمت الأصولي السائد والنزعات الطائفية البغيضة التي تفتك الآن بكل مجتمعات العرب والإسلام فتكا ذريعاً.
ولو اتسع لي الوقت لتكلمت عن الحداثة الأدبية أو الشعرية. فقد تخلص الشعراء من قيود الأوزان والقوافي التقليدية كما تخلص المؤمن الحديث من قيود التراث المتراكم وأصفاده وطقوسه التي لا تنتهي. وبالتالي فالحداثة هي مشروع تحرري على كافة الأصعدة والمستويات.
انها انفجار لكل الطاقات المكبوتة. إنها تصيب كل جوانب الحياة دفعة واحدة أو على مراحل. بهذا المعنى فهي معجزة فعلاً لأنها لم تتحقق حتى الآن إلا في أوروبا وأميركا الشمالية واستراليا واليابان إلى حد كبير. وجميع الأمم تصبو إليها دون أن تستطيع تجسيدها على أرض الواقع بكل جوانبها.
ولكنها سائرة على الطريق. بهذا المعنى فهناك طريق صيني إلى الحداثة، وطريق هندي، وطريق عربي إسلامي، الخ... بهذا المعنى أيضاً فإن الحداثة ظاهرة كونية وليست محلية كما يزعم خصومها الذين يكرهونها. ولكنها في كل نطاق ثقافي معين سوف تتلوَّن بألوانه وتتلبس بلباسه.
وبالتالي فليطمئن دعاة الخصوصية والأصالة إذن. فالتراث العربي الإسلامي بعد الحداثة أو تحديث الفكر الديني سوف يبدو أكثر بهاء وجمالاً، أو أقل قمعاً وإكراهاً، مما كان عليه قبلها. وأكبر دليل على ذلك التجديد الراديكالي الرائع الذي يقدمه محمد أركون عن تراث الإسلام عن طريق عقلنته وتطبيق المناهج الحديثة عليه: كالمنهجية الألسنية، والمنهجية السوسيولوجية، والمنهجية التاريخية الخ.
إن جوهر مشروع الحداثة يتمثل في استقلالية العقل بالقياس إلى النقل، أو الفلسفة بالقياس إلى الدين دون أن يعني ذلك أبداً القضاء على الدين كما يفهم بعضنا عن خطأ حداثة أوروبا. فالدين في أوروبا لم ينته بعد انتصار الحداثة وإنما تحول مفهومه وتعقلن وتجدد. وعندما تقرأ أبحاث علماء الدين في أوروبا تكاد تتخيل وكأنك تقرأ أبحاث فلاسفة لا أبحاث رجال دين..
انظر مثلا كتابات عالم اللاهوت الألماني الشهير: هانز كونغ الذي اصدر مؤخرا كتابا هاما عن الإسلام. وليتنا نعرف الألمانية لكي نطلع عليه. ولكننا مضطرون لانتظار صدور الترجمة الفرنسية لكي يتاح لنا ذلك. والعرب، اين هم؟ لماذا لا يترجمونه؟ وهكذا أصبحت العلاقة مع الدين حرة بعد أن كانت قمعية وإكراهية. وهذا أقرب ما يكون إلى جوهر الدين الذي تنص عليه الآية الكريمة: «لا إكراه في الدين».
والآن أطرح هذا السؤال: أين نقف نحن كعرب وكمسلمين من مشروع الحداثة هذا؟ سوف أقول باختصار شديد اننا نعيش مرحلة انتقالية عسيرة لا يستبين فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود حتى الآن. وربما لن يستبين قبل مرور زمن طويل وخوض معارك طاحنة يشيب لهولها الولدان؟
المثقفون الأميركان يدعونها بالفوضى الخلاقة ولا أعتقد أن هذا المصطلح خاطئ كلياً على عكس ما يتوهم المثقفون العرب. أقول ذلك على الرغم من معارضتي للكثير من أطروحات وحماقات المحافظين الجدد. فالنظام الجديد الحر لا يتولد إلا بعد الفوضى والعذاب.
ولا بد من مصارعة الأمواج العاتية قبل الوصول إلى الشاطئ، ولا بد دون الشهد من إبر النحل. أما أولئك الذين يريدون الوصول إلى الحداثة أو التمتع بثمارها والتفيؤ بظلالها دون أن يدفعوا ثمنها مسبقا فليذهبوا إلى الجحيم؟ فهي لم تخلق لهم.. ولذلك لم يفاجئني إطلاقا ما يحصل في العراق حالياً.
