
لقد عزلونا كل ستة أو ثمانية في مهجع.
وضعوني في المهجع العاشرمع الاخ والصديق نقولا الزهر ومحمد خير خلف من الحزب الشيوعي/ المكتب السياسي/ وصفوان عكاش ومازن علي شمسين من حزب العمل الشيوعي ومحمد دقومن التنظيم الشعبي الناصري ورسول الجوجو وتمام الحاج حسين من المتهمين بالانتماء إلى حزب البعث العربي الإشتراكي / العراق/.
بقيت الزيارات مفتوحة ودورية ولم تتأثر بمسألة العفو أورفضه.
بعد بضعة أيام سمحوا لنا بالتنفس لمدة نصف ساعة.. تبدأ من فترة فتح الباب وإلى حين إغلاقه بدقة تامة.
صار الإنتظار مملاً.
الجميع ينتظر خطاب القسم لحافظ الأسد مع توارد أنباء كثيرة عبر زيارات الأهل عن قرب الأفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وفتح باب السجون وتبييضها.
الحقيقة إن هذه الأخبارمن وجهة نظري تقول:
إن هذه الإشاعات تسهر عليها وتغربلها الأجهزة الأمنية وتبثها في الشارع عبرمخبريها وموظفيها الذين لا يحصون. من المعروف أن الإشاعات جزء من الحرب. والنظام والسلطة في سوريا في حالة حرب دائمة مع المجتمع. لهذا عليه دائماً أن يختلق المبررات والاشاعات من اجل أن يلهي الناس بشيء .. يقوم بهذا النشاط من أجل خلق حالة أمتصاص وبلبلة بين الناس وخاصة أهالي المعتقلين تحديداً.
جاء والدي في 13/1/1992 في زيارة إلى السجن. قال:
ــ أمك تبقى على الشرفة ساعات في أنتظارك. لقد خرج الكثير من أصدقاءك ورفاقك. لماذا لم تخرج! قلت له بعد تنفست طويلاً:
ــ قريباً إنشاء الله. سأخرج يا والدي.. لا تقلقوا علي. حاول أن تطمئن والدتي على وضعي. أنا بخيرولا تقلقوا علي.
ربما يتساءل البعض لماذا رفضت العفو. أقول:
ــ لم أتنازل عن حقي في الحياة. أن أكون مواطناً في المكان الذي أعيش فيه. ولن أتنازل عن حق من حقوقي حتى لو أدى
كنت خائفاً على حياتي. وخائف على مستقبلي أيضاً. مثلي مثل أي أنسان في هذه الحياة. أحب الحياة وأحب أن أعيش بكرامة وسلام في وطن أمن. وأعرف إنني بين أنياب ذئاب جائعة تريد أن تنهش كل خلية في روحي وجسدي.
وقلبي بين يدي يتمزقوقلبي بين يدي يتمزقوقلبي بين يدي يتمزق
أمران أحلاهما مر.
كنت أحس بالتمزق الداخلي لعذابات أمي وأبي وأخوتي علي. من البعد ومن الغربة ومن حالة الضياع الذي نعيشها ويعيشها شعبنا ومجتمعنا.
كنت أتمزق من العذاب والمرارة التي يتكبدها أهلي من جراء خوفهم علي. فقد كان والدي في السبعين من العمر.. عندما كنت أراه خلف الشباك مع أمي الحزينة كنت أشعربالحزن واليأس. مرات كثيرة كنت أعود من الزيارة وقلبي بين يدي يتمزق. دائماً أرى نفسي في مواجهة البقاء في السجن أو الخروج. القبول أو الرفض.
الأمرلا يتعلق بتحدي سلطة جائرة أو الخضوع لقوتها وجبروتها. أنما أن تتنازل عن حقك أو لا. أنه أمر صعب للغاية.. أمر صعب وصفه على الأطلاق .
أنا لا ولن أحقد على أي فرد من أفراد السلطة الجائرة حتى أولئك الذين عذبوني. وليس لي أي موقف عدائي منهم على الاطلاق. لكن أتمنى أن يقدم كل فرد منهم في المستقبل إلى محاكمة عادلة جراء ما فعلوه للناس ومجتمعنا بمن فيهم حافظ الأسد منذ أن كان وزيراً للدفاع وإلى حين موته.. بمن فيهم رجالات الأمن كلهم.. من أصغرعضو إلى أكبرهم مرتبة.
كنا في المهجع نقضي الوقت في الأستماع إلى الراديو ومتابعة الأخبار أو نمشي في ممر المهجع أو نتحدث.
في شهر رمضان كنا نطبخ من المواد الذي تركها أخوتنا وزملائنا السجناء الذين خرجوا من السجن. نأكل بعد الصلاة.. عند ضرب المدفع مع الصائمين.
كانت تتوارد أخبار مفرحة مفادها أن هناك بعض السجناء السياسيين خرجوا من سجن صيدنايا العسكري بدون شروط. لكني أشك في ذلك. ففي الأنظمة الأستبدادية لا يوجد مفهوم المواطنة في ذهن الذين يحكمون البلاد.. أنما رعايا وقطيع.

الشرق الإوسط منظومة أمنية سياسية مُحكمة.
منظومة متماسكة.. متراصة.. مترابطة عبر حلقة أو سلسلة قوية ومحكمة ومغلقة. ولا يمكن لأي نظام في الوطن العربي أن يشذ عن القاعدة إلا بتغير قواعد اللعبة من قبل قيادة النظام الدولي.. أو بتغيير المنظومة الفكرية والسياسية لشعوب منطقتنا وقدرتها على فرض شروطها على النظام نفسه.
أول المؤشرات السلبية جاءت سريعاً.
في / 11 / كانون الثاني من العام /1992/حدث أنقلاب عسكري في الجزائر.
نحى العسكرالرئيس الشاذلي بن جديد من السلطة.
إلغاء الجولة الثانية من الأنتخابات.
المؤشرات تقول إن الأنظمة الإستبدادية.. والمنظومة الأمنية السياسية العربية باقية إلى إشعار أخر.
أنا من الناس الذي جهز نفسه للبقاء في السجن مدة طويلة.
كنت أعلم تمام العلم أن السجن العربي سيكون طويلاً ولا يوجد أي أفق مشرق أو بصيص أمل للخروج من السجن.
السجين السياسي العربي ــ المنظومة الأمنية العربية.. وجودهما في السجن ــ السلطة مربوط بجملة شروط.. محلية وأقليمية ودولية.
خروج السجين العربي مرفوع الرأس يعني تكسيرهذه المنظومة وإنهاء دورها. وهذا يحتاج إلى منظومة فكرية ثقافية
خروجنا من السجن مكسورين لا تعني إننا مهزومين. فالمسألة ليست شخصية على الإطلاق. الهزيمة هي هزيمة
لم تصرح قيادة النظام الدولي عن رفضها لما حدث في الجزائر.. لا البيت الابيض.. ولا وزارة الخارجية الأمريكية.
بل جاءت مباركة فرنسية سريعة لهذا الأنقلاب.
إذاً المؤشرات تقول:
قبول النظام الدولي بالأنقلاب العسكري في الجزائر.. وقبله السودان!
المنظومة الأمنية العربية قائمة ولن يجري أختراقها أوتكسيرها من قبل المركز.
النظام الأمني السياسي العربي قائم إلى إشعار أخر.
مددت فراشي على السريروربطت أحزمتي من أجل أمتطاء الرحلة الطويلة المحفوفة بالمخاطر والخوف والترقب. قلت:
لقد حزمت أمتعتي للرحيل إلى المجهول. كنت أقول:

أتذكر..
طيور الزرازيرعلى شجرة الكينا في ساحة دارنا في رأس العين.
