ولاية الأسد الثانية: السنة الـ 37 في عمر "الحركة التصحيحية"
صبحي حديدي
مضى زمن (كان، لحسن الحظّ، قصيراً عابراً) شهد يقين عدد من المراقبين السوريين، المشتغلين بالشأن العام أو الكتّاب أو الأكاديميين علماء الاجتماع والسياسة، من أهل الحياد أو حتى من المنخرطين في المعارضة أو المحسوبين عليها، بأنّ ولاية بشار الأسد الأولى سوف تنطوي على مقدار من الإصلاحات. في المقابل، توفّر تفكير آخر (كاتب هذا السطور كان، ويظلّ، في عداده) ساجل بأنّ بنية النظام، كما رسّخ حافظ الأسد قوانينها ومعادلاتها وتوازناتها طيلة ثلاثة عقود، أشدّ استعصاء من أن تحتمل درجة جدّية من الإصلاح، وأنّ أيّ تبدّل طارىء في تكوينها المورفولوجي سوف يسفر عن كسور وصدوع وانهيارات قد تذهب بسائر البنية وتنتهي إلى انهيارها.
اليوم، أو بالأحرى منذ السنة الثالثة لتلك السنوات السبع العجاف، لا نكاد نعثر على صوت واحد يردّد أصداء التفكير التفاؤلي ذاك، إذا جاز الحديث هنا عن تفاؤل وتشاؤم، واستقرّ تدريجياً ما يشبه الإجماع على التفكير الثاني. وأن يتمّ بلوغ هذا الإجماع بعد تأخّر، خير من تلك المراوحة في انتظار آتٍ لا يأتي، حتى إذا كان أحد أبرز المراقبين يستأنف الحال ذاتها بصدد مسائل مثل دعوة المعارضة إلى الحوار مع النظام (كأنّ أبواب السلطة مشرعة أمام هكذا حوار، او أيّ حوار في الواقع!)، أو تقريع المعارضة (الضعيفة أصلاً، الهامشية، والمجزأة...) لأنّ خطابها "عدواني"، أو لأنها قد تنوي التعويل على الضغوط الخارجية (كأنّ الضغوط هذه قائمة على قدم وساق)، أو على المحكمة ذات الطابع الدولي (هذه بعض آراء الدكتور برهان غليون الأخيرة، على سبيل المثال).
وفي يوم 17 من الشهر الجاري، تموز (يوليو)، سوف يؤدّي بشار الأسد اليمين الدستورية للولاية الثانية التي يُراد لها ان تمتدّ حتى العام 2014، وسيكون عجيباً أن لا يعثر المرء في خطاب القسم الثاني على كلّ العناصر الكفيلة بالتطلّع إلى العام 44 من عمر الانقلاب، المعروف رسمياً باسم "الحركة التصحيحية"، الذي قاده الأسد الأب في تشرين الثاني (نوفمبر) 1970. وللمرء أن يراهن، دون كبير تردّد، على مفردات خطاب يزيد في استعصاء البنية، ويستزيد في إطراء فضائلها وصمودها وممانعتها، ويهجو العملاء من معارضيها وضحاياها، سواء بسواء. وسيكون طريفاً، بمعنى الكوميديا السوداء جوهرياً، أن يسرد الأسد سلسلة جديدة من المؤشرات القادمة التي ستسقط المزيد من المتفائلين حول نظامه، أو تهبط بهم (وربما الأدقّ القول إنها ترفعهم) إلى مصافّ المتشائمين!
ولعلّ المصادفة، السوداء بمعنى المأساة هذه المرّة، شاءت أن يؤدّي الأسد القسم على مبعدة خمسة أيام فقط من الذكرى الأولى للحرب البربرية الهمجية التي شنّتها إسرائيل على لبنان، كلّ لبنان في الواقع، وليس ضدّ "حزب الله" وحده كما أشاعت الخرافة الدعاوية الإسرائيلية ـ الأمريكية، وكما تعمّد ترسيخها إعلام السلطة السورية وإعلام حلفائها اللبنانيين. ذلك لأنّ الأسد لم ينتظر إلا زمناً قصيراً قياسياً بعد وقف إطلاق النار لكي يعلن "الوعد الصادق" معركة ظافرة في حرب مفتوحة يقودها نظامه ضدّ الدولة العبرية والولايات المتحدة في جانب، وضدّ "أنصاف الرجال" من ملوك ورؤساء وسلاطين العرب من جانب آخر. وكما توجّب أن يبدو انسحابه العسكري من لبنان هزيمة كبرى مبكّرة للشطر الذي يخصّه من تراث "الحركة التصحيحية"، فقد تحتّم أن تبدو جميع الكوارث التي جرّتها الحرب على لبنان ـ شعباً وبلداً، اجتماعاً واقتصاداً وسياسة وبنية تحتية... ـ وكأنها فصول أولى في ذمّة اللبنانيين، ثأراً لمهانة إخراج النظام عسكرياً من لبنان.
وإذا كان من المشروع السجال حول المحتوى الملموس لمقولة انتصار "حزب الله"، بالمعنى السياسي أو الجيو ـ سياسي على وجه الدقة، ودون التقليل البتة من مآثر مقاتلي الحزب وصمودهم في وجه أحد أقوى جيوش العالم وتكبيده خسائر فادحة، فإنّ تجيير ذلك المحتوى لصالح النظام السوري ليس ترهات جوفاء فحسب، بل هو إهانة بليغة لتضحيات اللبنانيين، جميع اللبنانيين. وضمن المنطق ذاته، إذا صحّ أنّ انتصار "حزب الله" لا يمكن فصله عن نتيجة لا توحي كثيراً بالظفر، أي نشر الجيش اللبناني وقوّات المراقبة دولية على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية وإقامة مناطق عزل فعلية في وجه المقاومة، فإنّ الأصحّ التذكير بأنّ حصاد النظام السوري من العملية بأسرها كان في التكتيك هزيلاً، وهو في الستراتيجية يواصل الارتداد إلى نحر النظام ويفاقم مآزقه الإقليمية والدولية، فضلاً عن ضغوطات الحصيلة البائسة في نطاق لداخل السوري.
وإلى جانب هذه المصادفة التزامنية بين الذكرى الأولى للحرب الإسرائيلية على لبنان وأداء القسم الرئاسي للولاية الثانية، ثمة ذلك التذكير اليومي بأنّ أواليات الاستبداد التي تعتمدها مختلف أجهزة السلطة إنما تستأنف مجمل أعراف "الحركة التصحيحية" في الاعتقال التعسفي وانتهاك الحرّيات وكمّ الأفواه وتشديد القمع، لكنها تصبح أحياناً أشدّ ابتذالاً وخبثاً حين تذهب أبعد ممّا كانت الأجهزة ذاتها قد ذهبت إليه في عقود حكم الأسد الأب. هنا، أيضاً، لن نعدم في خطاب القسم الثاني ما يعيد إنتاج خطاب القسم الأوّل، وما يواصل إطراءه وامتداح حكمته السياسية أو الفلسفية أيضاً.
وفي خطاب 2000 أعلن بشار الأسد أنه لا يملك «عصا سحرية لتحقيق المعجزات»، وكأنّ الشعب كان لا يطالبه إلا باجتراح المعجزات، أو كأنّ في باب المعجزات وحدها التعهد بإلغاء الأحكام العرفية، على سبيل المثال. أليس عجيباً، في المقابل، أنّ الرئيس ـ الذي أتي نتيجة معجزة تغيير الدستور في دقائق معدودات على مقاس يناسب سنّ الوريث، وترفيع ضابط طبيب يقلّ عمره عن 40 سنة إلى رتبة فريق، يقبض في يده على السلطات كافّة... ـ يرى أنّ المعجزة وحدها هي التي سوف تطوي صفحة الأحكام العرفية؟ أو تعيد تنظيم الحياة السياسية بما يكفل بعض التعددية وبعض الحريات في التعبير والتجمّع والتنظيم (وثمة حاجة على التكرارد: بعض التعددية وبعض الحريات، وليس كلّ التعددية وكلّ الحريات) أمر خارق يحتاج إلى ساحر مسلّح بعصا سحرية؟
ولقد كان واضحاً أن الابن يعيد صوغ خطاب الأب بصدد التعددية السياسية حين أغدق المديح على خيار «الجبهة الوطنية التقدمية» بوصفها المثال على «نموذج ديمقراطي تمّ تطويره من خلال تجربتنا الخاصة»، وتناسى ما يعرفه كلّ مواطن سوري راشد: أنّ هذه الجبهة خُلقت جثّة هامدة منذ البدء، وتعفّنت طويلاً، وزكمت رائحة موتها الأنوف، وأحزابها ليست سوى حلقات تصفيق وتهليل ومباركة ومبايعة. وإذا كان الأسد الابن يتحدّث عن ضرورة تطوير صيغة عمل الجبهة «بما يستجيب لحاجات التطوير الذي يتطلبه واقعنا المتطور والمتنامي»، فإنّ الأسد الأب كان قد تحدّث هكذا في كلّ خطاب قسم خلال السنوات الثلاثين. الجبهة العتيدة بقيت على حالها، وبقي عجائزها العاجزون المنافقون كلٌّ في مكانه وموقعه: لا حياة لمن تنادي!
كذلك أعاد الابن إنتاج خطاب أبيه في مسألة الديمقراطية، مع تغيير وحيد هو اللغة الفلسفية المتحذلقة التي يستخدمها كاتب خُطبه، والتي تختلف عن اللغة الجافة الإستعلائية التي كان يستخدمها كاتب خُطب الأسد الأب. وذات يوم، حين انطلقت عمليات البيريسترويكا في الإتحاد السوفييتي، أعلن الأسد أنّ سورية سبقت غورباتشوف إلى هذا النوع من العلانية والإصلاح والمحاسبة، وضرب مثلاً على ذلك في... الجبهة الوطنية التقدمية، دون سواها! الابن يقول إنّ «الديمقراطية واجب علينا تجاه الآخرين قبل أن تكون حقاً لنا»، أيّ أنّ ممارسة الديمقراطية ليست حقّ المواطن أوّلاً، بل هي التالية بعد واجبه تجاه «الآخرين»، الذين لا يمكن أن يكونوا سوى الدولة ذاتها. يؤدّي المواطن واجبه أوّلاً، وبعدها نبحث في حقوقه. هذا هو جوهر الحذلقة في التهرّب من المسألة الجوهرية التي تقول إنّ انفصال الحقوق عن الواجبات، أو تفصيل الحقوق على مقاس الواجبات، هو المدخل الكلاسيكي الذي مكّن أنظمة القمع والإستبداد من تدجين المواطن وتغييب حقوقه تحت مظلة واجبه تجاه «الوطن»، الذي ليس سوى مزرعة القاهر وملعب السلطة.
خطاب 2007 سوف يستأنف، أيضاً، تلك الفلسفة الرئاسية الشابة (إذْ هكذا قدّمها ثقاة النظام وبعض المتفائلين)، التي نظّرت وتنظّر على نحو مقارن بين ديمقراطية النظام والديمقراطيات الغربية، حيث ينبغي "أن تكون لنا تجربتنا الديمقراطية الخاصة بنا، المنبثقة عن تاريخنا وثقافتنا وشخصيتنا الحضارية، والنابعة من حاجات مجتمعنا ومقتضيات واقعنا». وبعد أسابيع معدودات على وأد تجربة المنتديات وما عُرف باسم "ربيع دمشق"، حين شُنّت حملة اعتقالات شملت ناشطين بارزين مثل رياض سيف وعارف دليلة ومأمون الحمصي وحبيب عيسى، وإعادة اعتقال المعارض الكبير رياض الترك، قال الأسد ما يلي في وصف ذلك التحرّك، بسخرية ظاهرة: «كلمة ربيع لا تعنينا كمصطلح. فالربيع هو فصل مؤقت، والربيع فصل يعجب البعض والبعض الآخر يحبّ الشتاء»...
ويبقى، بالطبع، ملفّان أخيران، بين الكثير سواهما من ملفات لا تقلّ أهمية. الأوّل هو الفساد، مصدر النهب والإثراء المستديم في بيت السلطة، والصندوق الكفيل بالإنفاق على آلة الاستبداد والقمع وإدامة شبكات الولاء. ولقد جرى، منذ الأشهر القليلة الأولى بعد أداء القسم الأوّل، التجميد العملي لحكاية محاربة الفساد. وكانت هذه، مع ذلك، هي البيرق الأهمّ الذي رفعه فريق الأسد الابن خلال سنوات ترقيته وتدريبه وتحضيره لوراثة أبيه، سواء بغرض كسب تعاطف الشارع وشحذ الآمال وخلق حال من الترقّب الإيجابي في صفوف المواطنين، أو للتلويح بالهراوة الغليظة في وجوه رجالات السلطة من الدرجات الثانية أو الثالثة، ممّن يزمعون القيام بأيّ نوع من أنواع التغريد خارج السرب. لم نشهد، مذاك، تطوراً دراماتيكياً من النوع الذي ذهب بالثلاثي محمود الزعبي/سليم ياسين/مفيد عبد الكريم، وانتهى مع انتحار الأوّل والحجز على أموال الثاني والثالث، وإلهاء العباد بهذا الخبر أو ذاك عن إحالة هذا المدير العام أو ذاك إلى القضاء.
الملفّ الثاني هو مآل النظام الراهن في معمار القيادة والسيطرة، أي الركون أكثر فأكثر إلى الحكم العائلي في أعلى الهرم، وشبه العائلي حين تهبط درجات القرار من الأعلى إلى الأدنى. وفي حين أنّ الأسد الأب نجح مبكراً في تشكيل طاقم أمني ـ عسكري ـ سياسي متماسك من حوله، ضمّ ضباطاً من أمثال رفعت الأسد وعلي دوبا ومحمد الخولي وعلي حيدر وحكمت الشهابي وشفيق فياض وابراهيم صافي ومحمد ناصيف، ومدنيين من أمثال عبد الحليم خدام وعبد الرؤوف الكسم ومحمد حيدر، وجد الأسد الابن أنّ الخيار الوحيد الناجع للحدّ من نفوذ الحرس القديم هو إحاطة القصر بالأخ والأخت والصهر والخال وابن الخال! ليس دون ثمن باهظ أحياناً، من نوع التضحية بأفراد أركان شغلوا مواقع بالغة الحساسية في جسم السلطة وفي مركز القرار، من أمثال اللواء غازي كنعان واللواء بهجت سليمان.