بل وأعتبره شيئاً منطقياً لأن تصفية الحسابات التاريخية المعلقة هي الشرط المسبق والضروري لكل انطلاقة حضارية موفقة. وأكبر دليل على ذلك تجربة أوروبا نفسها. فهي لم تقلع حضاريا إلا بعد أن خاضت كل المعارك الطائفية والمذهبية وتجاوزتها.
وهذا ما ادعوه عادة بانتصار الذات على ذاتها بعد ان تمر في أتون المعاناة ومصهر التحدي. بالطبع فانه يؤلمنا جميعا استباحة بلد عربي كبير بهذا الشكل. ويؤلمنا سقوط كل هذه الضحايا البريئة من خلال تفجيرات إجرامية مروعة.
ويؤلمنا أن شعب العراق لم يستطع التخلص من الطغيان إلا عن طريق الغزو الأجنبي المقيت. وكل ما نرجوه هو أن يزول هذا الاحتلال البغيض بأسرع وقت ممكن. ولكن يخطئ من يظن أن كل المشاكل ستزول بزواله.
كاتب سوري، باريس
2007 الجمعة 25 مايو
البيان الاماراتية
هاشم صالح
الحداثة بالمعنى الحالي للكلمة هي ظاهرة نشأت في أوروبا منذ القرن السادس عشر وبلغت ذروتها في القرنين التاسع عشر والعشرين. وقد قسمت التاريخ إلى قسمين: ما قبلها وما بعدها. فما قبلها كانت العصور الوسطى المسيحية أو محاكم التفتيش الظلامية، هذا بالإضافة إلى الفقر والجوع والزهد في الحياة الدنيا وانتشار أفكار الخوف والتعصب والحروب الطائفية أو المذهبية.
وما بعدها كانت الحضارة العلمية والتكنولوجية والفلسفية والعلمانية والتقدم المادي والاقتصادي الذي لا مثيل له في التاريخ. ولو نهض أناس القرون الوسطى من قبورهم ونظروا من حولهم لجن جنونهم وهم يرون كل هذه الحضارة المزدهرة التي قلبت الأمور عاليها سافلها وغيرت وجه الأرض.
بهذا المعنى فالحداثة معجزة بدون أدنى شك. وللتأكد من ذلك يكفي أن تنتقل بالطائرة من عواصم الغرب إلى عواصم العرب والمسلمين لكي ترى الفرق الشاسع ولكي تدرك أنك قطعت ثلاثة قرون لا ثلاث ساعات أثناء رحلتك القصيرة بالطائرة.
ولكن بعضنا ممن يحاول تعزية نفسه يقول ان الحداثة هي مجرد أسطورة أو حتى وهم وسراب بل؟ ويقولون بأنها كلها كفر وإلحاد واباحيات وسلبيات.. والسؤال المطروح هو التالي: إذا كان الأمر كذلك فلماذا تحاول كل أمم الأرض كالصين والهند وروسيا أن تلحق بركب الغرب وتدخل إلى جنة الحداثة؟ لماذا تزحف نحوها زحفاً بكل يديها ورجليها؟
لا يوجد بلد واحد في العالم إلا وهو يحلم بأن يتوصل إلى نفس التقدم المادي والعلمي والطبي والرفاهية الاقتصادية التي وصلت إليها الشعوب الأوروبية أو الأميركية الشمالية. كلنا نحلم بأن نذوق طعم الحداثة والحياة الاستهلاكية والحريات الشخصية التي تتمتع بها الشعوب المتقدمة.
ولا يوجد بلد واحد في العالم يقول (على الأقل ظاهرياً) بأنه ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان. هذا لا يعني بالطبع أنه لا توجد نواقص في الحداثة، أو أنها لا تعاني من أزمات وانسدادات أو شطط وانحرافات. ولكني قررت في هذه المقالة ألا أتحدث إلا عن إيجابيات الحداثة.
لماذا؟ لأني كالعديد من المثقفين العرب أتمنى أن تخرج مجتمعاتنا من حالة التخلف والأصولية والاستبداد إلى حالة التقدم والاستنارة والحريات. ولكي أفهم الحداثة، لكي أقدم عنها صورة تبسيطية واضحة، أجد نفسي مضطراً لتقسيمها إلى حداثات.