في مواسم الرحيل من الشمال إلى الجنوب.. في رحلة البحث عن البقاء.. تهاجر تلك الكائنات الجميلة إلى موطنها المتغيرفي رحلة البحث عن الدفء والبقاء. كانوا يحطون على تلك الشجرة العملاقة مثقلين بالتعب والأرهاق.. الجوع والإنهاك.. البرد والسفرالطويل. الكثيرمنهم كانوا يتساقطون على الأرض من البرد والجوع والفراق والغربة. أصوات أستغاثاتهم المبحوحة في أذني وعقلي وقلبي منذ كنت طفلاً لم يتجاوز سنن البلوغ. عيونهم الموجوعة كانت تقول:
دعني أرحل إلى موطن الدفء.. إلى موطني القادم.. دعني أرحل إلى المكان الذي أحط فيه أعشاشي ونسلي وبقائي.. دعني ألقي مجاديفي هناك.
كان الثلج الأبيض قاسياً وبرده يسلق العظام.
كانوا مشبعون بالألم والجراح الطويلة.
كانوا يصرخون بنبرة مرة.
كنت صغيراً ولم أكن أعير مواجعها أي أهتمام.
كان بيتنا سمتاً.. وشجرة الكينا في بيتنا قرب البئر العميق هدى ونبراس للطريق الأخضرالجميل.
بدأت تتوارد أخبار متقطعة عن تقديمنا إلى المحكمة.
لم نصدق ما يشاع في بداية الأمر. كنا نقول:
هل يعقل أن يقدم هذا النظام المعتقلين السياسيين إلى المحكمة بعد أثنتا عشرة عاماً من السجن العرفي.
إذا المحكمة أمنية سياسية.
جاء خطاب المقبور حافظ الأسد خالي الدسم وفارغاً مثل شخصيته.
تكلم مطولاً عن بعض اليهود المسجونين في سورية لأسباب جنائية. راح يتبجح في كلامه:
الغرب طالبني بالأفراج عن بعض اليهود السوريون. قلت لهم:
إنهم مواطنون سوريون مثلهم مثل غيرهم ولن أفرج عنهم على الأطلاق. صفق له مجلس الشعب طويلاً. وفي اليوم الثاني سمعنا من الأذاعات العالمية.. أن حافظ الأسد رئيس سوريا أفرج عن هؤلاء اليهود.
في شهر آذارمن العام نفسه أعتقلوا جرجس التلي.. ونعمان عبدو.. ومحمود علي عيسى من حزب العمل الشيوعي. كما أعتقلوا الأخ والصديق سلامة كيلة. ثم أعتقلوا أحمد حسو على خلفية أنتمائه للحزب البارتي التقدمي في سوريا ــ عبد الحميد درويش ــ .
في 31/3/1992 جاء العقيد عدنان محمود إلى السجن وفتح الأبواب. قال:
لقد أنتهى كل شيء. عودوا إلى حياتكم العادية. أنتم تحبون البقاء في السجن.
في 16/4/ 1992 جلبوا أربعة معتقلون سياسيون من سجن حمص المركزي وهم: محمد سيد رصاص.. وعادل أحمد.. وعبد الكريم عيسى.. وحنا بيطار.. من الحزب الشيوعي /المكتب السياسي/.
كما جلبوا من سجن المسلمية في حلب /18/ معتقلاً سياسياً منهم:
ياسين الحاج صالح.. وعمر الحايك.. وحكمت مرجانة.. والمرحوم عبد الله قبارة من حزب الشيوعي / المكتب السياسي/. وماجد حبو.. وبكر صدقي.. وفراس يونس.. وعزيزتبسي.. وأديب الجاني.. وحسين السيبراني.. وأسامة عاشوروغيرهم من حزب العمل الشيوعي. وحسن النيفي.. وإبراهيم اليوسف.. وحسن ومحمد الدرج وغيرهم من حزب البعث العربي الأشتراكي / العراق/. وخالد الناصر.. وأحمد رجب وغيرهم من التنظيم الشعبي الناصري. وقد مات هذا الأخيربالسكتة القلبية فور وصوله إلى سجن عدرا بدمشق.. ولم نستطع التعرف عليه.. وذلك لأننا كنا في المهاجع والأبواب مغلقة علينا.. كما كنا محرومين من التنفس.
لقد حولوا سجن عدرا المركزي كمركزتجميع لكل المعتقلين الموجودين لدى الأمن السياسي في سوريا.
بعد فترة من الزمن عاد الأمن السياسي لفتح الأبواب مرة ثانية.
تعارف المعتقلون من كل السجون على بعضهم البعض.
صار معروفاً للجميع أننا سنخضع للمحاكمة بسبب آرائنا السياسية.
كان الأمن يروج الإشاعات بين الناس عن قرب الأفراج عن المعتقلين السياسيين عن طريق المحكمة. وأن هذه المحاكمة هي مخرج للخروجهم من السجن.
في 19/5 من نفس العام أخذوا الدفعة الأولى من حزب العمل الشيوعي إلى التحقيق الأولي. أخذوهم في مكرو باص مكبلين بالسلاسل وتحت حراسة الأمن السياسي إلى محكمة أمن الدولة العليا في دمشق. كانوا عشرة أفراد من قيادات الحزب. وفي اليوم الثاني أخذوا العشرة التاليين. بعد التحقيق الأولي معهم جرى عزلهم في مهجع بعيد ومنعوهم من الأحتكاك معنا.
لم نعرف لماذا جرى تقديم ستمائة معتقل سياسي إلى المحكمة بعد سنوات طويلة من السجن. ما الهدف من هذا العمل. كما هو معروف كان الجميع في السجن موقوفين عرفياً. ما هي اللوثة التي أصابت رأس النظام.. الشرطي حافظ الأسد حتى يعلن الأنتقال من التوقيف العرفي للمعتقلين إلى المحكمة الأمنية السياسية.
في 25/ 5 من نفس العام كبلوا عشرة معتقلين من كوادر وقيادات الحزب الشيوعي /المكتب السياسي/ وأخذوهم إلى التحقيق الأولي.
في اليوم التالي أي 26/5 أخذونا إلى التحقيق مثلنا مثل غيرنا.
سأتكلم ما جرى لي وبالتأكيد جرى مع غيري.
بعد أن كتب أسمي وأسم الكنية وتأريخ أنتسابي إلى الحزب وأسم مطبوعاته ونشاطه. سألني القاضي الأولي مثلما يسأوم أي رجل أمن للمعتقل السياسي:

هل هذا صحيح. قلت:
ــ نعم هذا صحيح. قال:
ــ هل كنت تدفع الأشتراكات وتقرأ المطبوعات وتؤكد الأقوال الموجودة في محضر تحقيقات الأمن. قلت:
ــ نعم أكد كل ما قلت سابقاً. لكن يجب أن تسجل أن جميع أقوالي أنتزعت مني تحت التعذيب. قال:
ــ هل تنسحب من الحزب. قلت:
ــ لا لن أسحب من الحزب وأكدت بقائي فيه. وقلت أنا باق في العمل السياسي ولن أغير رأيي.
لم يتكلم ولم ينبس ببث شفة.. فقط كان ينظر إلي مستغرباً. ولماذا لا يستغرب.. ففي دولة البعث.. دولة العائلة.. الشرطي حافظ الأسد يعتبركل معارض لسلطتهم ضرباً من الجنون.
أخذ إفادتي.. سجلها وكتب ما قلته ثم وضعت إمضائي عليها.
عدنا إلى السجن متعبين تماماً.
يتبع ــ
آرام كربيت
---------------------------------------------------
كاسترو يتحدى بوش في كسب قلوب وعقول سكان المنطقة
Sun Jul 15, 2007
هافانا (رويترز) - سخر الرئيس الكوبي فيديل كاسترو يوم الأحد من جهود حكومة الرئيس جورج بوش للتخفيف من المشاكل الاجتماعية في امريكا اللاتينية وتفاخر بأن بلاده الفقيرة تتفوق كثيرا على الولايات المتحدة في مجالات المساعدة الصحية والتعليمية.