وهل بعدّة كهذه يحلم بيت السلطة بتمرير سبع سنوات أخرى من حكم بشار الأسد، و44 سنة من عمر "الحركة التصحيحية"؟
صبحي حديدي
مضى زمن (كان، لحسن الحظّ، قصيراً عابراً) شهد يقين عدد من المراقبين السوريين، المشتغلين بالشأن العام أو الكتّاب أو الأكاديميين علماء الاجتماع والسياسة، من أهل الحياد أو حتى من المنخرطين في المعارضة أو المحسوبين عليها، بأنّ ولاية بشار الأسد الأولى سوف تنطوي على مقدار من الإصلاحات. في المقابل، توفّر تفكير آخر (كاتب هذا السطور كان، ويظلّ، في عداده) ساجل بأنّ بنية النظام، كما رسّخ حافظ الأسد قوانينها ومعادلاتها وتوازناتها طيلة ثلاثة عقود، أشدّ استعصاء من أن تحتمل درجة جدّية من الإصلاح، وأنّ أيّ تبدّل طارىء في تكوينها المورفولوجي سوف يسفر عن كسور وصدوع وانهيارات قد تذهب بسائر البنية وتنتهي إلى انهيارها.
اليوم، أو بالأحرى منذ السنة الثالثة لتلك السنوات السبع العجاف، لا نكاد نعثر على صوت واحد يردّد أصداء التفكير التفاؤلي ذاك، إذا جاز الحديث هنا عن تفاؤل وتشاؤم، واستقرّ تدريجياً ما يشبه الإجماع على التفكير الثاني. وأن يتمّ بلوغ هذا الإجماع بعد تأخّر، خير من تلك المراوحة في انتظار آتٍ لا يأتي، حتى إذا كان أحد أبرز المراقبين يستأنف الحال ذاتها بصدد مسائل مثل دعوة المعارضة إلى الحوار مع النظام (كأنّ أبواب السلطة مشرعة أمام هكذا حوار، او أيّ حوار في الواقع!)، أو تقريع المعارضة (الضعيفة أصلاً، الهامشية، والمجزأة...) لأنّ خطابها "عدواني"، أو لأنها قد تنوي التعويل على الضغوط الخارجية (كأنّ الضغوط هذه قائمة على قدم وساق)، أو على المحكمة ذات الطابع الدولي (هذه بعض آراء الدكتور برهان غليون الأخيرة، على سبيل المثال).
وفي يوم 17 من الشهر الجاري، تموز (يوليو)، سوف يؤدّي بشار الأسد اليمين الدستورية للولاية الثانية التي يُراد لها ان تمتدّ حتى العام 2014، وسيكون عجيباً أن لا يعثر المرء في خطاب القسم الثاني على كلّ العناصر الكفيلة بالتطلّع إلى العام 44 من عمر الانقلاب، المعروف رسمياً باسم "الحركة التصحيحية"، الذي قاده الأسد الأب في تشرين الثاني (نوفمبر) 1970. وللمرء أن يراهن، دون كبير تردّد، على مفردات خطاب يزيد في استعصاء البنية، ويستزيد في إطراء فضائلها وصمودها وممانعتها، ويهجو العملاء من معارضيها وضحاياها، سواء بسواء. وسيكون طريفاً، بمعنى الكوميديا السوداء جوهرياً، أن يسرد الأسد سلسلة جديدة من المؤشرات القادمة التي ستسقط المزيد من المتفائلين حول نظامه، أو تهبط بهم (وربما الأدقّ القول إنها ترفعهم) إلى مصافّ المتشائمين!
ولعلّ المصادفة، السوداء بمعنى المأساة هذه المرّة، شاءت أن يؤدّي الأسد القسم على مبعدة خمسة أيام فقط من الذكرى الأولى للحرب البربرية الهمجية التي شنّتها إسرائيل على لبنان، كلّ لبنان في الواقع، وليس ضدّ "حزب الله" وحده كما أشاعت الخرافة الدعاوية الإسرائيلية ـ الأمريكية، وكما تعمّد ترسيخها إعلام السلطة السورية وإعلام حلفائها اللبنانيين. ذلك لأنّ الأسد لم ينتظر إلا زمناً قصيراً قياسياً بعد وقف إطلاق النار لكي يعلن "الوعد الصادق" معركة ظافرة في حرب مفتوحة يقودها نظامه ضدّ الدولة العبرية والولايات المتحدة في جانب، وضدّ "أنصاف الرجال" من ملوك ورؤساء وسلاطين العرب من جانب آخر. وكما توجّب أن يبدو انسحابه العسكري من لبنان هزيمة كبرى مبكّرة للشطر الذي يخصّه من تراث "الحركة التصحيحية"، فقد تحتّم أن تبدو جميع الكوارث التي جرّتها الحرب على لبنان ـ شعباً وبلداً، اجتماعاً واقتصاداً وسياسة وبنية تحتية... ـ وكأنها فصول أولى في ذمّة اللبنانيين، ثأراً لمهانة إخراج النظام عسكرياً من لبنان.
وإذا كان من المشروع السجال حول المحتوى الملموس لمقولة انتصار "حزب الله"، بالمعنى السياسي أو الجيو ـ سياسي على وجه الدقة، ودون التقليل البتة من مآثر مقاتلي الحزب وصمودهم في وجه أحد أقوى جيوش العالم وتكبيده خسائر فادحة، فإنّ تجيير ذلك المحتوى لصالح النظام السوري ليس ترهات جوفاء فحسب، بل هو إهانة بليغة لتضحيات اللبنانيين، جميع اللبنانيين. وضمن المنطق ذاته، إذا صحّ أنّ انتصار "حزب الله" لا يمكن فصله عن نتيجة لا توحي كثيراً بالظفر، أي نشر الجيش اللبناني وقوّات المراقبة دولية على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية وإقامة مناطق عزل فعلية في وجه المقاومة، فإنّ الأصحّ التذكير بأنّ حصاد النظام السوري من العملية بأسرها كان في التكتيك هزيلاً، وهو في الستراتيجية يواصل الارتداد إلى نحر النظام ويفاقم مآزقه الإقليمية والدولية، فضلاً عن ضغوطات الحصيلة البائسة في نطاق لداخل السوري.
وإلى جانب هذه المصادفة التزامنية بين الذكرى الأولى للحرب الإسرائيلية على لبنان وأداء القسم الرئاسي للولاية الثانية، ثمة ذلك التذكير اليومي بأنّ أواليات الاستبداد التي تعتمدها مختلف أجهزة السلطة إنما تستأنف مجمل أعراف "الحركة التصحيحية" في الاعتقال التعسفي وانتهاك الحرّيات وكمّ الأفواه وتشديد القمع، لكنها تصبح أحياناً أشدّ ابتذالاً وخبثاً حين تذهب أبعد ممّا كانت الأجهزة ذاتها قد ذهبت إليه في عقود حكم الأسد الأب. هنا، أيضاً، لن نعدم في خطاب القسم الثاني ما يعيد إنتاج خطاب القسم الأوّل، وما يواصل إطراءه وامتداح حكمته السياسية أو الفلسفية أيضاً.
وفي خطاب 2000 أعلن بشار الأسد أنه لا يملك «عصا سحرية لتحقيق المعجزات»، وكأنّ الشعب كان لا يطالبه إلا باجتراح المعجزات، أو كأنّ في باب المعجزات وحدها التعهد بإلغاء الأحكام العرفية، على سبيل المثال. أليس عجيباً، في المقابل، أنّ الرئيس ـ الذي أتي نتيجة معجزة تغيير الدستور في دقائق معدودات على مقاس يناسب سنّ الوريث، وترفيع ضابط طبيب يقلّ عمره عن 40 سنة إلى رتبة فريق، يقبض في يده على السلطات كافّة... ـ يرى أنّ المعجزة وحدها هي التي سوف تطوي صفحة الأحكام العرفية؟ أو تعيد تنظيم الحياة السياسية بما يكفل بعض التعددية وبعض الحريات في التعبير والتجمّع والتنظيم (وثمة حاجة على التكرارد: بعض التعددية وبعض الحريات، وليس كلّ التعددية وكلّ الحريات) أمر خارق يحتاج إلى ساحر مسلّح بعصا سحرية؟
ولقد كان واضحاً أن الابن يعيد صوغ خطاب الأب بصدد التعددية السياسية حين أغدق المديح على خيار «الجبهة الوطنية التقدمية» بوصفها المثال على «نموذج ديمقراطي تمّ تطويره من خلال تجربتنا الخاصة»، وتناسى ما يعرفه كلّ مواطن سوري راشد: أنّ هذه الجبهة خُلقت جثّة هامدة منذ البدء، وتعفّنت طويلاً، وزكمت رائحة موتها الأنوف، وأحزابها ليست سوى حلقات تصفيق وتهليل ومباركة ومبايعة. وإذا كان الأسد الابن يتحدّث عن ضرورة تطوير صيغة عمل الجبهة «بما يستجيب لحاجات التطوير الذي يتطلبه واقعنا المتطور والمتنامي»، فإنّ الأسد الأب كان قد تحدّث هكذا في كلّ خطاب قسم خلال السنوات الثلاثين. الجبهة العتيدة بقيت على حالها، وبقي عجائزها العاجزون المنافقون كلٌّ في مكانه وموقعه: لا حياة لمن تنادي!
كذلك أعاد الابن إنتاج خطاب أبيه في مسألة الديمقراطية، مع تغيير وحيد هو اللغة الفلسفية المتحذلقة التي يستخدمها كاتب خُطبه، والتي تختلف عن اللغة الجافة الإستعلائية التي كان يستخدمها كاتب خُطب الأسد الأب. وذات يوم، حين انطلقت عمليات البيريسترويكا في الإتحاد السوفييتي، أعلن الأسد أنّ سورية سبقت غورباتشوف إلى هذا النوع من العلانية والإصلاح والمحاسبة، وضرب مثلاً على ذلك في... الجبهة الوطنية التقدمية، دون سواها! الابن يقول إنّ «الديمقراطية واجب علينا تجاه الآخرين قبل أن تكون حقاً لنا»، أيّ أنّ ممارسة الديمقراطية ليست حقّ المواطن أوّلاً، بل هي التالية بعد واجبه تجاه «الآخرين»، الذين لا يمكن أن يكونوا سوى الدولة ذاتها. يؤدّي المواطن واجبه أوّلاً، وبعدها نبحث في حقوقه. هذا هو جوهر الحذلقة في التهرّب من المسألة الجوهرية التي تقول إنّ انفصال الحقوق عن الواجبات، أو تفصيل الحقوق على مقاس الواجبات، هو المدخل الكلاسيكي الذي مكّن أنظمة القمع والإستبداد من تدجين المواطن وتغييب حقوقه تحت مظلة واجبه تجاه «الوطن»، الذي ليس سوى مزرعة القاهر وملعب السلطة.
خطاب 2007 سوف يستأنف، أيضاً، تلك الفلسفة الرئاسية الشابة (إذْ هكذا قدّمها ثقاة النظام وبعض المتفائلين)، التي نظّرت وتنظّر على نحو مقارن بين ديمقراطية النظام والديمقراطيات الغربية، حيث ينبغي "أن تكون لنا تجربتنا الديمقراطية الخاصة بنا، المنبثقة عن تاريخنا وثقافتنا وشخصيتنا الحضارية، والنابعة من حاجات مجتمعنا ومقتضيات واقعنا». وبعد أسابيع معدودات على وأد تجربة المنتديات وما عُرف باسم "ربيع دمشق"، حين شُنّت حملة اعتقالات شملت ناشطين بارزين مثل رياض سيف وعارف دليلة ومأمون الحمصي وحبيب عيسى، وإعادة اعتقال المعارض الكبير رياض الترك، قال الأسد ما يلي في وصف ذلك التحرّك، بسخرية ظاهرة: «كلمة ربيع لا تعنينا كمصطلح. فالربيع هو فصل مؤقت، والربيع فصل يعجب البعض والبعض الآخر يحبّ الشتاء»...
ويبقى، بالطبع، ملفّان أخيران، بين الكثير سواهما من ملفات لا تقلّ أهمية. الأوّل هو الفساد، مصدر النهب والإثراء المستديم في بيت السلطة، والصندوق الكفيل بالإنفاق على آلة الاستبداد والقمع وإدامة شبكات الولاء. ولقد جرى، منذ الأشهر القليلة الأولى بعد أداء القسم الأوّل، التجميد العملي لحكاية محاربة الفساد. وكانت هذه، مع ذلك، هي البيرق الأهمّ الذي رفعه فريق الأسد الابن خلال سنوات ترقيته وتدريبه وتحضيره لوراثة أبيه، سواء بغرض كسب تعاطف الشارع وشحذ الآمال وخلق حال من الترقّب الإيجابي في صفوف المواطنين، أو للتلويح بالهراوة الغليظة في وجوه رجالات السلطة من الدرجات الثانية أو الثالثة، ممّن يزمعون القيام بأيّ نوع من أنواع التغريد خارج السرب. لم نشهد، مذاك، تطوراً دراماتيكياً من النوع الذي ذهب بالثلاثي محمود الزعبي/سليم ياسين/مفيد عبد الكريم، وانتهى مع انتحار الأوّل والحجز على أموال الثاني والثالث، وإلهاء العباد بهذا الخبر أو ذاك عن إحالة هذا المدير العام أو ذاك إلى القضاء.