فهناك أولاً الحداثة المادية أو العلمية والتكنولوجية التي تبهر أبصارنا نحن الشرقيين بمجرد أن تطأ أقدامنا الأرض الأوروبية. وهي التي نحسدهم عليها بالدرجة الأولى إذا ما استثنينا مسألة الحريات الفردية وعدم الخوف المرعب من الطغاة والحكام، الخ.
وهناك ثانياً الحداثة الفلسفية المرتبطة بالأولى بشكل أكبر مما نظن. والدليل على ذلك هذه العبارة التي انتشرت في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر: لولا نيوتن لما كان كانط. والمقصود بذلك أنه لولا الاكتشافات العلمية الهائلة لإسحاق نيوتن لما استطاع فيلسوف الألمان أن يشكل أكبر فلسفة في العصور الحديثة.
وبالتالي فتقدم الفلسفة العقلانية مرتبط بتقدم العلم الفيزيائي واكتشاف قوانين الطبيعة والكون. ونحن العرب خسرنا المعركة منذ ان كانت حركة العلم والفلسفة قد توقفت عندنا ودخلنا في عصور الانحطاط الطويلة.
وهناك ثالثاً الحداثة الاقتصادية التي قضت على المجاعات الكبرى داخل النطاق الأوروبي على الأقل ورفعت مستوى المعيشة للطبقات الوسطى وعموم الشعب. انظر مثلا إلى حالة الرفاهية السائدة في البلدان الاسكندنافية كالسويد والنرويج والدنمارك حيث تؤمن لك الدولة كل شيء تقريبا وحيث لا يوجد أي فساد إداري أو سياسي وحيث الوزير مسؤول عن كل فلس يصرفه.
وهناك رابعاً الحداثة السياسية المتمثلة بالثورات الثلاث: الإنجليزية (1680)، فالأميركية (1776)، فالفرنسية (1789). فبعدها دخلنا في عصر الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان وسيادة الشعب وحق التصويت العام والتناوب على السلطة ووجود الأغلبية والمعارضة، وعدم سجن الناس على آرائهم السياسية.
وهناك خامساً الحداثة الدينية. وكان ينبغي أن أقول أولاً الحداثة الدينية لأن الدين هو ذروة الذرى وغاية الغايات. وإذا فسد فهمه أو تأويله فسد كل شيء. أقول ذلك ونحن نعلم أن مدشن حركة الإصلاح الديني في أوروبا، مارتن لوثر، كان معاصراً من الناحية الزمنية لمدشن الثورة العلمية كوبرنيكوس.
ومعلوم أن الإصلاح الديني أدى إلى تخفيف أعباء التراث وأثقاله عن كاهل الإنسان المسيحي في أوروبا فانطلق بعدئذ لفتح العالم وتحقيق ذاته على الأرض. أو قل تصالحت السماء والأرض بفضله ولم تعد طبقة رجال الدين مليئة بالفساد كما كان يحصل سابقا.
ثم جاء التنوير بعده لكي يطرح القشور من الدين ولا يبقي إلا على الجوهر الروحي والأخلاقي فقط ولكي يقدم البديل المقنع عن التزمت الأصولي السائد والنزعات الطائفية البغيضة التي تفتك الآن بكل مجتمعات العرب والإسلام فتكا ذريعاً.
ولو اتسع لي الوقت لتكلمت عن الحداثة الأدبية أو الشعرية. فقد تخلص الشعراء من قيود الأوزان والقوافي التقليدية كما تخلص المؤمن الحديث من قيود التراث المتراكم وأصفاده وطقوسه التي لا تنتهي. وبالتالي فالحداثة هي مشروع تحرري على كافة الأصعدة والمستويات.
انها انفجار لكل الطاقات المكبوتة. إنها تصيب كل جوانب الحياة دفعة واحدة أو على مراحل. بهذا المعنى فهي معجزة فعلاً لأنها لم تتحقق حتى الآن إلا في أوروبا وأميركا الشمالية واستراليا واليابان إلى حد كبير. وجميع الأمم تصبو إليها دون أن تستطيع تجسيدها على أرض الواقع بكل جوانبها.