كتب كاسترو في مقال افتتاحي نشر في الصحيفة الرسمية (ريبل يوث) " بوش سيكتشف أن النظام السياسي والاقتصادي للامبراطورية لا يستطيع أن ينافس في مجال الخدمات الحيوية مثل التعليم والصحة دولة كوبا التي تتعرض للحصار والاعتداء على مدى 50 عاما تقريبا."
وقال كاسترو متحديا "كل إنسان يعلم ان تخصص الولايات المتحدة في مجال التعليم هو سرقة العقول" مستشهدا بتقرير لمنظمة العمل الدولية يقول إن 47 في المئة من الطلاب المولودين كأجانب الذين يكملون دراسة الدكتوراة في الولايات المتحدة يبقون فيها.
وقال كاسترو إن منهجا كوبيا لمكافحة الأمية يستخدمه الملايين في أنحاء امريكا اللاتينية والبحر الكاريبي.
وبدأ الزعيم الكوبي الذي يبلغ من العمر 80 عاما يكتب مقالات الرأي أثناء تعافيه من سلسلة العمليات الجراحية في الأمعاء طوال العام الماضي.
ويقوم شقيق كاسترو وزير الدفاع راؤول كاسترو (76 عاما) بإدارة شؤون الحكومة بصفة مؤقتة.
واستضافت حكومة بوش 150 منظمة امريكية لاتينية و 90 منظمة امريكية في الاسبوع الحالي لمناقشة العمل الاجتماعي للولايات المتحدة في امريكا اللاتينية وتنشيط جهود الشركات في المنطقة.
وحضر مؤتمر البيت الابيض حول الامريكيتين الرئيس بوش وزوجته لورا وخمسة من اعضاء الحكومة كجزء من الجهد لمواجهة استخدام كوبا وفنزويلا المتزايد لبرامج الصحة والتعليم لكسب القلوب العقول في جنوب امريكا.
ويتحدى كاسترو الشيوعي والرئيس الفنزويلي الاشتراكي هوجو شافيز نفوذ الولايات المتحدة بخطة التكامل بينهما التي تجمع بين ثروة فنزويلا النفطية ورأس المال البشري لكوبا من اجل تقديم عقود نفط تفضيلية وبرامج اجتماعية هائلة الى الدول الأخرى.
وسخر كاسترو يوم الاحد من الجولة التي تستغرق أربعة شهور لسفينة المستشفى (كومفورت) التابعة للولايات المتحدة في المنطقة.
وقال "لا يمكن تنفيذ المناهج الطبية في صورة حلقات" مقارنا بين السفينة التي تتوقف لمدة اسبوع واحد في هايتي وبين المئات من الأطباء الكوبيين الذين يعملون منذ نحو عشرسنوات هناك الى جانب الهايتيين الذين درسوا في كوبا.
وألقى بوش الضوء على مركز في بنما قام بتطوير مهارات 100 من أطباء امريكا الوسطى وخطط إنشاء مدرسة للتمريض ضمن مشروعات أخرى خلال خطابه الافتتاحي لمؤتمر الامريكيتين.
ورد كاسترو يوم الاحد بذكر عيادات أمراض العيون الكوبية في المنطقة التي أجرت عمليات جراحية لنحو 700 ألف من فقراء المنطقة.
وقال كاسترو "بلادنا لديها عشرات الآلاف من الطلبة الامريكيين اللاتينيين والكاريبيين الذين يدرسون الطب في مناهج مجانية تماما."
وأضاف "إننا نتعاون مع فنزويلا لتدريب أكثر من 20 ألف شاب هناك ليصبحوا أطباء."
© Reuters 2007. All Rights Reserved
---------------------------------------------------------------
عبثية القوات الأمريكية تمنع العمل الصحفي في الإنبار
اذا كان العالم يجمع وبلا تردد علي ادانة الكذب والخداع والتقلب والايقاع بالاخرين لكونها قيما بدائية همجية هي من صفات المراحل المتخلفة للأنسان والمجتمعات..
فمن باب اولي انه يجمع بهذا المنحني نفسه علي ادانة السياسات الامريكية الي تتصف بهذه الصفات اللاإنسانية تلحق الضرر بالمــــــــواطنين والصحفيين والاعلاميين في محافظة الانبار حيث شجب الاعلاميون والصحفيون في الانبار الاعمال التي قامت بها القوات المحتلة بلصق صورة عدد من اسماء الصحفين والاعلامين الذين يعملون في القنوات الفضائية الدوليةووكالات الانباءوعدد من الصحف للأنباء علي نقاط التفتيش كونهم ارهابين هذا ما اكده رئيس المكتب الاعلامي والصحفي في الانبار.
وقال ان من المؤسف والمؤلم حقاً ما تقوم به هذه القوات تجاه الصحفيين في الانبار وكيف تريد امريكا ان تنشر الديمقراطية والحرية في ارجاء المعمورة وفي جيشها المنضبط من ينتهك حقوق الاعلامي..
ثم كيف بامريكا وجبروتها وهي تعد نفسها الاولي في العالم المصدرة للحريات والسلام والامن والرخاء والعيش الرغيد كيف لها ان تفعل تغلق الصحف كافة في الانبار وتقتل اكثر من ثمانية زملاء في المهنة الاعلامية والصحفية وتهجير البعض منهم اضافة الي اصابة الزميل كريم مشرف العلواني مصور المحافظة وعدد من الفضائيات العراقية البالغ من العمر اربعة وخمسين عاما اصابة بالغة افقدته بصيرته وناشد السيد القرةغولي كل الشرفاء في العالم والرأي العام العالمي ومنظمة مراسلون بلا حدود الي التدخل لحماية الصحفيين والاعلاميين في محافظة الانبار واطلاق سراح المعتقل في السجون الامريكية وهو بلال حسين مصور الوكالة العالمية (AB).
خالد القرة غولي - الانبار
-------------------------------------------------
أسامة الغزالي حرب
أن الدور الخارجي في التأثير على الأوضاع الداخلية هو احد حقائق السياسة في المنطقة العربية. والشواهد على ذلك كثيرة ، سواء منها ما يتعلق بالتاريخ الحديث أو بالاوضاع الراهنة. ولذا فالنقاش لا يتعلق بهذا المعطى بل بأشكال التدخل ووظائفه.ان للضغط الخارجي على النخب الحاكمة فعالية لأن هذه الاخيرة تمتلك شعورا بانها تستمد شرعيتها من رضا الخارج عنها، مما يضعه امام مسئولية كبيرة. والتدخل المفيد والمطلوب ليس عسكريا ولا ماليا بل هو معنوي، يختص بتوفير فسحة من الحريات وبتقليص الميل القمعي للانظمة. إن استخدام الخوف من صعود الاسلاميين لتأجيل مهمة ارساء الديمقراطية هو قلب للمعادلة، لأن ازدهار القوى الاسلامية هو نتيجة مباشرة للحكم الديكتاتوري وغياب الديمقراطية وفساد انظمة الحكم. ثم إن ادعاء الغرب بأنه يحاور الاسلاميين للحصول على ضمانات منهم على التزامهم بالديمقراطية هو أمر نافل،لأن المطلوب هو تدعيم العملية الديمقراطية ككل، أما الحوار مع الاسلاميين فهو شأن داخلي.