الملفّ الثاني هو مآل النظام الراهن في معمار القيادة والسيطرة، أي الركون أكثر فأكثر إلى الحكم العائلي في أعلى الهرم، وشبه العائلي حين تهبط درجات القرار من الأعلى إلى الأدنى. وفي حين أنّ الأسد الأب نجح مبكراً في تشكيل طاقم أمني ـ عسكري ـ سياسي متماسك من حوله، ضمّ ضباطاً من أمثال رفعت الأسد وعلي دوبا ومحمد الخولي وعلي حيدر وحكمت الشهابي وشفيق فياض وابراهيم صافي ومحمد ناصيف، ومدنيين من أمثال عبد الحليم خدام وعبد الرؤوف الكسم ومحمد حيدر، وجد الأسد الابن أنّ الخيار الوحيد الناجع للحدّ من نفوذ الحرس القديم هو إحاطة القصر بالأخ والأخت والصهر والخال وابن الخال! ليس دون ثمن باهظ أحياناً، من نوع التضحية بأفراد أركان شغلوا مواقع بالغة الحساسية في جسم السلطة وفي مركز القرار، من أمثال اللواء غازي كنعان واللواء بهجت سليمان.
وهل بعدّة كهذه يحلم بيت السلطة بتمرير سبع سنوات أخرى من حكم بشار الأسد، و44 سنة من عمر "الحركة التصحيحية"؟
--------------------------------------------------------
نص رسالة السيدة بورفو بشأن الشباب السوريين الديمقراطيين
2007/07/14

القصر الرئاسي
شارع الرشيد
دمشق – الجمهورية العربية السورية
باريس، تموز 2007
سيدي الرئيس،
لقد بُلِّغتُ بالحكم الصادر عن محكمة أمن الدولة العليا في سوريا والذي يقضي بسجن سبعة شباب ديمقراطيين متّهمين بسبب التعبير عن أفكار سياسية مغايرة لأفكار السلطات الرسمية في بلادكم، ونشر تلك الأفكار. علاوة على ذلك، لقد تمّ تجريدهم من حقوقهم المدنية.
صدر الحكم بالاعتقال لمدة سبع سنوات على السيدين: طارق الغوراني: مساعد مهندس، ماهر إبراهيم إسبر: أعمال حرّة، بينما حُكِم بقية السادة بخمس سنوات من الاعتقال، وهم: الطلاب الثلاثة: حسام ملحم، عمر العبد الله، دياب
سرية، وكذلك أيهم صقر: أعمال حرّة.
منذ أكثر من عام وهؤلاء الشباب قيد الاعتقال. وتفيد المعلومات الواردة إلينا أنهم تعرّضوا لسوءالمعاملة ولأشك التعذيب نفسي وجسدي
تثير هذه المعلومات فينا القلق والحفيظة. من جهة ثانية، فإن حالة هؤلاء الشباب قد استدعت حملة تضامن متابَعَة من قِبَل عدّة منظمات عربية ودولية في إطار اهتمامها بملف حقوق الإنسان.
من المستحيل التسليم باعتقال شباب بتهمة وجرم التعبير عن آرائهم، وإخضاعهم إلى سوء معاملة يشجبها القانون الدولي.
وأنا في رسالتي هذه، أعبّر عن ديمقراطيين سوريين التقينا بهم، كما أعبّر عن كل الذين واللواتي يحفظون مطالب الديمقراطية في أرواحهم، مطالبين سيادتكم، وبكل إلحاح، الإفراج عن الشباب السوريين السبعة.
سيدي الرئيس، تفضّلوا بقبول فائق تحياتي.
نيكول بورفو
نائبة رئيس لجنة القوانين
رئيسة المجموعة الشيوعية والمواطن الجمهوري
عضو في مجلس الشيوخ عن مدينة باريس
عضو في مجلس محافظة باريس"الرأي / خاص"
------------------------------------------------------------
بيان من مكتب إعلان دمشق بمناسبة مرور سبعة وعشرين عاما على صدور القانون 49
2007/07/14
في الثامن من شهر تموز يكون قد مر على صدور القانون 49 لعام 1980 سبعة وعشرون عاما كاملة.وقد قضى هذا "التشريع" بالحكم بالإعدام على كل من ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين في سابقة لم يعرف التاريخ الحديث مثيلا لها،تجعل الموت عقوبة حمل رأي مخالف،من دون أن تربط ذلك بجريمة أو جناية أو شروع بممارسة العنف.
وقوى إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي إذ تضم صوتها إلى أصوات جميع المنظمات التي تستنكر استمرار العمل بهذا القانون الجائر تطالب بالعودة إلى حكم القانون وحماية المواطنين من جور القوانين والمحاكم والإجراءات الاستثنائية.
إن إلغاء هذا القانون خطوة مطلوبة لأنه يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان والمواطن.
عاشت سوريا حرة وطنا ومواطنين.
دمشق في 12/7/2007
إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي
---------------------------------------------------------
بيان بمناسبة ذكرى اليوبيل الذهبي لتأسيس المنظمة الآثورية الديمقراطية
14/07/2007
المنظمة الآثورية الديمقراطيةالمكتب السياسي سوريا ـ ADO ـ ـ تحتفل المنظمة الآثورية الديمقراطية بيوبيلها الذهبي، ذكرى مرور خمسون عاماً على تأسيسها. حيث انطلقت مسيرتها الحافلة بالكفاح والنضال في مدينة القامشلي في الخامس عشر من تموز عام 1957 على أيدي نخبة من الشباب القومي المتنور. وشكّل ظهورها علامة فارقة في حياة شعبنا الكلداني السرياني الآشوري، سجلت دخوله مرحلة العمل السياسي المنظّم لأول مرة في تاريخه المعاصر. وجاء هذا ترجمةً لتنامي الحس القومي في صفوفه، وصدىً لأفكار النهضة القومية التي حمل رايتها قادة ومفكرين من أمثال مار شمعون بنيامين وآغا بطرس ونعوم فائق وآشور يوسف وفريدون آتورايا وتوما أودو.وفريد نزها وشكري جرموكلي . وغيرهم. وتتويجاً للحراك الحيوي الذي شهدته مؤسسات وجمعيات ومدارس شعبنا على كافة الصعد السياسية والثقافية والفكرية والاجتماعية. وردّاً على محاولات التذويب والصهر التي لاحت بوادرها آنذاك. وعملت المنظمة منذ تأسيسها على استنهاض طاقات شعبنا وتوحيدها من أجل تأكيد حضوره الفاعل إنسانياً وحضارياً على المستويين القومي والوطني، وتبنت مطالبه، بضرورة الاعتراف الدستوري بوجوده القومي كشعب أصيل، وضمان كافة حقوقه السياسية والثقافية واحترام خصوصيته وهويته القومية ضمن إطار وحدة البلاد، بالتساوي مع كافة المكونات القومية الأخرى. ورغم صعوبة الظروف التي مرت بها، وانسداد الآفاق أمام العمل السياسي بفعل الاستبداد. فإن المنظمة واصلت تقدمها، ونجحت مع فروعها في المهجر في خلق حالة قومية متطورة ومتفاعلة مع بعدها القومي وعمقها الوطني، مستمدةً من نهجها السلمي الديمقراطي القائم على الاعتدال والانفتاح، القدرة على التواصل مع جميع التكوينات والتعبيرات السياسية القومية والوطنية. وتطوير فكرها وآليات عملها بما يتواءم وأوضاع شعبنا، وخدمة توجهاتها السياسية دون المسّ بمبادئها القومية والوطنية. الصعيد القوميفعلى الصعيد القومي نسجت علاقات مع معظم أحزاب ومؤسسات شعبنا في الوطن والمهجر، اتسمت بالثقة والاحترام، وكانت شريكاً أساسياً ومؤثراً في كل المحاولات الرامية لخلق أطر فعالة للعمل القومي المشترك من أجل التعريف بقضية شعبنا وإيصالها إلى المحافل الدولية، وكذلك فضح الانتهاكات والمظالم التي تطال شعبنا في الوطن. الصعيد الوطنيأما على الصعيد الوطني ومع تبنيها للعلنية، فإن المنظمة انفتحت على الساحة السياسية الوطنية، وطوّرت علاقاتها مع مختلف القوى الوطنية، وهيئات المجتمع المدني واللجان الحقوقية في سوريا. وتوّجت جهودها بالانضمام إلى إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في سوريا. وذلك إيماناً منها بمبدأ الشراكة الوطنية، وان حل مسألة التنوع القومي لا يمكن حلّها إلا عبر حل وطني ديمقراطي عادل يحظى بقبول وتوافق جميع مكونات الوطن. تحل ذكرى اليوبيل الذهبي لتأسيس منظمتنا. في وقت تعيش فيه شعوب المنطقة على وقع صراعات كبرى ومفتوحة على امتداد دولها، بدءاً من العراق مروراً بلبنان وانتهاءاً بفلسطين. الوضع العراقيففي العراق فإن شعبنا الكلداني السرياني الآشوري كسائر مكونات الشعب العراقي وقع ضحية الاحتلال وانهيار الدولة، ووقوعها في قبضة ميليشيات الإرهاب والتكفير. ويدفع شعبنا والمسيحيون كافة في العراق ضريبة مضاعفة جرّاء الاستهداف المستمر من قبل قوى الإرهاب المتسترة بالدين الإسلامي، حيث ترتكب هذه القوى أبشع الجرائم بحق المسيحيين من قتل وخطف وابتزاز، وتفجير للكنائس وفرض الجزية والحجاب على الفتيات وتخيير المسيحيين بين اعتناق الدين الإسلامي وإما القتل والرحيل. ويندرج كل هذا في مخطط شيطاني يهدف إلى إفراغ العراق من سكانه الأصليين. إن استمرار مسلسل القتل، وتتابع نزوح وهجرة المسيحيين من العراق بوتائر متصاعدة، وسط صمت الحكومة والنخب العراقية وتواطؤ بعضها، وعدم اكتراث المجتمع الدولي ومؤسساته لهذه المأساة الإنسانية، قد أرخى بظلاله القاتمة، وولّد الكثير من المخاوف ليس على وضع المسيحيين العراقيين فحسب. الوجود المسيحي في الشرق الآوسطوإنما على الوجود المسيحي في الشرق ككل. حيث يشهد انحساراً متزايداً في معظم دوله، لا سيما فلسطين (مهد المسيح) وتركيا التي تخلصت من الوجود المسيحي عام 1915 عبر منطق الإبادة الجماعية. وما زالت تصرّ على إنكار جريمتها والتصالح مع ماضيها بالرغم من ظهور قبور جماعية لضحايا الإبادة في أكثر من مكان في طور عبدين وغيرها. إن التعامي عن هذا الواقع الكارثي وعزوف نخب وحكومات المنطقة والمجتمع الدولي عن تحمل مسؤولياتها تجاه حماية المسيحيين، ووضع حد لقوى الإرهاب، سوف يدفع إلى تشجيع هذه القوى للانقضاض على هذه الدول وزعزعة استقرارها، والقضاء على تطلعات شعوبها وآمالها بالديمقراطية والحداثة والتقدم. الوضع السوريلا شك أن سوريا وإن كانت تنعم بشيء من الاستقرار النسبي، غير أنها ليست بمنأى عن التأثيرات السلبية لما يجري في الجوار الإقليمي. فالمجتمع السوري يختزن في ثناياه توترات واحتقانات عرقية ودينية واجتماعية، ناجمة عن غياب الحريات، واستمرار تحكم منطق الاحتكار والاستئثار في الحياة العامة، إضافة لانتشار وتغلغل الأفكار المتطرفة في الكثير من مفاصل المجتمع، وتنامي الإحباط واليأس في أوساط الشباب، بسبب انعدام فرص العمل، وتدهور المستوى المعاشي للمواطنين، وكذلك تزايد الضغوط الخارجية الموجهة ضد سوريا. إن إدامة الاستقرار وتعزيز السلم الأهلي، وتنفيس الاحتقان والتوتر، والحد من مفاعيل الضغوط الدولية لا يكون بالهروب نحو المزيد من الاستبداد والقمع، وإنما بتحقيق انفراجات حقيقية وجدية باتجاه الحريات والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والاعتراف بحالة التعدد القومي وتكريسها دستورياً. وهذا يتطلب استنهاض الحالة الوطنية، وإعادة الاعتبار لمفهوم المواطنة، وتلبية مطالب المواطنين بالقضاء على الفساد ورفع معدلات التنمية الاقتصادية والانفتاح على المعارضة الوطنية وتوفير فرص أوسع للمشاركة في الحياة العامة من خلال سن قانون عصري للأحزاب والجمعيات والانتخابات. وإطلاق المعتقلين السياسيين ووقف العمل بحالة الطوارئ. كمدخل أساسي لإقامة نظام ديمقراطي علماني وبناء دولة الحق والقانون والمؤسسات. إن المنظمة الآثورية الديمقراطية، وفي ذكرى اليوبيل الذهبي لتأسيسها، تعاهد أبناء شعبنا ووطننا على مواصلة الدفاع عن القضايا القومية والوطنية بنفس العزم والتصميم أياً كانت الظروف والتبعات، والمضي في طريق الانفتاح على جميع القوى القومية والوطنية، والتعاون معها من أجل دعم وترسيخ وجودنا القومي والإنساني في الوطن، وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية التي تكفل حقوق جميع أبنائها على قاعدة العدل والإخاء والمساواة.
... تحية إجلال وإكبار لشهداء شعبنا ووطننا ...