ولكنها سائرة على الطريق. بهذا المعنى فهناك طريق صيني إلى الحداثة، وطريق هندي، وطريق عربي إسلامي، الخ... بهذا المعنى أيضاً فإن الحداثة ظاهرة كونية وليست محلية كما يزعم خصومها الذين يكرهونها. ولكنها في كل نطاق ثقافي معين سوف تتلوَّن بألوانه وتتلبس بلباسه.
وبالتالي فليطمئن دعاة الخصوصية والأصالة إذن. فالتراث العربي الإسلامي بعد الحداثة أو تحديث الفكر الديني سوف يبدو أكثر بهاء وجمالاً، أو أقل قمعاً وإكراهاً، مما كان عليه قبلها. وأكبر دليل على ذلك التجديد الراديكالي الرائع الذي يقدمه محمد أركون عن تراث الإسلام عن طريق عقلنته وتطبيق المناهج الحديثة عليه: كالمنهجية الألسنية، والمنهجية السوسيولوجية، والمنهجية التاريخية الخ.
إن جوهر مشروع الحداثة يتمثل في استقلالية العقل بالقياس إلى النقل، أو الفلسفة بالقياس إلى الدين دون أن يعني ذلك أبداً القضاء على الدين كما يفهم بعضنا عن خطأ حداثة أوروبا. فالدين في أوروبا لم ينته بعد انتصار الحداثة وإنما تحول مفهومه وتعقلن وتجدد. وعندما تقرأ أبحاث علماء الدين في أوروبا تكاد تتخيل وكأنك تقرأ أبحاث فلاسفة لا أبحاث رجال دين..
انظر مثلا كتابات عالم اللاهوت الألماني الشهير: هانز كونغ الذي اصدر مؤخرا كتابا هاما عن الإسلام. وليتنا نعرف الألمانية لكي نطلع عليه. ولكننا مضطرون لانتظار صدور الترجمة الفرنسية لكي يتاح لنا ذلك. والعرب، اين هم؟ لماذا لا يترجمونه؟ وهكذا أصبحت العلاقة مع الدين حرة بعد أن كانت قمعية وإكراهية. وهذا أقرب ما يكون إلى جوهر الدين الذي تنص عليه الآية الكريمة: «لا إكراه في الدين».
والآن أطرح هذا السؤال: أين نقف نحن كعرب وكمسلمين من مشروع الحداثة هذا؟ سوف أقول باختصار شديد اننا نعيش مرحلة انتقالية عسيرة لا يستبين فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود حتى الآن. وربما لن يستبين قبل مرور زمن طويل وخوض معارك طاحنة يشيب لهولها الولدان؟
المثقفون الأميركان يدعونها بالفوضى الخلاقة ولا أعتقد أن هذا المصطلح خاطئ كلياً على عكس ما يتوهم المثقفون العرب. أقول ذلك على الرغم من معارضتي للكثير من أطروحات وحماقات المحافظين الجدد. فالنظام الجديد الحر لا يتولد إلا بعد الفوضى والعذاب.
ولا بد من مصارعة الأمواج العاتية قبل الوصول إلى الشاطئ، ولا بد دون الشهد من إبر النحل. أما أولئك الذين يريدون الوصول إلى الحداثة أو التمتع بثمارها والتفيؤ بظلالها دون أن يدفعوا ثمنها مسبقا فليذهبوا إلى الجحيم؟ فهي لم تخلق لهم.. ولذلك لم يفاجئني إطلاقا ما يحصل في العراق حالياً.
بل وأعتبره شيئاً منطقياً لأن تصفية الحسابات التاريخية المعلقة هي الشرط المسبق والضروري لكل انطلاقة حضارية موفقة. وأكبر دليل على ذلك تجربة أوروبا نفسها. فهي لم تقلع حضاريا إلا بعد أن خاضت كل المعارك الطائفية والمذهبية وتجاوزتها.
وهذا ما ادعوه عادة بانتصار الذات على ذاتها بعد ان تمر في أتون المعاناة ومصهر التحدي. بالطبع فانه يؤلمنا جميعا استباحة بلد عربي كبير بهذا الشكل. ويؤلمنا سقوط كل هذه الضحايا البريئة من خلال تفجيرات إجرامية مروعة.