من المستحيل تفسير الأوضاع السياسية في العالم العربي، بل والإسلامي كله، بمعزل عن العوامل الخارجية. إلا أن جوهر السؤال يدور حول مدى مشروعية الحديث عن تدخل الغرب - تحديدا - في التطور السياسي الداخلي للبلاد العربية. وفي هذا، فإن البعد التاريخي مهم جداً. لنبدأ من منتصف القرن التاسع عشر مثلاً، أي من ذروة انحدار الدولة العثمانية. في هذا المثال، يستحيل تفسير التطورات التي حدثت في العالم العربي والإسلامي بانفصال عن العالم الأوروبي وعن التدخلات الخارجية. لست ميالاً إلى أفكار "مدرسة التبعية" التي تفسر كل شيء في العالم الثالث بالاقتصاد وبالمصالح الاقتصادية الغربية، وأفضل التأويل السياسي للوقائع. لا يمكن تفسير ظهور الأقطار العربية باستقلال عن النفوذ الاستعماري. إن السياسة والتدخل الاستعماريين أوجدا كيانات الدول العربية الحديثة كالعراق وسوريا ولبنان والأردن وسواها. الدور الأوروبي في دعم الثورة العربية الكبرى معروف: "الشريف حسين" في وجه الأتراك. كما دعم الأوروبيون مشروع إنشاء الدولة السعودية. ثم أنه لا يمكن فصل الأحداث الكبرى المتعلقة بالتطورات السياسية في البلاد العربية عن العنصر الاستعماري: فقد أتت بريطانيا والقوى الأوروبية بمشروع تقسيم فلسطين وأقامت إسرائيل وسط العالم العربي. أكثر من ذلك، وضعت بريطانيا فكرة الجامعة العربية. أما الإدعاءات الأخرى عن توجهات قومية عربية في تفسير نشوء الجامعة فيجب ابقاؤها في حجمها الحقيقي. لقد أرادت بريطانيا تحقيق نوع من الموازنة مع خلق إسرائيل في فلسطين، فأعطت وعد بلفور ثم تبنى تشرشل من بعد مشروع الجامعة العربية! وأخيراً، فلا يمكن فصل التطورات الداخلية في البلاد العربية عن تأثيرات النفوذ الاستعماري من جهة، والنفوذ الغربي عموماً من جهة ثانية.
نموذج مصر
إذا أخذنا مصر كنموذج بالنسبة للتطورات الداخلية، فسنجد أن التأثير الخارجي كان كاسحا: فقد كانت مصر مستعمرة أو محمية بريطانية عند وقوع الحرب العالمية الأولى، مما أدى إلى كبت التطور الداخلى فيها بسبب ظروف الحرب. أما الذي شجع الحركة الوطنية المصرية في أعقاب الحرب العالمية الأولى للمطالبة بالاستقلال، فكان مبادئ ويلسون الأربعة عشر التي أعُلنت في ذلك الوقت. وطلب سعد زغلول السفر إلى باريس على رأس الوفد المصرى لحضور مؤتمر الصلح والمناداة بتطبيق أفكار ويلسون على الحالة المصرية. ولما رفضت بريطانيا، كان رد فعل الشعب المصري القيام بثورة 1919 التي لا يمكن في الواقع تفسيرها بدون هذه التطورات العالمية.
وفى واقع الأمر فقد تأثرت كل القوى السياسية التي بدأت تظهر في أعقاب هذه الفترة بالعوامل الخارجية، ولا يعني ذلك حصراً عوامل الدولة المستعمرة. وكمثال، فعندما سقطت الخلافة في تركيا كان رد الفعل في مصر هو تكوين الإخوان المسلمين. وعندما ظهرت الأفكار الفاشية في إيطاليا وألمانيا تكونت في مصر قوى فاشية في صورة حزب مصر "الفتاة" وما تبعه. ولما قامت الثورة الشيوعية في روسيا سنة 1917 تشكل في مصر بعدها بسنوات قليلة، الحزب الشيوعي المصري. ثم ونتيجة معاهدة 1936 والتطورات التي حدثت في المجتمع المصري، والنظام شبه الليبرالي الذي عرفته مصر، دخلت أفواج من الطبقة الوسطى الجديدة إلى الجيش، وهؤلاء هم الذين شكلوا بعد ذلك حركة الضباط الأحرار. وهل يمكن إنكار الأثر الكاسح الذي لعبته حرب فلسطين، والتي كانت كلها في الحقيقة من صناعة القوى الخارجية، في التطورات السياسية المصرية بعد ذلك؟ بل هل يمكن تفسير نجاح حركة الضباط الأحرار بمعزل عن المصالح البريطانية والأمريكية في ذلك الوقت؟ فبعد الحرب العالمية الثانية، ورثت الولايات المتحدة الأمريكية الاستعمار البريطاني وأصبحت القوة المهيمنة في المنطقة، وأصبحت مصالحها تتحكم بالتطور السياسي فيها. وقد تبلورت مصالح الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية في ثلاثة أهداف واضحة:
حماية إسرائيل. الحصول على النفط. منع السيطرة الشيوعية على المنطقة.
ولم يكن أى من هذه الأهداف يستلزم وجود نظم ديمقراطية. كان يتطلب وجود نظم قوية قادرة على التصدي للتهديد الشيوعي وللمخاطر التي تحيط بالبترول. وفي هذا السياق، أقلق الولايات المتحدة الأمريكية ضعف النظام الملكي القديم في مصر وعجزه عن استيعاب القوى الاجتماعية والسياسية الجديدة وتهديده من الإخوان ومن الشيوعيين. ولذلك شجعت واشنطن الضباط الأحرار في مصر على القيام بالثورة، ولولا هذا التشجيع لما كان يمكنهم أن ينجحوا. فمن المعروف تماما أن الضباط الأحرار اتصلوا بسفارة الولايات المتحدة الأمريكية في القاهرة لطمأنتهم تجاه الحركة، ولتحييد الموقف البريطانى، وبالفعل، كان في مصر ما يقرب من 70 ألف جندي بريطاني، لم يتحركوا لوقف انقلاب 23 يوليو. وقد اخضع الأمريكان الملك فاروق فطلب منه السفير كافري أن ينصاع للضباط ونصحه بالسفر إلى إيطاليا. لقد انتهى النظام الملكي بسهولة لأن الإنجليز والأمريكان في ذلك الوقت أرادوا ذلك. وقام في مصر نظام 1952. لا يمكن تفسير ثورة يوليو بسخط الجيش فحسب. إنما كانت هناك أيضا إرادة لا شك فيها للقوى الخارجية لكي تقوم هذه الثورة. كان تقديرهم دقيقا وسليماً بالنظر إلى الدور الذي لعبه عبد الناصر بعد ذلك في إقصاء القوى الشيوعية عن ممارسة أي أثر حقيقي في المنطقة، إذ حجّمت الدعوة الناصرية الشيوعيين العرب، واستمر ذلك حتى سقوط الإتحاد السوفييتي. الناصرية كانت الحالة الوحيدة القادرة على تحجيم الحركات الشيوعية العربية.