وكل عام وأنتم بخير- أواسط تموز 2007/6757المنظمة الآثورية الديمقراطية سوريا المكتب السياسي
المنظمة الآثورية الديمقراطيةالمكتب السياسي سوريا ـ ADO ـ ـ تحتفل المنظمة الآثورية الديمقراطية بيوبيلها الذهبي، ذكرى مرور خمسون عاماً على تأسيسها. حيث انطلقت مسيرتها الحافلة بالكفاح والنضال في مدينة القامشلي في الخامس عشر من تموز عام 1957 على أيدي نخبة من الشباب القومي المتنور. وشكّل ظهورها علامة فارقة في حياة شعبنا الكلداني السرياني الآشوري، سجلت دخوله مرحلة العمل السياسي المنظّم لأول مرة في تاريخه المعاصر. وجاء هذا ترجمةً لتنامي الحس القومي في صفوفه، وصدىً لأفكار النهضة القومية التي حمل رايتها قادة ومفكرين من أمثال مار شمعون بنيامين وآغا بطرس ونعوم فائق وآشور يوسف وفريدون آتورايا وتوما أودو.وفريد نزها وشكري جرموكلي . وغيرهم. وتتويجاً للحراك الحيوي الذي شهدته مؤسسات وجمعيات ومدارس شعبنا على كافة الصعد السياسية والثقافية والفكرية والاجتماعية. وردّاً على محاولات التذويب والصهر التي لاحت بوادرها آنذاك. وعملت المنظمة منذ تأسيسها على استنهاض طاقات شعبنا وتوحيدها من أجل تأكيد حضوره الفاعل إنسانياً وحضارياً على المستويين القومي والوطني، وتبنت مطالبه، بضرورة الاعتراف الدستوري بوجوده القومي كشعب أصيل، وضمان كافة حقوقه السياسية والثقافية واحترام خصوصيته وهويته القومية ضمن إطار وحدة البلاد، بالتساوي مع كافة المكونات القومية الأخرى. ورغم صعوبة الظروف التي مرت بها، وانسداد الآفاق أمام العمل السياسي بفعل الاستبداد. فإن المنظمة واصلت تقدمها، ونجحت مع فروعها في المهجر في خلق حالة قومية متطورة ومتفاعلة مع بعدها القومي وعمقها الوطني، مستمدةً من نهجها السلمي الديمقراطي القائم على الاعتدال والانفتاح، القدرة على التواصل مع جميع التكوينات والتعبيرات السياسية القومية والوطنية. وتطوير فكرها وآليات عملها بما يتواءم وأوضاع شعبنا، وخدمة توجهاتها السياسية دون المسّ بمبادئها القومية والوطنية. الصعيد القوميفعلى الصعيد القومي نسجت علاقات مع معظم أحزاب ومؤسسات شعبنا في الوطن والمهجر، اتسمت بالثقة والاحترام، وكانت شريكاً أساسياً ومؤثراً في كل المحاولات الرامية لخلق أطر فعالة للعمل القومي المشترك من أجل التعريف بقضية شعبنا وإيصالها إلى المحافل الدولية، وكذلك فضح الانتهاكات والمظالم التي تطال شعبنا في الوطن. الصعيد الوطنيأما على الصعيد الوطني ومع تبنيها للعلنية، فإن المنظمة انفتحت على الساحة السياسية الوطنية، وطوّرت علاقاتها مع مختلف القوى الوطنية، وهيئات المجتمع المدني واللجان الحقوقية في سوريا. وتوّجت جهودها بالانضمام إلى إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في سوريا. وذلك إيماناً منها بمبدأ الشراكة الوطنية، وان حل مسألة التنوع القومي لا يمكن حلّها إلا عبر حل وطني ديمقراطي عادل يحظى بقبول وتوافق جميع مكونات الوطن. تحل ذكرى اليوبيل الذهبي لتأسيس منظمتنا. في وقت تعيش فيه شعوب المنطقة على وقع صراعات كبرى ومفتوحة على امتداد دولها، بدءاً من العراق مروراً بلبنان وانتهاءاً بفلسطين. الوضع العراقيففي العراق فإن شعبنا الكلداني السرياني الآشوري كسائر مكونات الشعب العراقي وقع ضحية الاحتلال وانهيار الدولة، ووقوعها في قبضة ميليشيات الإرهاب والتكفير. ويدفع شعبنا والمسيحيون كافة في العراق ضريبة مضاعفة جرّاء الاستهداف المستمر من قبل قوى الإرهاب المتسترة بالدين الإسلامي، حيث ترتكب هذه القوى أبشع الجرائم بحق المسيحيين من قتل وخطف وابتزاز، وتفجير للكنائس وفرض الجزية والحجاب على الفتيات وتخيير المسيحيين بين اعتناق الدين الإسلامي وإما القتل والرحيل. ويندرج كل هذا في مخطط شيطاني يهدف إلى إفراغ العراق من سكانه الأصليين. إن استمرار مسلسل القتل، وتتابع نزوح وهجرة المسيحيين من العراق بوتائر متصاعدة، وسط صمت الحكومة والنخب العراقية وتواطؤ بعضها، وعدم اكتراث المجتمع الدولي ومؤسساته لهذه المأساة الإنسانية، قد أرخى بظلاله القاتمة، وولّد الكثير من المخاوف ليس على وضع المسيحيين العراقيين فحسب. الوجود المسيحي في الشرق الآوسطوإنما على الوجود المسيحي في الشرق ككل. حيث يشهد انحساراً متزايداً في معظم دوله، لا سيما فلسطين (مهد المسيح) وتركيا التي تخلصت من الوجود المسيحي عام 1915 عبر منطق الإبادة الجماعية. وما زالت تصرّ على إنكار جريمتها والتصالح مع ماضيها بالرغم من ظهور قبور جماعية لضحايا الإبادة في أكثر من مكان في طور عبدين وغيرها. إن التعامي عن هذا الواقع الكارثي وعزوف نخب وحكومات المنطقة والمجتمع الدولي عن تحمل مسؤولياتها تجاه حماية المسيحيين، ووضع حد لقوى الإرهاب، سوف يدفع إلى تشجيع هذه القوى للانقضاض على هذه الدول وزعزعة استقرارها، والقضاء على تطلعات شعوبها وآمالها بالديمقراطية والحداثة والتقدم. الوضع السوريلا شك أن سوريا وإن كانت تنعم بشيء من الاستقرار النسبي، غير أنها ليست بمنأى عن التأثيرات السلبية لما يجري في الجوار الإقليمي. فالمجتمع السوري يختزن في ثناياه توترات واحتقانات عرقية ودينية واجتماعية، ناجمة عن غياب الحريات، واستمرار تحكم منطق الاحتكار والاستئثار في الحياة العامة، إضافة لانتشار وتغلغل الأفكار المتطرفة في الكثير من مفاصل المجتمع، وتنامي الإحباط واليأس في أوساط الشباب، بسبب انعدام فرص العمل، وتدهور المستوى المعاشي للمواطنين، وكذلك تزايد الضغوط الخارجية الموجهة ضد سوريا. إن إدامة الاستقرار وتعزيز السلم الأهلي، وتنفيس الاحتقان والتوتر، والحد من مفاعيل الضغوط الدولية لا يكون بالهروب نحو المزيد من الاستبداد والقمع، وإنما بتحقيق انفراجات حقيقية وجدية باتجاه الحريات والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والاعتراف بحالة التعدد القومي وتكريسها دستورياً. وهذا يتطلب استنهاض الحالة الوطنية، وإعادة الاعتبار لمفهوم المواطنة، وتلبية مطالب المواطنين بالقضاء على الفساد ورفع معدلات التنمية الاقتصادية والانفتاح على المعارضة الوطنية وتوفير فرص أوسع للمشاركة في الحياة العامة من خلال سن قانون عصري للأحزاب والجمعيات والانتخابات. وإطلاق المعتقلين السياسيين ووقف العمل بحالة الطوارئ. كمدخل أساسي لإقامة نظام ديمقراطي علماني وبناء دولة الحق والقانون والمؤسسات. إن المنظمة الآثورية الديمقراطية، وفي ذكرى اليوبيل الذهبي لتأسيسها، تعاهد أبناء شعبنا ووطننا على مواصلة الدفاع عن القضايا القومية والوطنية بنفس العزم والتصميم أياً كانت الظروف والتبعات، والمضي في طريق الانفتاح على جميع القوى القومية والوطنية، والتعاون معها من أجل دعم وترسيخ وجودنا القومي والإنساني في الوطن، وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية التي تكفل حقوق جميع أبنائها على قاعدة العدل والإخاء والمساواة.
... تحية إجلال وإكبار لشهداء شعبنا ووطننا ...
وكل عام وأنتم بخير- أواسط تموز 2007/6757المنظمة الآثورية الديمقراطية سوريا المكتب السياسي
-----------------------------------------------------------------
رسالة إلى السيد وزير التعليم العالي المطلوب: خلق وتكوين جيل عصري جديد
السيد وزير التعليم العالي الدكتور غياث بركات
إني أثمن محاضرتكم حول سياسات التعليم العالي في سورية التي ألقيتها ضمن برنامج الثلاثاء الاقتصادي بتاريخ 15/5/2007.
للسببين التاليين:
1- لأنك أعطيت 60% من الوقت المخصص لكم إلى الجمهور لطرح أسئلته حيث كنت تريد أن تستمع إلى ما يقوله الآخرون.
2- ولأنك طرحت فقط رؤوس أقلام لمواضيع شتى أثرت بها حوارات الحضور وهذا أسلوب نشكركم عليه ونأمل أن يغبطك (الغبطة غير الحسد) المحاضرون الآخرون على تركك للموضوعات الحوارية مفتوحة وليست مقيدة بنص المحاضرة. لأن ضمن الحوار قد يتحقق القول (ربّ رميةٍ من غير رامٍ) قد يصيب أحدهم وقد يلفت الانتباه لموضوع أو مشكلة سهت عنها العقول بسبب تراكم المسؤوليات.
السيد الوزير: لدي هذه الأسئلة لك ولمجلس التعليم العالي:
1- ما الاستراتيجية العلمية التي تودّ الوزارة الوصول إليها بطلابها؟
2- كم عدد العلماء الذين أنجبتهم الجامعة السورية منذ إنشائها حتى الآن بجميع الاختصاصات؟ ألم يخطر على بالك ذلك؟
3- من أخذ من سورية جائزة نوبل في العلوم؟ ولماذا لم يحدث ذلك؟ ألم يتساءل مجلس التعليم العالي لماذا لم يحصل أي سوري على هذه الجائزة؟
4- أين يذهب الطلاب المتفوقون الحاصلون على المجموع الكامل في المواد العلمية التالية (رياضيات- فيزياء- كيمياء)؟
5- من يدفع هؤلاء الطلاب المتفوقين في هذه العلوم التي هي أساس بناء الحضارة الحديثة. في الفضاء وعلى الأرض؟ من يدفعهم لاختيار طريق عَبَدَة المادة وليس طريق التفوق العلمي وطريق البحث العلمي؟
6- أين سيكون المجتمع السوري في العام 2030 في المجتمع العلمي العالمي؟
7- ماذا حول البحث العلمي وتمويله وارتباطه مع التخطيط الاقتصادي القومي الصناعي والتطور العالمي الكوني والتقني والالكتروني؟
8- عالم واحد من المجتمع يقود العالم، إن انتشتاين قاد العالم وكثير غيره في العلوم الفيزيائية والرياضيات؟
سيادة الوزير:
طرحت في محاضرتك موضوعاً مهماً جداً أثار لدي التساؤلات السابقة. ومن المؤسف أن الهيئة التدريسية والتعليمية التي كانت حاضرة في محاضرتك لم تناقشك بالموضوع.
طرحت: (موضوع القبول الجامعي، وضرورة إعادة النظر في أسس القبول الجامعي للطلاب).
وكنت قد طرحت ثلاثة احتمالات، لا مجال لمناقشتها.
- السيد وزير التعليم العالي الدكتور غياث بركات.
- السادة أعضاء مجلس التعليم العالي.
الآن الآن وليس غداً..
لنضع النقاط على الحروف
في دول العالم التي تفوقت في العلوم فارتفعت إلى مصاف الدول الراقية من حيث الاختراعات، وتفوقت في الصناعة، وسبر الفضاء، وزاد فيها عدد العلماء في كل مجال من مجالات العلوم: الفيزياء، الكيمياء، ميكانيكا السوائل، ميكانيكا الهواء، الرياضيات الفلكية، الضوء، ميكانيكيا الكتل وحركتها، الصواريخ، هذه الدول قامت بتوجيه طلابها المتفوقين إلى هذه العلوم التي تبني حضارة العالم وإلى مختبرات البحث العلمي، ومولتها عن طريقين:
1- الدولة وذلك بتخصيص نسبة مئوية عالية من الميزانية.
2- أصحاب الفعاليات الاقتصادية التي تقوم بتمويل الأبحاث العلمية التي تخدم الصناعات والبيئة والفضاء.
هذا التمويل الذي تقدمه الفعاليات الاقتصادية سواء للجامعات أو المختبرات، أو العلماء، الذين يملكون مخابر بحث، هذه الأموال تخصص من الأرباح ولا يفرض عليها ضرائب، وتوجد قوانين مالية بهذا الخصوص لهذا ترى التبرعات لتطوير المجتمعات، سواء التبرعات العلمية للبحوث، أو التبرعات الإنسانية وبهذه الحالة لا يوجد في الخارج تهرب ضريبي إلا بنسب منخفضة جداً جداً. الرجاء اسعوا مع السلطة التنفيذية لتشريع ما يساعد ويشجع على التبرع للأبحاث العلمية من قبل الفعاليات الاقتصادية بهذا البلد الذي يعدّ من أغنى البلدان.
أيها السادة:
- اللائحة الداخلية للجامعات ليست كتباً مقدسة منزلة من السماوات لا يمكن تعديلها، هي قوانين وضعية من صنع الإنسان، إذ يمكن تعديلها.
- شروط القبول في الجامعات، وترتيب أفضليات الكليات يمكن تعديلها.
- هل من المعقول أن يذهب الطالب الذي حصل على 240 علامة إلى كلية الطب البشري دون غيرها من الكليات. هؤلاء الطلاب يجب أن يذهبوا ويوجهوا إلى علوم الرياضيات، الكيمياء، الفيزياء، الفضاء، ميكانيكيا السوائل، وحركة الكتل، والليزر.. الخ.
المطلوب منكم: أن تكونوا جريئين:
قوموا بتعديل درجات القبول في الجامعات بدءاً من السنة القادمة وأعيدوا النظر في توجيه الطلاب إلى العلوم الحقيقية التي تخرج العلماء.
المطلوب:
1- تعديل جدول المفاضلة للقبول في الجامعة ويجب أن تكون الأفضلية للكليات التي تنشئ العلماء بحيث تستقطب المتفوقين للكليات العلمية وليس النظرية.