ويؤلمنا أن شعب العراق لم يستطع التخلص من الطغيان إلا عن طريق الغزو الأجنبي المقيت. وكل ما نرجوه هو أن يزول هذا الاحتلال البغيض بأسرع وقت ممكن. ولكن يخطئ من يظن أن كل المشاكل ستزول بزواله.
كاتب سوري، باريس
--------------------------------------------
الناس على دين فنانيهم.. لكن أي فنانين؟
هويدا طه
كما يوجد مفتي السلطان ومفتي الناس.. يوجد أيضا فنان الحكومة وفنان الشعب، في الفترة الأخيرة تابعنا كيف أن فنانا مشهورا ذائع الصيت مثل عادل إمام كان يقوم بدور المروج- بشكل فيه من الرخص الكثير- للتعديلات الدستورية التي ارتكبها النظام في مصر ضد شعبه، وفي المقابل كان هناك فنانون (مناوئون) لتلك التعديلات.. آخذين في ذلك النهج صف المعارضة لتعديلات هستورية للدستور ستكون إحدى نتائجها.. إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية، من أبرز هؤلاء الفنانين (المسيسين) المعارضين الفنان عبد العزيز مخيون، وهو ظاهرة تستحق النظر.. فقد أحبه الجمهور لنشاطه السياسي فأقبل على فنه يشاهده (بحب)! بينما عادل إمام أحبه الناس لفنه ثم بدءوا (ينفرون) منه لنشاطه السياسي الداعم لحزب الحكومة عمال على بطال!.. الغريب أن عادل إمام هو من أكثر الممثلين المصريين الذين أدوا في السينما المصرية دور (البطل الثوري) الذي يحث الناس على التحرك والثورة لتغيير أوضاعهم.. باللسان في بعض الأفلام وباليد والسلاح في بعضها الآخر! بالطبع لا يستطيع أحد أن يطالب الفنان- الممثل بالذات- أن بكون في الحياة والواقع مماثلا للشخصيات المتنوعة التي يؤديها.. هذا مطلب غير منطقي بالطبع، لكن المقابلة بين مخيون وإمام هي في موقع كل منهما كناشط سياسي من طرفي المعادلة السياسية المتناقضين.. الحكومة والشعب.. دون تجاهل أنهما فنانان، هذا ما عبر عنه مخيون عندما كان ضيفا على برنامج (مباشر مع) على قناة الجزيرة مباشر.. الذي تقدمه المذيعة السمراء حلوة السمرة منى سلمان والتي تتميز عن نظيراتها بهذا (المخزون) من الوعي والثقافة.. فاجتمعت في الحلقة صورة لإعلامية واعية وفنان مخلص لجمهوره داخل وخارج الشاشة! قال مخيون إن وظيفة الفن (والإعلام أيضا) هي تقديم الحقيقة للناس لا خداعهم، وإن دور الفن الحقيقي أن يكشف الواقع ويحلله، ويكشف التاريخ ويسقطه على الواقع لأن الفن بحسب تعبيره.. ذاكرة للناس، وقال إنه من خبرته في كل من الفن والنشاط السياسي أدرك أن الناس في الشارع لديهم (حس نقدي) أعلى حتى من النقاد.. ومن بعض الصحفيين الذين يروجون فيما يسمى (الصحافة الفنية) للفن الهابط المخادع والمخدر! المتصلون بالبرنامج من الجمهور كانوا من بلدان متعددة.. من الخليج إلى موريتانيا.. جميعهم كان يطلب من الفنان (دورا ما) دون أن يكون واضحا ما المطلوب منه بالضبط.. وهو ما التقطته المذيعة السمراء بسؤالها الذكي: بعد كل هذه الاتصالات ما زلنا نحاول تلمس الدور المطلوب بالضبط من الفنان.. ما هو؟ كانت إجابة مخيون أن الفنان واحد من ثلاثة إما متحالف مع السلطة أو متفرج أو مشارك في العمل السياسي.. على الفنان أن يختار بينها، وعندما سألته منى عن هؤلاء الفنانين الذين يظهرون في مؤتمرات الحزب الحاكم- في إشارة إلى عادل إمام- كانت إجابة عبد العزيز مخيون الفنان الناشط سياسيا في الشارع وبين الجماهير.. إجابة (مهذبة)! فقد أشار إلى قدرة الناس على التمييز بين مفتي السلطان ومفتي الناس بقوله: أنا أثق في الحاسة النقدية للناس.. الناس يمكنهم تمييز... خدم السلطة!