خلاصة الأمر، أن الدور الخارجي في التأثير على الأوضاع الداخلية هو احد حقائق السياسة في هذه المنطقة. ليس موضوع النقاش عما إذا كان ذلك جيداً أو سيئاً، فهو واقع. وإذا كان هذا مثال مصر حيث هناك حكومة ولها أهداف سياسية، فكيف عن دور العوامل الخارجية في إقامة النظام السعودي وفي دعم الدولة السعودية، وخصوصا مع ظهور البترول. أما الدور الذي لعبته بريطانيا في صياغة كل الأوضاع في منطقة الخليج وتثبيت الأسر الحاكمة هناك، فهو أمر بديهي لا يحتاج إلى إثبات. بعد ذلك، فهل يمكن إنكار أن المعارك بين عبد الناصر وبين الغرب هي التي أثرت على مصير النظام الناصري كله، وهي التي أدت إلى حرب1967، ثم أثرت الهزيمة على كل الوضع السياسي الداخلي? هل يمكن إنكار أن الدعم الأمريكي للسادات أسهم بعد ذلك في إنقاذ النظام المصري? هل يمكن إنكار أن المعونة الأمريكية التي بدأت تتدفق على الخزانة المصرية، والتي نالها السادات لمدة سنة واثنين واستمرت بعد ذلك مع مبارك، أسهمت بقوة في دعم النظام المصرى، سيما وأنها تقدر بأكثر من 2 مليار دولار سنويا؟
التأثير الثقافي
فى هذا السياق، يبدو من المنطقى تماماً تأثر الحياة الثقافية في العالم العربي بشدة، بالعوامل الخارجية وهو ما ينطبق على القيم والأفكار والنقاش العام حول القضايا السياسية. فبما يخص السنوات الخمسين الأخيرة على الأقل، لا يمكن الفصل بين التوجهات الفكرية الأساسية التي كانت سائدة في منطقتنا وبين المشهد العالمي. كان التأثير الثقافي لليسار أكثر بكثير من تأثيره السياسي. اليسار كان مهما في الأدب والصحافة والمسرح والسينما، أكثر بكثير من أهميته في السياسة. وكان هذا مرتبطا طبعا بازدهار المعسكر الشيوعي والاتحاد السوفيتي. غير أن ذلك لا ينفى أن تأثر المثقفين المصريين والعرب إلى حد كبير بالفكر اليساري كانت له انعكاساته على الأوضاع السياسية أيضا. فارتباط الديمقراطية والنموذج الديمقراطي مثلاً بالنموذج الغربي والأمريكي، أعطى فرصة ثمينه للنظم الديكتاتورية لمواجهة هذا النموذج باعتباره ظاهرة أوروبية وأمريكية. بعبارة أخرى، فإن أحد التناقضات الكبرى في الحياة الثقافية والسياسية العربية تكمن في أن الديمقراطية هي منتج للحضارة نفسها التي كنا في صدام معها. وكان ذلك أحد العوامل التي دفعت زعيما شعبويا مثل عبد الناصر إلى طلب الدعم الشيوعي، رغم أنه لم يكن يحب الشيوعية أبدا. فالسبب بسيط، وهو أن النموذج الاقتصادي والسياسي الذي مثلته الحركة الشيوعية والدولة السوفيتية كان بالضرورة مختلفاً عن بل ومتحديا للنموذج الذي اقترن في ذهن المثقفين والنخبة العربية بالاستعمار الأوروبي. غير أن تداخل هذه العوامل قاد في النهاية إلى تأثيرات سلبية، إذ ولسوء الحظ، فهي لم تضع العالم العربي في اتجاه حركة التاريخ الصحيحة.
هل يمكن للضغط الغربي أن يساعد على التحول الديمقراطي؟
كانت هناك دائما في المجتمعات العربية قوى ضاغطة لأجل الديمقراطية في مواجهة النظم اللاديمقراطية والتسلطية. فلنعد إلى النموذج المصري. شاب التجربة الديمقراطية قبل الثورة الكثير من العيوب بحيث لم تستطع أن تواجه الشعبوية والديماغوجية. غير أن الإخفاق الذي منيت به التجربة المصرية في 1967 وفر درساً هاما للغاية بخصوص القصور الديمقراطي، وإن كان هذا على مستوى النخبة وليس الجماهير. وثمة على أية حال ملحوظة هامة. فكلما كانت تحدث نكسة كبيرة في المنطقة العربية كان المثقفون والنخبة العربية يشيرون إلى غياب الديمقراطية. حصلت هذه المراجعة بعد 1948، وقد أشارت أعمال قسطنطين زريق من بين أعمال عديدة، إلى انعدام الحرية كأحد أسباب الكارثة. إنما وللأسف، فما أن نتعلم حتى ننسى، وقد انعدمت الحرية والديمقراطية بعد ذلك. ولما وقعت النكسة أيام عبد الناصر، عاد الحديث عن فقدان الديمقراطية وفقدان الحرية. وفي المرحلة التالية حدثت نكسة أيضا، لكنها لم تقع بضربة قاضية مثلما تم في 1967، بل حصلت بالتراكم. فنحن اليوم في انتكاسة لا تقل عن 1967 ومرة أخرى نكتشف أن السبب الأساسي هو غياب الديمقراطية.
ولما كان التحول الديمقراطي مطلبا يعقب دائما وقوع النكسات أو الهزائم، يحدث الآن بعد حربي الخليج ضغط من أجل الديمقراطية. وفى واقع الأمر، لم يحدث أن الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا أو العالم الخارجي بشكل عام أيد، منذ الخمسينات حتى بداية التسعينات، أي توجه ديمقراطي حقيقي داخل المنطقة العربية، ذلك أن مصالحهم لم تكن تلائم هذا التوجه. المصالح الأمريكية هي الحفاظ على البترول وعلى إسرائيل وعلى مقاومة الشيوعية، وواشنطن لم تكن تريد نظماً ديمقراطية، بل نظماً قوية. وطالما توافرت تلك النظم لم يكن لديها مشكلة. لم تتجاوز علاقة الأمريكان بإرساء الديمقراطية لدينا الكلام الإعلاني والدعاوي الفج وكان مجرد شعارات عن الحرية والديمقراطية. لم يتحول ذلك أبدا إلى ضغط من أجل الديمقراطية في البلاد. وبالتالي فالحركة من أجل الديمقراطية ظلت طوال الفترة التالية على 1967 في مصر مثلا، حركة نخبوية. لم تكن حركة شعبية، وفي نفس الوقت لم تصادف أي نوع من الدعم الخارجي.
متى جاءت نقطة التحول؟ حصلت هذه لأسباب لا علاقة لها بالديمقراطية. فهي عائدة لسقوط الإتحاد السوفيتي مع أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، ثم لبدء تنبه الأمريكان لخطر الأصولية الإسلامية مع ظهور أفكار صراع الحضارات في بداية 1993 و1994، وقد تحول هذا الأمر إلى مشكلة حقيقية مع 11 سبتمبر 2001 حيث اكتشف الأمريكان أن القضية الديمقراطية في البلاد العربية تفسر الكثير من المشاكل القائمة. توفر لأول مرة، ابتداء من سنة 2001، عنصر ضغط خارجي من أجل الديمقراطية، وحدث ذلك فى مصر بعد 50 سنة من الافتقار لهذا العنصر. تزامن هذا الحدث مع تكلس النظام وتدهور أدائه باستمرار وتعاظم الضغط من أجل الإصلاح والتغيير. لا شك في أن الاستجابة التي حدثت من جانب الأنظمة، والنظام المصري على سبيل المثال، كانت بالدرجة الأولى بفعل الضغط الخارجي. وهكذا يصبح السؤال: ما هو الضغط الذي يمكن أن يؤثر؟ نحن نحتاج للدعم الخارجي لسبب بسيط هو أن النظم القائمة قمعية جدا، وهي من جهة أخرى امتلكت درجة من الحنكة في التعامل مع الشعوب تجعلها ماهرة في ضبطها.