2- يجب إقرار الفحص عند الدخول إلى أي كلية إضافة لمعدل العلامات.
الهدف:
لفرز الطلاب الذين أُعطوا المعلومات في الفحص أو بدلت لهم أوراق الامتحانات ليحصلوا على العلامة الكاملة.
مع إقرار أن تكون النسبة هي:
60-70% علامة فحص الكلية.
30-40% علامة المجموع الحاصل عليه الطالب في الثانوية.
آن الأوان للسؤال:
من كان وراء إضاعة ستين عاماً ووجه طلابنا المتفوقين في الفيزياء والرياضيات والكيمياء إلى الطب البشري فقط فالتجهيزات التي يستخدمها الأطباء لا يصنعها إلا العلماء؟.
أين علماؤكم منذ ستين عاماً؟.
من كان وراء إضاعة عقولنا المتفوقة وتوجيهها إلى الزبد الذي ذهب هباء منثوراً؟.
مع احترامي وتقديري لكم جميعاً
إن الوقت لم يضع.
العمل الجيد لا يحتاج إلى توقيت.
ليس من العار أن نعترف بالخطأ.
والجرأة أن نقف أمام المرآة لنرى حقيقتنا.
أعيدوا بناء هذا الوطن مع الرئيس الشاب.
المطلوب (خلق وتكوين جيل عصري جديد)
المواطن: خليل خليل
----------------------------------------------------------------------
السيد وزير التعليم العالي الدكتور غياث بركات
إني أثمن محاضرتكم حول سياسات التعليم العالي في سورية التي ألقيتها ضمن برنامج الثلاثاء الاقتصادي بتاريخ 15/5/2007.
للسببين التاليين:
1- لأنك أعطيت 60% من الوقت المخصص لكم إلى الجمهور لطرح أسئلته حيث كنت تريد أن تستمع إلى ما يقوله الآخرون.
2- ولأنك طرحت فقط رؤوس أقلام لمواضيع شتى أثرت بها حوارات الحضور وهذا أسلوب نشكركم عليه ونأمل أن يغبطك (الغبطة غير الحسد) المحاضرون الآخرون على تركك للموضوعات الحوارية مفتوحة وليست مقيدة بنص المحاضرة. لأن ضمن الحوار قد يتحقق القول (ربّ رميةٍ من غير رامٍ) قد يصيب أحدهم وقد يلفت الانتباه لموضوع أو مشكلة سهت عنها العقول بسبب تراكم المسؤوليات.
السيد الوزير: لدي هذه الأسئلة لك ولمجلس التعليم العالي:
1- ما الاستراتيجية العلمية التي تودّ الوزارة الوصول إليها بطلابها؟
2- كم عدد العلماء الذين أنجبتهم الجامعة السورية منذ إنشائها حتى الآن بجميع الاختصاصات؟ ألم يخطر على بالك ذلك؟
3- من أخذ من سورية جائزة نوبل في العلوم؟ ولماذا لم يحدث ذلك؟ ألم يتساءل مجلس التعليم العالي لماذا لم يحصل أي سوري على هذه الجائزة؟
4- أين يذهب الطلاب المتفوقون الحاصلون على المجموع الكامل في المواد العلمية التالية (رياضيات- فيزياء- كيمياء)؟
5- من يدفع هؤلاء الطلاب المتفوقين في هذه العلوم التي هي أساس بناء الحضارة الحديثة. في الفضاء وعلى الأرض؟ من يدفعهم لاختيار طريق عَبَدَة المادة وليس طريق التفوق العلمي وطريق البحث العلمي؟
6- أين سيكون المجتمع السوري في العام 2030 في المجتمع العلمي العالمي؟
7- ماذا حول البحث العلمي وتمويله وارتباطه مع التخطيط الاقتصادي القومي الصناعي والتطور العالمي الكوني والتقني والالكتروني؟
8- عالم واحد من المجتمع يقود العالم، إن انتشتاين قاد العالم وكثير غيره في العلوم الفيزيائية والرياضيات؟
سيادة الوزير:
طرحت في محاضرتك موضوعاً مهماً جداً أثار لدي التساؤلات السابقة. ومن المؤسف أن الهيئة التدريسية والتعليمية التي كانت حاضرة في محاضرتك لم تناقشك بالموضوع.
طرحت: (موضوع القبول الجامعي، وضرورة إعادة النظر في أسس القبول الجامعي للطلاب).
وكنت قد طرحت ثلاثة احتمالات، لا مجال لمناقشتها.
- السيد وزير التعليم العالي الدكتور غياث بركات.
- السادة أعضاء مجلس التعليم العالي.
الآن الآن وليس غداً..
لنضع النقاط على الحروف
في دول العالم التي تفوقت في العلوم فارتفعت إلى مصاف الدول الراقية من حيث الاختراعات، وتفوقت في الصناعة، وسبر الفضاء، وزاد فيها عدد العلماء في كل مجال من مجالات العلوم: الفيزياء، الكيمياء، ميكانيكا السوائل، ميكانيكا الهواء، الرياضيات الفلكية، الضوء، ميكانيكيا الكتل وحركتها، الصواريخ، هذه الدول قامت بتوجيه طلابها المتفوقين إلى هذه العلوم التي تبني حضارة العالم وإلى مختبرات البحث العلمي، ومولتها عن طريقين:
1- الدولة وذلك بتخصيص نسبة مئوية عالية من الميزانية.
2- أصحاب الفعاليات الاقتصادية التي تقوم بتمويل الأبحاث العلمية التي تخدم الصناعات والبيئة والفضاء.
هذا التمويل الذي تقدمه الفعاليات الاقتصادية سواء للجامعات أو المختبرات، أو العلماء، الذين يملكون مخابر بحث، هذه الأموال تخصص من الأرباح ولا يفرض عليها ضرائب، وتوجد قوانين مالية بهذا الخصوص لهذا ترى التبرعات لتطوير المجتمعات، سواء التبرعات العلمية للبحوث، أو التبرعات الإنسانية وبهذه الحالة لا يوجد في الخارج تهرب ضريبي إلا بنسب منخفضة جداً جداً. الرجاء اسعوا مع السلطة التنفيذية لتشريع ما يساعد ويشجع على التبرع للأبحاث العلمية من قبل الفعاليات الاقتصادية بهذا البلد الذي يعدّ من أغنى البلدان.
أيها السادة:
- اللائحة الداخلية للجامعات ليست كتباً مقدسة منزلة من السماوات لا يمكن تعديلها، هي قوانين وضعية من صنع الإنسان، إذ يمكن تعديلها.
- شروط القبول في الجامعات، وترتيب أفضليات الكليات يمكن تعديلها.
- هل من المعقول أن يذهب الطالب الذي حصل على 240 علامة إلى كلية الطب البشري دون غيرها من الكليات. هؤلاء الطلاب يجب أن يذهبوا ويوجهوا إلى علوم الرياضيات، الكيمياء، الفيزياء، الفضاء، ميكانيكيا السوائل، وحركة الكتل، والليزر.. الخ.
المطلوب منكم: أن تكونوا جريئين:
قوموا بتعديل درجات القبول في الجامعات بدءاً من السنة القادمة وأعيدوا النظر في توجيه الطلاب إلى العلوم الحقيقية التي تخرج العلماء.
المطلوب:
1- تعديل جدول المفاضلة للقبول في الجامعة ويجب أن تكون الأفضلية للكليات التي تنشئ العلماء بحيث تستقطب المتفوقين للكليات العلمية وليس النظرية.
2- يجب إقرار الفحص عند الدخول إلى أي كلية إضافة لمعدل العلامات.
الهدف:
لفرز الطلاب الذين أُعطوا المعلومات في الفحص أو بدلت لهم أوراق الامتحانات ليحصلوا على العلامة الكاملة.
مع إقرار أن تكون النسبة هي:
60-70% علامة فحص الكلية.
30-40% علامة المجموع الحاصل عليه الطالب في الثانوية.
آن الأوان للسؤال:
من كان وراء إضاعة ستين عاماً ووجه طلابنا المتفوقين في الفيزياء والرياضيات والكيمياء إلى الطب البشري فقط فالتجهيزات التي يستخدمها الأطباء لا يصنعها إلا العلماء؟.
أين علماؤكم منذ ستين عاماً؟.
من كان وراء إضاعة عقولنا المتفوقة وتوجيهها إلى الزبد الذي ذهب هباء منثوراً؟.
مع احترامي وتقديري لكم جميعاً
إن الوقت لم يضع.
العمل الجيد لا يحتاج إلى توقيت.
ليس من العار أن نعترف بالخطأ.
والجرأة أن نقف أمام المرآة لنرى حقيقتنا.
أعيدوا بناء هذا الوطن مع الرئيس الشاب.
المطلوب (خلق وتكوين جيل عصري جديد)
المواطن: خليل خليل
----------------------------------------------------------------------
نحو رؤية قومية عربية معاصرة (1/2)
بقلم: الدكتور عبد الله تركماني *
12 تموز/ يوليو 2007
ما زالت الأمة العربية تنتقل من إخفاق إلى إخفاق، إذ نعيش اللحظة التي تلتقي فيها النهاية مع البداية، والتي تمتد جذورها في عمق التاريخ الحديث، تاريخ الأزمة الواقعية التي تعيشها المدنية العربية ذاتها، بما هو تاريخ استبعاد الأمة من ساحة المبادرة والفعل والمشاركة العالمية. والأزمة العربية الشاملة المفتوحة هي من تلك الأزمات التي تتقلص فيها الخيارات إلى اثنين لا ثالث لهما: إما الغرق في الأزمة والدخول في مسلسل من التدهور والفوضى والانحلال والضياع. وإما تجاوزها إلى وضعية جديدة تماما، انطلاقا من التفكيك الواعي للوضعية القائمة المأزومة والشروع في عملية بناء جديدة، بمنطلقات واستشرافات جديدة كذلك. وحتى نجدد الخطاب القومي ونجعله خطابا معاصرا وقابلا للحياة وصانعا للمستقبل ورافدا للتجديد فإنّ علينا إعادة صياغته بروح العصر ومستجدات الواقع.
إنه من المفارقات الملفتة للنظر أنّ القضايا الأساسية، التي شكلت عماد فكر النهضة العربية في القرن التاسع عشر، مازالت حية قائمة كمطالب وطموحات عربية مع بدايات القرن الواحد والعشرين. والسؤال هو: لماذا هذا الانفصال بين الخطاب المُعلَن والممارسة السياسية في المشروع العربي خلال التاريخ المعاصر؟ هل ثمة تعارض بين مصالح وطموحات المحكومين والحاكمين؟ هل ثمة تعارض بين خطاب الوحدة والتقدم وإرادة النخب الحاكمة؟ هل ثمة انفصام بين القول والعمل لدى التيارات السياسية العربية؟ هل ثمة قصور في وعي الأحزاب السياسية في العالم العربي لدور العوامل الخارجية ولدور العوامل الداخلية فيما آلت إليه حالة العجز العربي؟
وفي الواقع، يصعب على المرء أن يحدد صورة المستقبل، ولكن يمكنه أن يحدد الشروط التي يجب توافرها من أجل التعاطي المجدي مع معطيات الحاضر. فإذا لم نحصل على التقدم الذي نأمله، فعلى الأقل يمكننا وقف التأخر الذي نتخبط فيه. ذلك أنّ الخطر الأساسي الذي يداهمنا هو ازدياد الهوة بيننا وبين القوى الدولية القادرة. وفي المعترك العالمي المعاصر، يجب أن يكون همنا الأول بناء القدرة الذاتية العربية، لأنّ الصراع على المستوى العالمي صراع بين قدرات، والغلبة لمن هو أقدر.
وفي كلمة أخرى، علينا أن نواجه سؤالا رئيسيا: هل نريد أن نعيش في هذا العصر، أم نبقى سادرين في عصور سابقة؟ فإذا أردنا أن نعيش في هذا العصر علينا أن نفهم ما هي مناهج هذا العصر، إذ لا يمكن أن يقوم من أبناء هذا العصر من يفكر ويسلك في حياته سلوكا قبليا وعشائريا، كذلك لا يمكن أن يعيش في هذا العصر من يريد أن يتقوقع على نفسه ويفكر تفكيرا طائفيا ومذهبيا وانعزاليا، لأنه عصر التجمعات الكبرى. لا يمكن أن يعيش في هذا العصر من يتوجه في تفكيره توجها رجعيا، فلنتساءل هل نحن نعدُّ أنفسنا لكي نعيش في هذا العصر والعصور التالية أم راضون بما نحن عليه؟ الإجابة لا تكون بإطلاق الشعارات وإنما بالصياغات الأساسية التي تتناول التفكير والسلوك الفرديين، وكذلك كافة البنى والمؤسسات الاقتصادية والسياسية والثقافية.
على هذا، ليست العروبة اليوم بخير، ولا هي قادرة على ان تكون، بما هي عليه، مسلكا مجديا للمستقبل، ذلك أنّ نماذجها وتطبيقاتها لا يمكن إلا أن تبقيها مشروعا في اللاوعي العربي، إذا هي بقيت من دون مشروطية متجددة تحدد معالمها وإمكاناتها بواقعية، وتقيها شرور الانجراف نحو الماضوية والتحجر.
إنّ المقاربة العقلانية النقدية التي نعتمدها بشجاعة، في كل كتاباتنا ومواقفنا، هي التي سترتفع – كما نعتقد - بالفكر القومي من المستوى التبشيري العاطفي القيمي، إلى مستوى القاعدة السياسية الثابتة في الفكر السياسي القومي، وإلا فسنكون كمن يدخل عالم الألفية الثالثة وهو يحرث الماء. فالباحث في الفكر السياسي عليه أن لا يغفل: أولا، شبكة المصالح الواقعية، خلال نقده للواقع العربي، وإلا بقي أسير التبشير العاطفي الرومانسي. وثانيا، أنّ مآزق المجتمعات العربية، هي بحد ذاتها مآزق الفكر السياسي في العالم العربي.