** ريموت كنترول( 1 ) الأجمل من مشاهد حفل تنصيب الرئيس الموريتاني المنتخب.. كان مشهد العسكريين الموريتانيين وهم خارجين من مبنى الحكومة ببزاتهم العسكرية وحقائب أوراقهم!.. الناس استقبلتهم بحب وهم (يخرجون)! ليس فقط الناس الموريتانيون.. وإنما المشهد كان يستحق الحب الذي لاقاه عسكريو موريتانيا من كل عربي تابع النقل الحي لصور هؤلاء الرجال.. وهم يتوقفون على السلم لالتقاط صورة وهم خارجون من السلطة- سبحان الله- مبتسمين!.. في مشهد يوحي بأن موريتانيا يحل فيها عهد (قيادة جديدة وعبور للمستقبل)!.. ما بين القوسين كان شعارا في حملة مبارك الانتخابية في.. واقعة الانتخابات الرئاسية في مصر!( 2 ) منذ طفولتنا.. نشبت بعض المصطلحات أظافرها في وعينا وذاكرتنا وصنعت موقفنا من العالم والحياة.. حتى أصبح سماعها في نشرات الأخبار أمرا عاديا يستدعي دون توضيح.. فلسطين والقضية الفلسطينية، اللاجئون الفلسطينيون.. قرار العودة.. المفوضية العليا لشؤون اللاجئين- فرع فلسطين.. النازحون الفلسطينيون.. الشتات الفلسطيني.. الدول المجاورة.. الدول المضيفة.. الهوية الفلسطينية.. النكبة.. الانتفاضة الفلسطينية.. إلى آخره من مفردات كلما كبرنا وتقدمنا في العمر كبرت هي حتى صارت (فلسطين ومصطلحاتها) رمزا لعجز منطقة بكاملها ورمزا لنفاق عالم بكامله، الآن.. هناك جيل جديد من العرب تنشب مصطلحات جديدة أظافرها في وعيه.. اللاجئون العراقيون.. النازحون العراقيون.. الشتات العراقي.. الدول المجاورة.. الدول المضيفة.. قرار العودة.. المفوضية العليا لشئون اللاجئين- فرع العراق.. الهوية العراقية.. إلى آخره من مصطلحات ستكبر مع هذا الجيل.. حتى تصبح القضية العراقية رمزا جديدا لعجز منطقة بأكملها ورمزا إضافيا لنفاق عالم بأكمله.. لكل جيل نكبته.. هل تصير كل أمنيتنا الآن أن (يكتفي) جيلنا بنكبتين فقط.. قبل أن نرحل عن هذا العالم؟!( 3 ) هناك مؤتمرات تتميز بفوقية المشاركين فيها وابتعادهم عن (آلام الشارع).. لطالما كانت هذه المؤتمرات تعقد في كل المجالات الثقافية والسياسية والعلمية وغيرها دون أن يلم رجل الشارع بما دار فيها، الآن.. الفضائيات أتاحت لأمثالنا أن نعرف ولو شيئا يسيرا عن (مناوشات الكبار) في تلك المؤتمرات.. واحد من تلك المؤتمرات (مؤتمر الديمقراطية والتجارة الحرة) الذي عقد في الدوحة.. نقلت الجزيرة منه جزءً لطيفا للغاية.. كان (مناوشة) بين عمرو موسى (وهو الذي يكون خفيف الظل عندما لا يكون متحدثا باسم أي مؤسسة عربية.. سواء الخارجية المصرية أو الجامعة العربية) وجاك سترو وزير الخارجية البريطاني السابق.. كان سترو رافعا أنفه في عنان السماء مسترخيا راجعا بجسده إلى الوراء في مقعده وهو يمدح الديمقراطية.. ويعايرنا بقلة التربية الديمقراطية التي نتميز بها دونا عن العالمين فقال:( هل سمعتم عن حرب بين ديمقراطيتين؟) فما كان من عمرو موسى إلا أن التفت إليه محتجا وهو يبتسم وقال: لأ يا جاك.. خلينا نتناقش.. السؤال مش كده.. السؤال ألم ترون ديمقراطيات تعتدي على دول أخرى؟.. بتضربوا ليه الدول التانية؟!
--------------------------------------------------