أن الأوضاع السياسية تبدو غريبة، فهناك تدهور شديد في الأداء العام للدولة وقصور واضح في الخدمات الأساسية، كالتعليم والإسكان والصحة، وهناك انتشار للبطالة. ومع ذلك فهناك نوع من التبلد العام. وفي الحقيقة يمكن تفسير هذه الحالة باستخدام نظريات الثورة، وأكثرها شيوعا هي الحرمان النسبي (deprivation relative) التي تقول أن الثورة تقوم عندما يكون هناك حالة نسبية من الحرمان، وليس حرماناً مطلقاً. يعاني الشاب المصري اليوم من حرمان مطلق، فكل الإحصاءات تشير إلى أن نسبة عالية من الناس تعيش في حالة فقر شديد جدا وأنها منهكة من مطالب الحياة اليومية. هناك مثلاً عدة ملايين من المصريين يعيشون تحت خط الفقر ومثلهم يعانون من أمراض مزمنة، كالفشل الكلوي بسبب سوء نوعية المياه، وحوالى سبعة ملايين إنسان يعيشون في المقابر. كل هذا يمثل مؤشراً على أن النسبة الغالبة من الشعب المصري في وضع يجعلها عاجزة عن فعل أي شيء. فحتى يتمكن أي مواطن من التمرد والاعتراض، ينبغي أن يتمتع بالحد الأدنى من المواصفات الاجتماعية واللياقة البدنية التى تمكنه من الحركة والتظاهر وليس في حال كامل من الضعف والهزال. هناك عنصر ثان يتعلق بالثقافة السياسية عند المصريين، فهم لا يتحركون بسهولة. ومع ذلك فإن هؤلاء المصريين أنفسهم خرجوا في مظاهرات حاشدة في 1967. لن أنسى عندما خرجت مع طلبة جامعة القاهرة في واحدة من مظاهرات 1967 تلك، وكانت ممتدة من جامعة القاهرة إلى مجلس الأمة، كنا حوالي نصف مليون إنسان في الشارع. وعاد فحدث ذلك في أحداث 18-19 يناير 1977 أيام السادات. كانت مصر في حالة انتعاش نسبية، وهذا مؤشر على ما أقوله لأن الحالة المادية للمواطن المصري العادى كانت أفضل مما هي عليه الآن. كيف يمكن لمن يعمل ثمانية عشر ساعة في اليوم ليوفر مجرد الطعام لأبنائه أن يخرج في تظاهرة، وأن يجد الوقت ليتبادل الرأي مع أصدقائه. الأوضاع الداخلية إذا ليست أفضل الأوضاع الملائمة لما يسمى الانفجار الثوري، ونحن لسنا في موقف ثوري. هناك حالة من الإحباط، وهناك انفصال بين إرادة النخبة التي تدعو إلى التغيير وحالة من السكون واللامبالاه لدى الناس.
للضغط الخارجي في هذه الحالة قيمة مضاعفة. ويفسر أثر هذا الضغط و يبرره في آن حقيقة أن النخبة الحاكمة تخدم العالم الخارجي وهي منصاعة له. لديها شعور بأنها تستمد شرعيتها من رضا الخارج عنها، ويصبح بالتالي لأي إشارات أو أوامر أو ضغوط فعالية مؤكدة. وهنا يصبح السؤال عما بإمكان الخارج القيام به. يمكنه أولاً الضغط على النظم المستبدة، وثانيا تشجيع حركة المقاومة معنويا وسياسيا. إن الدعم المادى والمعنوى الأمريكى الهائل لمصر منذ سنة 1974 وحتى اليوم هو الذى أسهم، أكثر من أي شيء آخر، في بقاء النظام قوياً، ولو انقطع ذلك الدعم لحصلت كارثة. الإدارة الأمريكية أسهمت في إبقاء النظام سواء اعترفت بذلك أو لم تعترف به. السؤال هو عن إمكان وطبيعة المساهمة وهل هي تدخل عسكري أو دعم أو موافقة. لا أدعو بالتأكيد إلى تدخل عسكري، بل إلى دعم بالمعنى المعنوي والسياسي، أي أن يكون هناك دوماً إعلان موقف واضح ضد الممارسات اللاديمقراطية. تبني موقف واضح يشجع حركات المجتمع المطالبة بالديمقراطية، أي ان مجرد ممارسة الضغط، على السلطات سيؤتي ثماره بحكم النفوذ الذي يملكه لديها الخارج.
مسألة الترابط الشرطي
معلوم ان هناك نقاشا في الغرب حول موضوع الترابط الاشتراطي، وهل يمتلك القدرة على التأثير، وهل مفعوله سلبي أو إيجابي، وهل يستنفد طاقات المجتمع قبل النظام. والحقيقة أن تعقد النظم، وقدرتها على المناورة أكبر مما يتصور بكثير، فهى نفسها أول من يعتمد على أمريكا وأول من يحرض ضد أمريكا. والمدهش في الموضوع أن العقلية الأمريكية والأوروبية عقلية غير مركبة، تتعامل مع المسائل بمنطق بسيط، وهي بالتالي لا تفهم التعقيد والحيل الموجودة في العالم العربي والشرق. إنه الشرق! عالم يحتوي على علاقات وتعقيدات يصعب على الغربيين إدراكها. والذي يحصل في العراق يدل على ذلك، ويوقعهم في الذهول. فخبرتهم لم تؤهلهم لتصور التعقيدات الموجودة في العراق وهي نفسها موجودة في المنطقة كلها. هناك ما يمكن اعتباره عوامل "ثقافية"، سلبية كالمراوغة وازدواج السلوك الشائع في مجتمعاتنا. لقد أسهم الغربيون في ذلك إلى حد كبير، فهم حافظوا على هذه النظم ودعموها. فالوضع المحافظ المتخلف القائم في بلاد البترول ليس بحال مقطوع الصلة عن دعمهم لهذه الاتجاهات. فهم يريدون أخذ البترول وان تسكت المجتمعات عن ذلك، فعملوا بالتالي على حجز نموها الطبيعي. فتحت دعاوى احترام الخصوصية الحضارية، يتعايش في السعودية الآن المباني الهائلة والمنشآت الحديثة والنساء المنقبات المقهورات. وبعبارة أخرى، إذا تصورنا السعودية من غير بترول لكان باب مجتمع قد انفتح ولنزعت المرأة نقابها.المشكلة أن الثروة النفطية حافظت على هذا المجتمع وجمدته بهذا الشكل، وأصبح بالتالي مجتمعا مشوها بكل معنى الكلمة، وهو أمر لا ينفصل اطلاقاً عن أثر العنصر الخارجي. قبل أن ينزلق جورج بوش في مستنقع العراق أحدث تصريح قيل في البيت الأبيض، يرفض ضرب المتظاهرات المصريات أمام نقابة الصحفيين ويدينه، أثرا معنويا كبيرا لدى الناس. فأكثرهم عداء لأمريكا أي اليساريين والناصريين، كانوا سعداء به.
وجود الديمقراطية هو ما يضبط القوى الإسلامية
أعترف بخطأ كبير ارتكبته، ذلك انه كان لدي دائما إحساس بأن الأمريكان يقدرون المسائل ويفهمونها جيداً، وهذا طبعا ليس صحيحاً دائما، بل أكثر من ذلك، فهم أحياناً يفهمون المسائل بشكل سطحي جدا ومبسط ويرتكبون أخطاء قاتلة. فعلى سبيل المثال حجتهم الأساسية، هي الإسلام السياسي والخوف من الإخوان المسلمين. لقد سبق أن تحدثت مع مادلين اولبرايت وكذلك ريتشارد هاس. كلاهما عبر عن وجهة نظر تقبل الديمقراطية التي يمكن أن تحتمل المخاطرة باستلام الإسلاميين للسلطة وإن لمدة قصيرة غير أن ذلك لا يعكس وجهة نظر غالبية الباحثين والكتاب الأمريكيين الذين لديهم رعب اسمه الإسلاميين. شخصياً، أنا ليبرالي، وأكره أي نوع من تداخل الدين في السياسة، ولكننى أوقن أن القضية الآن ليست مسألة إسلاميين وغير إسلاميين، القضية هي ديمقراطية أو لا ديمقراطية. أكثر ما سيضع حدوداً للإسلاميين هو أن يظهروا للعلن وأن يعلنوا أفكارهم كلها. فأحدى بديهيات السياسة في هذه المنطقة هو أن ازدهار القوى الإسلامية هو نتيجة مباشرة للحكم الديكتاتوري وغياب الديمقراطية. كما أن النتائج المعاكسة للنزوع الديمقراطي التي يمكن أن تسفر عنها الانتخابات الحرة ليست قائمة إلا على المدى القصير. ولكن أغلب الأمريكان لا يعتقدون ذلك وهذه هي النقطة المذهلة والمحزنة في تفكيرهم. فلو قام في مصر نظام ديمقراطي حقيقي فلا يمكن للإسلاميين أن يحصلوا على أكثر من 30 % في أقصى الحالات. ففي الانتخابات الأخيرة حصل الإسلاميون على 88 مقعدا وهو تقريبا 80% أو 90% من أقصى قوتهم. فكل من يؤيد الإسلاميين صوت في هذه الانتخابات بينما 70% من المصريين لم يشاركوا فيها. وبعملية حسابية سريعة يمكن القول أن 90 % من هؤلاء الأخيرين لا علاقة له بالإسلاميين. يوجد تضخيم ومبالغة في الخوف من الإسلاميين. ثم أنه لا شيء يشير الى فكرة اقتصار التزام الإسلاميين على مرحلة واحدة من الديمقراطية، هي المرحلة التى توصلهم للحكم! في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة، تراوحت المواقف بين من يقول انه من الخطأ مقاطعة الإسلاميين، ومن يقول انه من الخطأ قبول دخولهم العملية الانتخابية إذا ما اعتبر إطار أوسلو ملزما لكل القوى السياسية التي سوف تشارك فيها وشرطا مسبقا لها، أي انه عندها، كان ينبغي منعهم من الأصل. وعلى أية حال فقد صوت الناس لحماس كرهاً بفساد فتح. كما ظهر الضعف السياسي للنخبة الفلسطينية التي لم تتمكن من كشف الازدواجية الفجة لحماس، فكيف يدخل احدهم الانتخابات تحت الإشراف الإسرائيلي، وبتوجيه وترتيب من القيادة الإسرائيلية، وفي إطار أوسلو، ولا يعترف بإسرائيل؟ ثم أن مجمل النقاش حول الاعتراف أو عدمه سخيف، وكان ينبغي تجنبه وترك حماس تواجه عواقب موقفها. أما بيانات الإتحاد الأوروبي التي تقول أنهم –أى ممثلى حماس- وصلوا الى المجلس على أساس مفاعيل اتفاق أوسلو وعليهم بالتالي الالتزام بالاتفاق، فهي غير واضحة للمواطنين الفلسطينيين.