ويخطئ من يعتقد أنّ المسألة تنحصر في خطاب إيديولوجي معين، فتيارات الأمة كلها معنية بصياغة خطاب عربي عصري يتضمن أصالة شعوبنا، ويستوعب مجمل التوجهات الحضارية والمدنية المعاصرة، ويستشرف مصالح وأهداف الأمة. وإننا إذ نمارس النقد العلمي للوعي القومي العربي التقليدي نطمح إلى تصفية كل ما هو متأخر فيه لربطه بالكونية والتقدم والديمقراطية، لأنّ هذا المضمون يشكل النقطة المركزية للمسألة القومية العربية. فالخطاب القومي يجب أن يرتفع إلى مستوى التحديات التي تجابهه، فالوحدة القومية مثلا ليست مجرد تجميع لأجزاء العالم العربي، من خلال أزلية الروح الخالد، بل هي محصلة لسيرورة تاريخية، ثقافية وحضارية، بما يحقق الشرط التاريخي لقيام الدولة القومية الواحدة.
التغيّرات العالمية وإمكانية نهوض موجة قومية جديدة
تؤكد تجارب التاريخ البشري أنّ النزوع القومي تجدد دوما خلال التحولات الكبرى التي شهدتها المجتمعات البشرية. وعليه فإنّ التغيّرات العالمية الجديدة، خاصة تحولات العلاقات الدولية بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وتداعياتها، تطرح إمكانية نهوض موجة ثانية للقومية في العالم، ستواجهنا بتساؤلات جديدة، وتحديات جديدة أيضا، مما يتطلب قدرا كبيرا من العمق في المراجعة ونقد الذات وإعادة الصياغة الفكرية والسياسية لقضايا المسألة القومية العربية، باعتبارها تمثل مسائل جوهرية عديدة تتداخل فيها مهمات التحديث الفكري والسياسي مع مهمات النهوض الاقتصادي والاجتماعي، وذلك بتجسيد وحدة المصير العربي كمنطلق للنهوض الحضاري، وهو ما يفترض مهمات إنجاز الوحدة العربية، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية يضمن الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني بما فيها حقه في إقامة دولته المستقلة فوق ترابه الوطني بعاصمتها القدس الشرقية، وبما يضمن تحرر العراق ووحدته واستقلاله، وممارسة الديمقراطية كمنهج للتعامل السياسي على صعيد الدولة والمجتمع، منطلقين من أنّ مسألة إنجاز الدولة الحديثة هي جوهر تلك القضايا.
وتبدو أهمية إعادة طرح قضايا المسألة القومية العربية، من وجهة نظر تحاول أن تكون جديدة، حين نعرف أنّ القرن الواحد والعشرين سوف يشهد إعادة طرح واسعة لمشكلة الأمة والقومية. ففي الوقت الذي ينزع فيه العالم، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن يتعولم وإلى أن يخترق حدود الدول وسياداتها، وفي الوقت الذي تتعاظم فيه التبعية المتبادلة ما بين أمم العالم سياسيا واقتصاديا وثقافيا وإعلاميا، وفي الوقت الذي تتسارع فيه حركة الرساميل والبضائع وتتضاعف السيولات المالية العابرة للقومية، وتتحكم الشركات المتعددة الجنسيات في الاقتصاد العالمي إنتاجا واستهلاكا. وبكلمة واحدة في الوقت الذي يتحول فيه العالم إلى " قرية كبيرة "، في هذا الوقت يُرَّدُ الاعتبار، على نحو لم يسبق له مثيل، إلى عدة مصطلحات قومية مثل: الهوية، والأصالة، والخصوصية. وتدبُّ حيوية في النزعات القومية التي يبدو أنّ قلق العولمة قد أيقظها في كل مكان من العالم.
كما أنّ العالم يتجه نحو قيام تكتلات بشرية كبرى، سواء على مستوى إقليمي أو قاري، تشكل مجالا حيويا في الاقتصاد، وعنصرا رئيسيا في الأمن، وضمانة فعلية للاستقلال السياسي، وشرطا ضروريا للتحرر من الهيمنة الخارجية. وقد أصبح واضحا أنه في عالم اليوم لا مكان للشعوب والدول الصغيرة التي لا تنضوي في كتل بشرية ضخمة تزيد في عددها عن مائة مليون نسمة على الأقل، وتزيد في مواردها عن حجم معين يمكّنها من الصمود والاسقرار.
وأخيرا، من المؤكد أنّ دور النزعة القومية في أوائل القرن الحادي والعشرين، مقارنة بدورها السابق، سيبدو منحسرا من زاوية حملها للتغيير التاريخي. فقد تمَّ إضعاف دور " الاقتصاديات القومية " حتى صار موضع تساؤل بفعل التحولات الكبرى في التقسيم الدولي للعمل، الذي تشكل المشروعات العابرة للقوميات من كل الحجوم وحداته الأساسية، وما يقابلها من تطور للمراكز والشبكات العالمية للتبادلات الاقتصادية التي تقع، لأغراض عملية، خارج سيطرة حكومات الدول.
كل هذا، صار ممكنا بفعل الثورات التكنولوجية في النقل والاتصال، وبفعل عهد طويل من الانتقالات الحرة لعوامل الإنتاج والأفكار فوق مساحة شاسعة من الكرة الأرضية، التي نشأت منذ الحرب العالمية الثانية، وتبلورت - أكثر فأكثر - في تسعينيات القرن العشرين. ومن المؤكد أنّ الأمم والحركات القومية، خاصة المضطهَدة منها، ستكون حاضرة في هذا التاريخ، ولكن بأدوار ثانوية، على الأقل في الأفق المنظور.
ويبقى السؤال عن مكانة العرب في ظل العولمة سؤال عن مكانتهم عموما في التاريخ، وبكلمة واحدة فإنه دون أن ينجز العرب " الدولة ـ الأمة " فلن يكون لهم مكان لا في العولمة ولا بعدها، كما لم يكن لهم مكان من قبل العولمة. إنّ فكرة الدولة ـ الأمة بدأت تظهر جديتها وأهميتها في ظل العولمة أكثر من ذي قبل بسبب التناقض الكبير بين السلطات السياسية والمجتمعات العربية، فالمجتمعات العربية تنتمي زمنيا، بصورة ما نسبية، إلى عصر العولمة فيما النظام السياسي في الوطن العربي ينتمي إلى مرحلة ما قبل الرأسمالية. إذ يبدو أنّ السلطات السياسية العربية وخطابها ومفرداتها وعلاقتها بالعالم أصبحت عقبة أمام الطبيعة التوحيدية للعولمة، ففي حين يتجه العالم ليصبح " قرية كونية " صار أولى بالقيادات العربية أن ترى العرب " قرية واحدة "، وبالتالي تبدو المسألة هنا سياسية – أساسا - وليست حضارية أو أخلاقية أو اجتماعية فحسب.
أهم أخطاء التيارات القومية
يتجه مفهوم الحركة القومية العربية إلى التعبير عن معنيين: أولهما، معنى واسع، يسهل على الباحث أن يكتشفه في معظم الكتابات الخاصة بالتراث القومي العربي، حيث يترادف مع التيار الفكري والسياسي للقومية العربية، الذي يتوسع بعض الباحثين العرب في الحديث عن نشأته وجذوره فيعودون إلى فترة الجاهلية لإثبات قومية العرب وسعيهم إليها منذ ذلك التاريخ، والبعض يتحدث عن الجذور الإسلامية. وثانيهما، معنى ضيق، أكثر واقعية، يشير إلى الواقع السياسي والاجتماعي الذي دفع العرب، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إلى الحديث عن ضرورة توفّر هوية سياسية لهم. وهذا المعنى ينطبق على البداية الحقيقية لنشأة القومية العربية، حيث كانت - آنذاك - تعبيرا عن حركة سياسية مناهضة للحكم العثماني، ساعدت الظروف السياسية والاجتماعية، التي مرت بها الإمبراطورية العثمانية آنذاك، على إثرائها وبلورتها.
وهكذا فإنّ مشروع النهضة العربية الحديثة قد استقى أغلب مفاهيمه وطموحاته وشعاراته من كتابات وتجربة الحداثة الأوروبية، فـ "لم يكن هناك في فضاء الفكر والثقافة والسياسة في العالم العربي، قبل احتكاكه بالحداثة الأوروبية، ما يمكن أن يعتبر خميرة أو جنينا لشعار "الاتحاد والترقي" الذي جعل منه المشروع النهضوي العربي قضيته الأساسية، إن لم تكن الوحيدة، ذلك لأنّ هذا الشعار نفسه هو مجرد ترجمة واقتباس لأحد شعارات الحداثة الأوروبية".
وفي هذا السياق يجدر الانتباه إلى الاختلاف الجوهري بين مشروع الحداثة الأوروبية ومشروع النهضة العربية، من حيث أنهما لم يكونا "ينتميان إلى لحظة تاريخية واحدة، لم يكونا يعكسان نفس المرحلة من التطور. ذلك أنّ مرحلة الحداثة قد قامت في أوروبا القرن التاسع عشر بعد مرحلة "الأنوار" في القرن الثامن عشر، التي قامت هي نفسها بعد مرحلة النهضة الثانية في القرن السادس عشر، والتي سبقتها نهضة أولى في القرن الثاني عشر". ومعنى ذلك أنّ مشروع النهضة العربية كان عليه أن يتعامل مع "حداثة" استوعبت وتجاوزت "الأنوار" و"النهضة".
إنّ الإيديولوجيا القومية العربية، بتفاوت بين حركاتها وتياراتها السياسية، لم تدرك - بعمق - مفاعيل الهيمنة الأمبريالية وقوانين عملها في العالم العربي، ليس كونها عاملا خارجيا فحسب، بل - أساسا - دورها في إعادة صياغة البنى الداخلية العربية لتكريس التجزئة. فبالرغم من إدراك هذه التيارات لضرورة التحديث والتنمية لكنها استنكفت عن الأخذ بالمضمون المعرفي والبنيوي للتحديث، حيث وقعت في "التلفيق" حين استخدمت مفهوم التحديث ولكنها قطعته عن أصوله المعرفية في آن واحد. فالوسطية الانتقائية بقيت خيارا، في النظر والعمل، لدى هذه الحركات.
كما أنّ أغلب مفكري الحركات القومية العربية ضغت عليهم النزعة الثقافوية، فأهملوا التنظير للدولة القومية، فقد كان اهتمامهم منصبّاً على التجزئة القومية وضرورة الوحدة العربية أكثر من اهتمامهم بقضية الدولة، التي حلموا بتحقيقها، فبقيت قضية التنظير للدولة قضية تابعة للقضية "الأصل" وهي الأمة. والأصل في هذا التقصير أنهم انطلقوا من أنّ الدولة العربية القطرية الحديثة "معوّق" للدولة العربية الواحدة، لأنها "تكرّس" الأمة داخل الحدود القطرية. وأساس الخطأ هو أنّ التيار القومي، خاصة عندما وصل بعضه إلى السلطة، لم يعطِ المسألة الديمقراطية اهتماما يُذكر، بل أنه كان ينظر إليها كعائق أمام التنمية، وأمام دور الحزب "الواحد" أو "القائد". فالتعددية الفكرية والسياسية، وتنوّع المجتمع العربي قوميا وطائفيا وطبقيا، كانا يعنيان "الانقسام" و"التجزئة"، فلم يرَ التيار القومي فيهما مصدر إغناء للتجربة القومية.
لقد اهتم العرب بـ "مظاهر السلطة" أكثر مما اهتموا ببناء مرتكزات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، فالبلدان العربية استوعبت المظاهر الهيكلية لجهاز الدولة ولعملية التبقرط، ولكنّ مفهوم الدولة نفسه، بما هو حق وقانون ومؤسسات ومواطنة، ظل شبه غائب. ويبدو أنّ مكمن الإشكال راجع إلى أنّ الدعوة القومية العربية، بالرغم من الزخم الذي واكبها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي خاصة، لم تبدع آليات تحققها وإنجازها في معترك التاريخ.
نحو إعادة هيكلة الفكر القومي وطرح قضاياه
بعد أن انهار عالم كامل من الوقائع والأحلاف والمسبقات والمفاهيم والمبادئ والأوهام، لا بدَّ من مراجعة فكرية جذرية للخطط والسياسات والمُثُل والعقائد والأفكار التي بلورت الإخفاق العربي وقادت إليه. إنّ القطيعة المطلوبة مع الفكر والإشكاليات والأطروحات القومية القديمة تفترض الإمساك بالجوهر والإحالة إليه، والامتناع عن الدخول في التفاصيل. إضافة إلى أنّ إعادة هيكلة هذا الفكر تقتضي تعيين المحاور والمستويات التي تستدعي إبراز المشاكل والأزمات التي كانت الحركة العربية تخفيها أو تمر عليها مرور الكرام. وإذا كان وضوح الرؤية شرطا ضروريا لنجاح أي عمل، فإنّ الرؤية الواضحة "لا تنبثق إلا عبر قطيعة مع الرؤى القديمة و(محاولة) تصفية الحساب معها نهائيا". باعتبار أنّ الحق قبل الاعتقاد، والعلم والمعرفة قبل الإيديولوجيا، والواقع الموضوعي قبل الميل الذاتي والتفكير الرغائبي. إضافة إلى أنّ الفكر السائد في العالم العربي - بشكل عام – يكاد يغلب عليه الطابع الإيديولوجي الخالص، إنه يتسم بالهشاشة النظرية التي لا تتيح الامتلاك المعرفي لحقائق الواقع وضروراته واحتياجاته وحركته المستقبلية، ولهذا فهو أقرب إلى تكريس الواقع القائم وإعادة إنتاجه.
لقد تبلورت رؤيتان عربيتان مختلفتان لمفهوم الأمة: أولاهما، تلك التي تنظر إلى الأمة بالمعنى التقليدي (الأمة = الملة)، تلك التي تنظر إليها بوصفها عملية استعادة للماضي، الذي يُختزَل إلى لغة مقدسة، أو تاريخ مُؤَقنَم ومُنتَقى ومُجَزّأ، أو إلى "جوهر" عربي ميتافيزيقي محلّق فوق التاريخ، ومتجسد في "رسالة خالدة".
وثانيتهما، تلك التي تنظر إلى المشروع القومي في منحى عصري ومستقبلي، ليس همه استعادة الماضي، بل بناء المستقبل على ضوء الخبرات التاريخية للماضي، وعلى أسس الحاضر، وتعيد الاعتبار إلى دور الدولة القومية في بناء الأمة وتطويرها، ولا تحصر دور الدولة في مجرد تتويج المسار القومي. والواضح أنه لا يمكن للأمة أن تستكمل وجودها بالفعل إلا بالدولة، فالدول طوال تاريخ الإنسانية إما خلقت الأمة تماما أو أطّرت قدراتها أو عزّزت مقوّماتها. ولا شك أنّ ثمة فرقا كبيرا بين "قيام الدولة" و"وجود الأمة"، فالأمة العربية موجودة بالإمكان وعوامل وجودها قائمة، والتجزئة ليست ناتجة عن عدم اكتمال عوامل وجود الأمة، بل عن السيطرة الإمبريالية، وعن تشكّل مصالح قطرية، إضافة إلى معوّقات بنيوية اقتصادية واجتماعية وثقافية وجغرافية.
وفي الواقع، لا يمكن التحدث عن مفهوم معاصر للعروبة إلا إذا اشترط عليه أن يشهد تحوّلا كيفيا يمتلك من خلاله بعض السمات، ويحيط نفسه بمجموعة قرائن تجعل من العروبة مقولة مقبولة من جماهير العرب ونخبها، بما عليها أن تشكل في طياتها من مخزون يحوي قدرا من التحرر والديمقراطية والتنوع. وإذا كانت بعض التجارب التاريخية تدلنا على أنّ الوحدة القومية هي عملية تستبق المفاهيم التي تحكم البنية الآخذة في التكوّن، وقد يكون ممكنا حصولها بالقوة أو تحت ضغط الإرادة الجماهيرية أو في مواجهة عدو مشترك، إلا أنه في زمن اتحاد الديمقراطيات بات للوحدة شروط تسبقها وإجراءات على الشعوب اتخاذها. لأنه، ببساطة، ما يطرح اليوم هو اتحاد دول وكيانات مستقلة وليس وحدة إمبراطورية. وإذا كان من الطبيعي أن تنتشر العروبة في فترات تمددها، إلا أنّ القرن الماضي شهد ما يشبه التموضع لهذا المفهوم في اللاوعي العربي، حيث اكتفت الجماهير بحالة التضامن المعنوي والمادي في بعض الأحيان على حساب الإنجازات العملية على الأرض وذلك برغم محاولات التوحد المتعددة. لقد دخلت العروبة في مخيال الأمة وسكنت أحلام الجماهير على أنها البديل من واقع الحال المتردية من تشرذم سياسي وضعف اقتصادي، وبقيت العروبة على حالها منذ ذلك الحين مفهوما يجسد الهوية والانتماء، ومشروع وحدة قوميا اقتصاديا تنمويا، كلما مر الزمن كان يقترب إلى الحلم أكثر منه إلى الواقع.
بين عروبة الخمسينيات من القرن العشرين وعروبة اليوم نصف قرن استُهلكت خلاله القيم الشمولية، وبرزت فيه الديمقراطية مفهوما يستعاض به عن العصبوية الموحِّدة والمكوِّنة للدول والمجتمعات، وأظهرت التعددية قدرتها على أن تكون فعل انسجام ودافعا محركا للوحدة الوطنية تحت رعاية الدولة والمؤسسات، ولم يعد الصراع القومي مع العدو يشكل وحده دافعا كافيا لإرادة التوحد، بل باتت شروط الوحدة أكثر تعقيدا، هذا كله والنظام السياسي العربي على حاله.
على العروبة اليوم أن تفعّل التثاقف الحضاري وأن تميّز بين القيم الغربية كجزء من القيم الإنسانية العامة وبين التدخل الغربي كمشروع سيطرة على مصادر الثروة يخدم التراكم الرأسمالي في الغرب. على العروبة اليوم أن تكون مشروعا تنمويا اقتصاديا واجتماعيا ومشروعا علميا تكنولوجيا، وعليها أن تكون مشروع حرية في مجالات الإعلام والثقافة والفكر، وعليها حماية واحتضان المجتمع المدني.
__________
* كاتب وباحث سوري مقيم في تونس
بقلم: الدكتور عبد الله تركماني *
12 تموز/ يوليو 2007
ما زالت الأمة العربية تنتقل من إخفاق إلى إخفاق، إذ نعيش اللحظة التي تلتقي فيها النهاية مع البداية، والتي تمتد جذورها في عمق التاريخ الحديث، تاريخ الأزمة الواقعية التي تعيشها المدنية العربية ذاتها، بما هو تاريخ استبعاد الأمة من ساحة المبادرة والفعل والمشاركة العالمية. والأزمة العربية الشاملة المفتوحة هي من تلك الأزمات التي تتقلص فيها الخيارات إلى اثنين لا ثالث لهما: إما الغرق في الأزمة والدخول في مسلسل من التدهور والفوضى والانحلال والضياع. وإما تجاوزها إلى وضعية جديدة تماما، انطلاقا من التفكيك الواعي للوضعية القائمة المأزومة والشروع في عملية بناء جديدة، بمنطلقات واستشرافات جديدة كذلك. وحتى نجدد الخطاب القومي ونجعله خطابا معاصرا وقابلا للحياة وصانعا للمستقبل ورافدا للتجديد فإنّ علينا إعادة صياغته بروح العصر ومستجدات الواقع.
إنه من المفارقات الملفتة للنظر أنّ القضايا الأساسية، التي شكلت عماد فكر النهضة العربية في القرن التاسع عشر، مازالت حية قائمة كمطالب وطموحات عربية مع بدايات القرن الواحد والعشرين. والسؤال هو: لماذا هذا الانفصال بين الخطاب المُعلَن والممارسة السياسية في المشروع العربي خلال التاريخ المعاصر؟ هل ثمة تعارض بين مصالح وطموحات المحكومين والحاكمين؟ هل ثمة تعارض بين خطاب الوحدة والتقدم وإرادة النخب الحاكمة؟ هل ثمة انفصام بين القول والعمل لدى التيارات السياسية العربية؟ هل ثمة قصور في وعي الأحزاب السياسية في العالم العربي لدور العوامل الخارجية ولدور العوامل الداخلية فيما آلت إليه حالة العجز العربي؟
وفي الواقع، يصعب على المرء أن يحدد صورة المستقبل، ولكن يمكنه أن يحدد الشروط التي يجب توافرها من أجل التعاطي المجدي مع معطيات الحاضر. فإذا لم نحصل على التقدم الذي نأمله، فعلى الأقل يمكننا وقف التأخر الذي نتخبط فيه. ذلك أنّ الخطر الأساسي الذي يداهمنا هو ازدياد الهوة بيننا وبين القوى الدولية القادرة. وفي المعترك العالمي المعاصر، يجب أن يكون همنا الأول بناء القدرة الذاتية العربية، لأنّ الصراع على المستوى العالمي صراع بين قدرات، والغلبة لمن هو أقدر.
وفي كلمة أخرى، علينا أن نواجه سؤالا رئيسيا: هل نريد أن نعيش في هذا العصر، أم نبقى سادرين في عصور سابقة؟ فإذا أردنا أن نعيش في هذا العصر علينا أن نفهم ما هي مناهج هذا العصر، إذ لا يمكن أن يقوم من أبناء هذا العصر من يفكر ويسلك في حياته سلوكا قبليا وعشائريا، كذلك لا يمكن أن يعيش في هذا العصر من يريد أن يتقوقع على نفسه ويفكر تفكيرا طائفيا ومذهبيا وانعزاليا، لأنه عصر التجمعات الكبرى. لا يمكن أن يعيش في هذا العصر من يتوجه في تفكيره توجها رجعيا، فلنتساءل هل نحن نعدُّ أنفسنا لكي نعيش في هذا العصر والعصور التالية أم راضون بما نحن عليه؟ الإجابة لا تكون بإطلاق الشعارات وإنما بالصياغات الأساسية التي تتناول التفكير والسلوك الفرديين، وكذلك كافة البنى والمؤسسات الاقتصادية والسياسية والثقافية.
على هذا، ليست العروبة اليوم بخير، ولا هي قادرة على ان تكون، بما هي عليه، مسلكا مجديا للمستقبل، ذلك أنّ نماذجها وتطبيقاتها لا يمكن إلا أن تبقيها مشروعا في اللاوعي العربي، إذا هي بقيت من دون مشروطية متجددة تحدد معالمها وإمكاناتها بواقعية، وتقيها شرور الانجراف نحو الماضوية والتحجر.
إنّ المقاربة العقلانية النقدية التي نعتمدها بشجاعة، في كل كتاباتنا ومواقفنا، هي التي سترتفع – كما نعتقد - بالفكر القومي من المستوى التبشيري العاطفي القيمي، إلى مستوى القاعدة السياسية الثابتة في الفكر السياسي القومي، وإلا فسنكون كمن يدخل عالم الألفية الثالثة وهو يحرث الماء. فالباحث في الفكر السياسي عليه أن لا يغفل: أولا، شبكة المصالح الواقعية، خلال نقده للواقع العربي، وإلا بقي أسير التبشير العاطفي الرومانسي. وثانيا، أنّ مآزق المجتمعات العربية، هي بحد ذاتها مآزق الفكر السياسي في العالم العربي.
ويخطئ من يعتقد أنّ المسألة تنحصر في خطاب إيديولوجي معين، فتيارات الأمة كلها معنية بصياغة خطاب عربي عصري يتضمن أصالة شعوبنا، ويستوعب مجمل التوجهات الحضارية والمدنية المعاصرة، ويستشرف مصالح وأهداف الأمة. وإننا إذ نمارس النقد العلمي للوعي القومي العربي التقليدي نطمح إلى تصفية كل ما هو متأخر فيه لربطه بالكونية والتقدم والديمقراطية، لأنّ هذا المضمون يشكل النقطة المركزية للمسألة القومية العربية. فالخطاب القومي يجب أن يرتفع إلى مستوى التحديات التي تجابهه، فالوحدة القومية مثلا ليست مجرد تجميع لأجزاء العالم العربي، من خلال أزلية الروح الخالد، بل هي محصلة لسيرورة تاريخية، ثقافية وحضارية، بما يحقق الشرط التاريخي لقيام الدولة القومية الواحدة.
التغيّرات العالمية وإمكانية نهوض موجة قومية جديدة
تؤكد تجارب التاريخ البشري أنّ النزوع القومي تجدد دوما خلال التحولات الكبرى التي شهدتها المجتمعات البشرية. وعليه فإنّ التغيّرات العالمية الجديدة، خاصة تحولات العلاقات الدولية بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وتداعياتها، تطرح إمكانية نهوض موجة ثانية للقومية في العالم، ستواجهنا بتساؤلات جديدة، وتحديات جديدة أيضا، مما يتطلب قدرا كبيرا من العمق في المراجعة ونقد الذات وإعادة الصياغة الفكرية والسياسية لقضايا المسألة القومية العربية، باعتبارها تمثل مسائل جوهرية عديدة تتداخل فيها مهمات التحديث الفكري والسياسي مع مهمات النهوض الاقتصادي والاجتماعي، وذلك بتجسيد وحدة المصير العربي كمنطلق للنهوض الحضاري، وهو ما يفترض مهمات إنجاز الوحدة العربية، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية يضمن الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني بما فيها حقه في إقامة دولته المستقلة فوق ترابه الوطني بعاصمتها القدس الشرقية، وبما يضمن تحرر العراق ووحدته واستقلاله، وممارسة الديمقراطية كمنهج للتعامل السياسي على صعيد الدولة والمجتمع، منطلقين من أنّ مسألة إنجاز الدولة الحديثة هي جوهر تلك القضايا.
وتبدو أهمية إعادة طرح قضايا المسألة القومية العربية، من وجهة نظر تحاول أن تكون جديدة، حين نعرف أنّ القرن الواحد والعشرين سوف يشهد إعادة طرح واسعة لمشكلة الأمة والقومية. ففي الوقت الذي ينزع فيه العالم، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن يتعولم وإلى أن يخترق حدود الدول وسياداتها، وفي الوقت الذي تتعاظم فيه التبعية المتبادلة ما بين أمم العالم سياسيا واقتصاديا وثقافيا وإعلاميا، وفي الوقت الذي تتسارع فيه حركة الرساميل والبضائع وتتضاعف السيولات المالية العابرة للقومية، وتتحكم الشركات المتعددة الجنسيات في الاقتصاد العالمي إنتاجا واستهلاكا. وبكلمة واحدة في الوقت الذي يتحول فيه العالم إلى " قرية كبيرة "، في هذا الوقت يُرَّدُ الاعتبار، على نحو لم يسبق له مثيل، إلى عدة مصطلحات قومية مثل: الهوية، والأصالة، والخصوصية. وتدبُّ حيوية في النزعات القومية التي يبدو أنّ قلق العولمة قد أيقظها في كل مكان من العالم.
كما أنّ العالم يتجه نحو قيام تكتلات بشرية كبرى، سواء على مستوى إقليمي أو قاري، تشكل مجالا حيويا في الاقتصاد، وعنصرا رئيسيا في الأمن، وضمانة فعلية للاستقلال السياسي، وشرطا ضروريا للتحرر من الهيمنة الخارجية. وقد أصبح واضحا أنه في عالم اليوم لا مكان للشعوب والدول الصغيرة التي لا تنضوي في كتل بشرية ضخمة تزيد في عددها عن مائة مليون نسمة على الأقل، وتزيد في مواردها عن حجم معين يمكّنها من الصمود والاسقرار.