وفي مصر أيضاً، فجزء أساسي من نجاح الإسلاميين لا يعود إلى تقبل الشعب لهم بقدر ما يعود إلى فساد القوى الأخرى. وعلى سبيل المثال، ووفقا لما نسب إلى أحد قادة الإخوان، فإن عدد الأفراد المنتمين للإخوان المسلمين رسميا في إحدى محافظات الدلتا هو 400 شخص، بينما نالوا هناك 40 الف صوت! أن اكبر رصيد للإسلاميين هو النظام الديكتاتوري وفساد نظم الحكم، وعندما يحدث انفتاح حقيقي في المجتمع، تتغير المسألة بالكامل. هنا يبرز انطباع ثان شائع، هو التخوف من أن يصل الإسلاميون إلى السلطة فيغيروا الدستور، والجواب عليه هو أن النظام الديمقراطي يضع الكيفية التي توفر له حماية نفسه، بشكل لا يستطيع معه أحد أن يغير الدستور. أما الآراء المتداولة اليوم في الغرب والتي تدعو الى الدخول في حوار مع الإسلاميين للحصول على ضمانة منهم على التزامهم بالمبادئ الديمقراطية فهي في غير محلها، وما ينبغي القيام به مباشرة هو تدعيم العملية الديمقراطية ككل. أما الحوار مع الإسلاميين فهذا شأن داخلي. القضية الآن هي بناء نظام ديمقراطي حقيقي، تلك هي الأولوية، والإطار الديمقراطي هو الذي سيضبط الإسلاميين بشكل تلقائي. فإذا حصل بعد ذلك نوع من الحوار يجب أن يكون حوارا مع الجميع، مع الإسلاميين والناصريين والاشتراكيين والليبراليين.
التدريب على الديمقراطية؟
تميل بعض المنظمات الغربية للقيام بأنشطة تستهدف تقوية الأحزاب وتدريبها. وهذه بنظري مسألة ثانوية جدا، فالحاجة هي للدعم السياسي في هذه المرحلة، وأن تفكر أي الحكومة ألف مرة قبل أن تقمع الجماهير وتضربهم في الشارع، وقبل أن تحظر أي اجتماع، وحتى لا تستمر في التصريح لأي حزب تافه بينما ترفض أي حزب حقيقي حتى لو استوفى كل المتطلبات القانونية، وقدم بشكل صحيح الوثائق والبرامج وأسماء المؤسسين ... في هذه الحالات، يفترض أن تقوم المنظمات الدولية المعنية بفضح ما يحدث، وكشف دلالته على غياب الديمقراطية. يكفي توفر تضامن من هذا القبيل وليس أكثر. لا نتكلم عن "دعم" ليفهم منه أننا ندعوهم إلى التدخل العسكري، ولسنا بحاجة إلى دعم مالي. نحن بحاجة إلى دعم سياسي. أن نشعر انه يوجد في الخارج - ليس فقط في أمريكا وأوروبا وإنما فى العالم كله- منظمات دولية، منظمات حقوقية تقف إلى جانبنا. وهذا لا يمنح الناس نوعا من الدعم المعنوي فحسب، وإنما يجعل الحكومة تفكر أكثر من مرة قبل أن تقدم على أفعالها. يجب أن يقدم الدعم السياسي والمعنوى لأي حزب مهما كان توجهه طالما كان شرعيا وملتزما بالديمقراطية، فالمهم أن يصبح موضوع الإصلاح الديمقراطي واضحا في الأذهان كقضية مبدئية. غير أن السلوك الأمريكى كان مختلفا عن ذلك تماماً. فبمقابل موقفهم الأحمق من حماس، هم يتبعون مواقف انتهازية مشينة كموقفهم من نظام القذافي والذي قمع الحريات الديمقراطية وأهان الشعب الليبي، ولما أصبح صديقهم راحوا يتعاملون معه، بدون أى أشارة لاستبداده ولا أى التفات للمعارضة الليبية. إن ما يخيف النخبة المصرية والنخبة العربية بشكل عام، هو الانتهازية السياسية المفرطة في السياسية الأمريكية. ومن الواضح أن المشاكل التي يواجهونها في العراق وأفغانستان تؤثر على مقارباتهم. وهناك أيضا على ما اعتقد قصور في فهم الأولويات. فلو بذل جهد أكثر جدية لدعم التطور الديمقراطي فى مصر، بمقدار واحد من ألف من الجهد الأمريكي الذي بذل فى العراق، لكان سيحصل تأثير ايجابي على المنطقة العربية كلها. واقصد الدعم المعنوي أساسا وليس التدخل العسكري او الدعم المالي. والمدهش أن هناك سوء أداء لا يتلاءم مع الصورة النمطية عن الإتقان والكفاءة التي نخص بها الأمريكيين. فمحنتهم في العراق دليل على سوء تدبير وأنهم لم يفهموا شيئا. ثم انه ليس لديهم أي وضوح في الأولويات. فإذا كانت القضية في السياسة الأمريكية هي نشر الديمقراطية في العالم العربي، فأبسط سؤال يطرح هو من أين تبدأ؟ هل تبدأ بأكثر الحالات صعوبة وضراوة؟ العراق بحكم الطبيعة، مجتمع صعب المراس، وكذلك الشخصية القومية العراقية، والانقسامات الحادة بين مكوناته كالشيعة والسنة والأكراد، تجعل من العراق أصعب النماذج للتطبيق الديمقراطي. أما بلد كمصر فكان يمكن توفير الديمقراطية فيه بنوع من الضغط والاقناع السياسي المدروس، وبدون غزو عسكري، ولكان لذلك تأثير إيجابي على المنطقة كلها. إنما ليس هناك حتى تفكير، ولا يوجد في هذه الحالة ما يمكن تعلمه من مراكز الأبحاث الأمريكية. لقد كانت مصر طوال تاريخها منارة لما حولها. ومع ذلك، فالأمريكان هم الآن أسرى صيغة تافهة تدور حول المخاوف من الإخوان والإسلاميين. وباختصار، لا يمكن التقليل من أهمية الدعم الخارجى، والعلاقة التفاعلية مع الخارج سمة أساسية للمنطقة وليست شيئا جديدا، فالخارج موجود في حياتنا. ومن جهة أخرى، هل يستطيع الأمريكان أن يستغنوا عن البترول? إن مصالحهم منغرسة في صلب هذه البلاد، وهذا يعني أن حضورهم السياسى –الحتمى- يجب أن يكون بناءً ومنسجما من آمال شعوبها.