وأخيرا، من المؤكد أنّ دور النزعة القومية في أوائل القرن الحادي والعشرين، مقارنة بدورها السابق، سيبدو منحسرا من زاوية حملها للتغيير التاريخي. فقد تمَّ إضعاف دور " الاقتصاديات القومية " حتى صار موضع تساؤل بفعل التحولات الكبرى في التقسيم الدولي للعمل، الذي تشكل المشروعات العابرة للقوميات من كل الحجوم وحداته الأساسية، وما يقابلها من تطور للمراكز والشبكات العالمية للتبادلات الاقتصادية التي تقع، لأغراض عملية، خارج سيطرة حكومات الدول.
كل هذا، صار ممكنا بفعل الثورات التكنولوجية في النقل والاتصال، وبفعل عهد طويل من الانتقالات الحرة لعوامل الإنتاج والأفكار فوق مساحة شاسعة من الكرة الأرضية، التي نشأت منذ الحرب العالمية الثانية، وتبلورت - أكثر فأكثر - في تسعينيات القرن العشرين. ومن المؤكد أنّ الأمم والحركات القومية، خاصة المضطهَدة منها، ستكون حاضرة في هذا التاريخ، ولكن بأدوار ثانوية، على الأقل في الأفق المنظور.
ويبقى السؤال عن مكانة العرب في ظل العولمة سؤال عن مكانتهم عموما في التاريخ، وبكلمة واحدة فإنه دون أن ينجز العرب " الدولة ـ الأمة " فلن يكون لهم مكان لا في العولمة ولا بعدها، كما لم يكن لهم مكان من قبل العولمة. إنّ فكرة الدولة ـ الأمة بدأت تظهر جديتها وأهميتها في ظل العولمة أكثر من ذي قبل بسبب التناقض الكبير بين السلطات السياسية والمجتمعات العربية، فالمجتمعات العربية تنتمي زمنيا، بصورة ما نسبية، إلى عصر العولمة فيما النظام السياسي في الوطن العربي ينتمي إلى مرحلة ما قبل الرأسمالية. إذ يبدو أنّ السلطات السياسية العربية وخطابها ومفرداتها وعلاقتها بالعالم أصبحت عقبة أمام الطبيعة التوحيدية للعولمة، ففي حين يتجه العالم ليصبح " قرية كونية " صار أولى بالقيادات العربية أن ترى العرب " قرية واحدة "، وبالتالي تبدو المسألة هنا سياسية – أساسا - وليست حضارية أو أخلاقية أو اجتماعية فحسب.
أهم أخطاء التيارات القومية
يتجه مفهوم الحركة القومية العربية إلى التعبير عن معنيين: أولهما، معنى واسع، يسهل على الباحث أن يكتشفه في معظم الكتابات الخاصة بالتراث القومي العربي، حيث يترادف مع التيار الفكري والسياسي للقومية العربية، الذي يتوسع بعض الباحثين العرب في الحديث عن نشأته وجذوره فيعودون إلى فترة الجاهلية لإثبات قومية العرب وسعيهم إليها منذ ذلك التاريخ، والبعض يتحدث عن الجذور الإسلامية. وثانيهما، معنى ضيق، أكثر واقعية، يشير إلى الواقع السياسي والاجتماعي الذي دفع العرب، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إلى الحديث عن ضرورة توفّر هوية سياسية لهم. وهذا المعنى ينطبق على البداية الحقيقية لنشأة القومية العربية، حيث كانت - آنذاك - تعبيرا عن حركة سياسية مناهضة للحكم العثماني، ساعدت الظروف السياسية والاجتماعية، التي مرت بها الإمبراطورية العثمانية آنذاك، على إثرائها وبلورتها.
وهكذا فإنّ مشروع النهضة العربية الحديثة قد استقى أغلب مفاهيمه وطموحاته وشعاراته من كتابات وتجربة الحداثة الأوروبية، فـ "لم يكن هناك في فضاء الفكر والثقافة والسياسة في العالم العربي، قبل احتكاكه بالحداثة الأوروبية، ما يمكن أن يعتبر خميرة أو جنينا لشعار "الاتحاد والترقي" الذي جعل منه المشروع النهضوي العربي قضيته الأساسية، إن لم تكن الوحيدة، ذلك لأنّ هذا الشعار نفسه هو مجرد ترجمة واقتباس لأحد شعارات الحداثة الأوروبية".
وفي هذا السياق يجدر الانتباه إلى الاختلاف الجوهري بين مشروع الحداثة الأوروبية ومشروع النهضة العربية، من حيث أنهما لم يكونا "ينتميان إلى لحظة تاريخية واحدة، لم يكونا يعكسان نفس المرحلة من التطور. ذلك أنّ مرحلة الحداثة قد قامت في أوروبا القرن التاسع عشر بعد مرحلة "الأنوار" في القرن الثامن عشر، التي قامت هي نفسها بعد مرحلة النهضة الثانية في القرن السادس عشر، والتي سبقتها نهضة أولى في القرن الثاني عشر". ومعنى ذلك أنّ مشروع النهضة العربية كان عليه أن يتعامل مع "حداثة" استوعبت وتجاوزت "الأنوار" و"النهضة".
إنّ الإيديولوجيا القومية العربية، بتفاوت بين حركاتها وتياراتها السياسية، لم تدرك - بعمق - مفاعيل الهيمنة الأمبريالية وقوانين عملها في العالم العربي، ليس كونها عاملا خارجيا فحسب، بل - أساسا - دورها في إعادة صياغة البنى الداخلية العربية لتكريس التجزئة. فبالرغم من إدراك هذه التيارات لضرورة التحديث والتنمية لكنها استنكفت عن الأخذ بالمضمون المعرفي والبنيوي للتحديث، حيث وقعت في "التلفيق" حين استخدمت مفهوم التحديث ولكنها قطعته عن أصوله المعرفية في آن واحد. فالوسطية الانتقائية بقيت خيارا، في النظر والعمل، لدى هذه الحركات.
كما أنّ أغلب مفكري الحركات القومية العربية ضغت عليهم النزعة الثقافوية، فأهملوا التنظير للدولة القومية، فقد كان اهتمامهم منصبّاً على التجزئة القومية وضرورة الوحدة العربية أكثر من اهتمامهم بقضية الدولة، التي حلموا بتحقيقها، فبقيت قضية التنظير للدولة قضية تابعة للقضية "الأصل" وهي الأمة. والأصل في هذا التقصير أنهم انطلقوا من أنّ الدولة العربية القطرية الحديثة "معوّق" للدولة العربية الواحدة، لأنها "تكرّس" الأمة داخل الحدود القطرية. وأساس الخطأ هو أنّ التيار القومي، خاصة عندما وصل بعضه إلى السلطة، لم يعطِ المسألة الديمقراطية اهتماما يُذكر، بل أنه كان ينظر إليها كعائق أمام التنمية، وأمام دور الحزب "الواحد" أو "القائد". فالتعددية الفكرية والسياسية، وتنوّع المجتمع العربي قوميا وطائفيا وطبقيا، كانا يعنيان "الانقسام" و"التجزئة"، فلم يرَ التيار القومي فيهما مصدر إغناء للتجربة القومية.
لقد اهتم العرب بـ "مظاهر السلطة" أكثر مما اهتموا ببناء مرتكزات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، فالبلدان العربية استوعبت المظاهر الهيكلية لجهاز الدولة ولعملية التبقرط، ولكنّ مفهوم الدولة نفسه، بما هو حق وقانون ومؤسسات ومواطنة، ظل شبه غائب. ويبدو أنّ مكمن الإشكال راجع إلى أنّ الدعوة القومية العربية، بالرغم من الزخم الذي واكبها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي خاصة، لم تبدع آليات تحققها وإنجازها في معترك التاريخ.
نحو إعادة هيكلة الفكر القومي وطرح قضاياه
بعد أن انهار عالم كامل من الوقائع والأحلاف والمسبقات والمفاهيم والمبادئ والأوهام، لا بدَّ من مراجعة فكرية جذرية للخطط والسياسات والمُثُل والعقائد والأفكار التي بلورت الإخفاق العربي وقادت إليه. إنّ القطيعة المطلوبة مع الفكر والإشكاليات والأطروحات القومية القديمة تفترض الإمساك بالجوهر والإحالة إليه، والامتناع عن الدخول في التفاصيل. إضافة إلى أنّ إعادة هيكلة هذا الفكر تقتضي تعيين المحاور والمستويات التي تستدعي إبراز المشاكل والأزمات التي كانت الحركة العربية تخفيها أو تمر عليها مرور الكرام. وإذا كان وضوح الرؤية شرطا ضروريا لنجاح أي عمل، فإنّ الرؤية الواضحة "لا تنبثق إلا عبر قطيعة مع الرؤى القديمة و(محاولة) تصفية الحساب معها نهائيا". باعتبار أنّ الحق قبل الاعتقاد، والعلم والمعرفة قبل الإيديولوجيا، والواقع الموضوعي قبل الميل الذاتي والتفكير الرغائبي. إضافة إلى أنّ الفكر السائد في العالم العربي - بشكل عام – يكاد يغلب عليه الطابع الإيديولوجي الخالص، إنه يتسم بالهشاشة النظرية التي لا تتيح الامتلاك المعرفي لحقائق الواقع وضروراته واحتياجاته وحركته المستقبلية، ولهذا فهو أقرب إلى تكريس الواقع القائم وإعادة إنتاجه.
لقد تبلورت رؤيتان عربيتان مختلفتان لمفهوم الأمة: أولاهما، تلك التي تنظر إلى الأمة بالمعنى التقليدي (الأمة = الملة)، تلك التي تنظر إليها بوصفها عملية استعادة للماضي، الذي يُختزَل إلى لغة مقدسة، أو تاريخ مُؤَقنَم ومُنتَقى ومُجَزّأ، أو إلى "جوهر" عربي ميتافيزيقي محلّق فوق التاريخ، ومتجسد في "رسالة خالدة".
وثانيتهما، تلك التي تنظر إلى المشروع القومي في منحى عصري ومستقبلي، ليس همه استعادة الماضي، بل بناء المستقبل على ضوء الخبرات التاريخية للماضي، وعلى أسس الحاضر، وتعيد الاعتبار إلى دور الدولة القومية في بناء الأمة وتطويرها، ولا تحصر دور الدولة في مجرد تتويج المسار القومي. والواضح أنه لا يمكن للأمة أن تستكمل وجودها بالفعل إلا بالدولة، فالدول طوال تاريخ الإنسانية إما خلقت الأمة تماما أو أطّرت قدراتها أو عزّزت مقوّماتها. ولا شك أنّ ثمة فرقا كبيرا بين "قيام الدولة" و"وجود الأمة"، فالأمة العربية موجودة بالإمكان وعوامل وجودها قائمة، والتجزئة ليست ناتجة عن عدم اكتمال عوامل وجود الأمة، بل عن السيطرة الإمبريالية، وعن تشكّل مصالح قطرية، إضافة إلى معوّقات بنيوية اقتصادية واجتماعية وثقافية وجغرافية.
وفي الواقع، لا يمكن التحدث عن مفهوم معاصر للعروبة إلا إذا اشترط عليه أن يشهد تحوّلا كيفيا يمتلك من خلاله بعض السمات، ويحيط نفسه بمجموعة قرائن تجعل من العروبة مقولة مقبولة من جماهير العرب ونخبها، بما عليها أن تشكل في طياتها من مخزون يحوي قدرا من التحرر والديمقراطية والتنوع. وإذا كانت بعض التجارب التاريخية تدلنا على أنّ الوحدة القومية هي عملية تستبق المفاهيم التي تحكم البنية الآخذة في التكوّن، وقد يكون ممكنا حصولها بالقوة أو تحت ضغط الإرادة الجماهيرية أو في مواجهة عدو مشترك، إلا أنه في زمن اتحاد الديمقراطيات بات للوحدة شروط تسبقها وإجراءات على الشعوب اتخاذها. لأنه، ببساطة، ما يطرح اليوم هو اتحاد دول وكيانات مستقلة وليس وحدة إمبراطورية. وإذا كان من الطبيعي أن تنتشر العروبة في فترات تمددها، إلا أنّ القرن الماضي شهد ما يشبه التموضع لهذا المفهوم في اللاوعي العربي، حيث اكتفت الجماهير بحالة التضامن المعنوي والمادي في بعض الأحيان على حساب الإنجازات العملية على الأرض وذلك برغم محاولات التوحد المتعددة. لقد دخلت العروبة في مخيال الأمة وسكنت أحلام الجماهير على أنها البديل من واقع الحال المتردية من تشرذم سياسي وضعف اقتصادي، وبقيت العروبة على حالها منذ ذلك الحين مفهوما يجسد الهوية والانتماء، ومشروع وحدة قوميا اقتصاديا تنمويا، كلما مر الزمن كان يقترب إلى الحلم أكثر منه إلى الواقع.
بين عروبة الخمسينيات من القرن العشرين وعروبة اليوم نصف قرن استُهلكت خلاله القيم الشمولية، وبرزت فيه الديمقراطية مفهوما يستعاض به عن العصبوية الموحِّدة والمكوِّنة للدول والمجتمعات، وأظهرت التعددية قدرتها على أن تكون فعل انسجام ودافعا محركا للوحدة الوطنية تحت رعاية الدولة والمؤسسات، ولم يعد الصراع القومي مع العدو يشكل وحده دافعا كافيا لإرادة التوحد، بل باتت شروط الوحدة أكثر تعقيدا، هذا كله والنظام السياسي العربي على حاله.
على العروبة اليوم أن تفعّل التثاقف الحضاري وأن تميّز بين القيم الغربية كجزء من القيم الإنسانية العامة وبين التدخل الغربي كمشروع سيطرة على مصادر الثروة يخدم التراكم الرأسمالي في الغرب. على العروبة اليوم أن تكون مشروعا تنمويا اقتصاديا واجتماعيا ومشروعا علميا تكنولوجيا، وعليها أن تكون مشروع حرية في مجالات الإعلام والثقافة والفكر، وعليها حماية واحتضان المجتمع المدني.
__________
* كاتب وباحث سوري مقيم في تونس
--------------------------------------
-------------------------------------------------