الفارق بين أوروبا وأمريكا
تملك أمريكا القدرة على الضغط الحقيقي (العسكري، المعونات الاقتصادية ... الخ) في المنطقة. غير أن وقوف أوروبا وأمريكا معا لدعم قضية الديمقراطية السياسية، سيكون له تأثير هائل. فهل يعقل مثلا أن يتحرك البيت الأبيض الأمريكي لما تعرضت النساء للضرب أمام نقابة الصحفيين فى القاهرة وتبقى فرنسا، بلد الحرية والديمقراطية ساكتة تماما؟ أو مكتفية بتصريح للمتحدث باسم الخارجية الفرنسية؟ المطلوب الدعم المعنوي والسياسي من الحكومات والأحزاب السياسية والمنظمات الأهلية ومنظمات حقوق الإنسان. عليهم أن يعتقدوا أن نشر الديمقراطية في هذه البلاد ودعم القوى الديمقراطية قضية تستحق دعمهم. أما المساعدات المادية التي يقدمونها لبعض المؤسسات في المجتمع المدني فتبقى مسألة هامشية، قد يفيد بعضها ولكنها غير ذات بال. يقول الأمريكيون أنهم ينوون تمويل منظمات المجتمع المدني العربية وأنهم رصدوا لهذه الغاية 50 مليون دولار في أطار مؤسسة المستقبل (Foundation for the Future). أما الأوروبيون فيدرسون إنشاء المؤسسة من أجل الديمقراطية(Foundation for Democracy) كي يدعموا المجتمع المدني والأحزاب. ولكننا نذكر جميعا قصة المليون دولار بعد حرب الخليج التي أعلن أنها ستوزع على عدة منظمات في مصر فقامت الدنيا ولم تقعد لذا، ورغم الحاجة المالية لمنظمات المجتمع المدني في بلادنا ومنها الأحزاب، التي تعتمد على تبرعات أعضائها ومناصريها، واغلبهم من غير الميسورين بل من الفقراء، ألا أنه لا يمكن لهذه المنظمات والأحزاب التضحية بسمعتها من أجل الحصول على دعم مالي، رغم أنها قد تكون بأمس الحاجة إليه. وعلى أية حال، فالديمقراطية لا تنشأ بالمال، والدعم المالي يبقى ثانويا. ما يقيم الديمقراطية هو الدعم السياسي الذي يكبح جماح الدولة. مصر في حالة سيئة الآن، وليس من مصلحة الأمريكان ولا الأوروبيين أن تتدهور الأمور إلى هذا الحد. والخلاصة، أننى أشدد على أهمية التركيز على دعم أكثر جدية للتطور الديمقراطي فى مصر من خلال الأساليب السياسية والمعنوية.
يقال كثيرا أن أولويات الغرب عادت مرة ثانية لتصبح متعلقة بالاستقرار والأمن ودعم الحكومات، وتحديدا الحكومات القوية، وأن اهتمام الغرب بالديمقراطية قد تناقص. أن سلوك الغرب هذا سينعكس ضده على المدى الإستراتيجي، لأن القوى الديمقراطية التي ستجابه صعوبات أكبر ومعاناة شديدة لن تكن للغرب أي عرفان جميل وأي ود، ولن تشعر بالانتماء لقيمه. ويعني ذلك أن مصالحهم ستتأثر، وأن نبرة العداء للغرب وللخارج ستصبح أكثر قوة. وإذا ما ساد ذلك في ظل أنظمة ديمقراطية تكون فيها الحركات المدنية قوية، فذلك اخطر بكثير من العداء الحالي. إن كل المؤشرات وكل الحسابات العقلانية لا بد أن تدفعهم إلى دعم الحركة الديمقراطية في العالم العربي وفي العالم الإسلامي.
يجب أن يفهم الغربيون أنهم يتعاملون في هذه المرحلة مع حركات معارضة سلمية، وهي لو قمعت من جديد، فلا شيء يضمن أن الموجة الآتية سوف تبقى ملتزمة فعلا بتلك الطرق السلمية. ستدخل راديكالية جديدة إلى الساحة، وسيكون الصدام اعنف بكثير. لذا فاللحظة الآن مؤاتية جدا للفعل، وهذا الواقع ليس مقصورا على مصر فحسب، بل هو موجود في سوريا، العراق، لبنان، تونس، السودان .. إنه مناخ عام. وبحسب معرفتي بالمنطقة، فلو حدثت صحوة ديمقراطية حقيقية في مصر فستؤثر بشكل سريع جدا على الآخرين، وعلى المنطقة كلها, ولذا فاننى أشدد على أهمية دعم التطور الديمقراطى فى مصر. أما الاستمرار في دعم الأنظمة والنظرة الانتهازية السياسية والمصلحية والتردد فهى تحمل المرء على الشعور بأن الغربيين غير جادين.
سرعة الانتقال إلى التحول الديمقراطي، ودور الاعلام
يمكن لمصر أن تتحول تحولا ديمقراطيا كاملا في خلال سنتين. مصر مهيأة، فالشخصية المصرية ليست ميالة للعنف ومستعدة دوما للحلول الوسط، وقابلة للتكيف بسهولة مع الأفكار الجديدة، ولدى المصريين تراث ديمقراطي يعتد به، والممارسة هي ما يؤسس لذلك، وإلا فكيف تأتى للهنود أن يكون لديهم ثقافية ديمقراطية? هناك شاهدت أناسا يعيشون في فقر مدقع ولكنهم يعرفون ما هو التصويت، ويحترمونه. في الانتخابات التشريعية الأخيرة في مصر كان الناس في أقصى الريف مصممين على التصويت. ليست الحالة بهذا الموات الظاهر، وإنما وبالعكس فالناس يرغبون بتحقيق شيء.
ثم أن إدراك الديمقراطية حاليا يختلف عما كان عليه منذ 40 سنة. فمن خلال العولمة والأطباق اللاقطة والقنوات الفضائية أصبح لدى الناس فهم جيد جدا لهذه المسائل وهو ما يمكن الاستفادة منه. وهناك نقطة ثانية سأعطي كمثال عليها حالة قناة "الحرة". فهي قد حوربت في البداية إلا أنها أصبحت مشاهدة الآن ومؤثرة. حين خرج حديث عضو مجلس الشعب طلعت السادات على قناة الحرة أثار اهتمام الناس والكثير من الجدل. فكلما زاد الإعلام الحر كلما سهلت عملية التحول الديمقراطي. منذ ثلاث أو أربع سنوات، فكر البريطانيون بإنشاء قناة BBC عربية. فلماذا تأخروا? ولماذا لا يعمل الفرنسيون الشيء نفسه? الإعلام الحر هو العنصر الأهم والأكبر أثرا في الثقافة السياسية المصرية في خلال السنوات الأخيرة، لأنه أصبح من الصعب على الحكومة التحكم في الإعلام. هناك اليوم قنوات جديدة، دريم والمحور وأوربت والحرة فضلا عن الجزيرة والعربية .. وكفاني ان اظهر للجمهور من خلال برنامجين لألمس هذا بنفسي: حين اعترضت على المادة 76 من الدستور، المتعلقة بآليات انتخاب الرئيس، وحين استقلت. عرفتني مصر كلها من خلال برنامج واحد على قناة "دريم" في مقابلة لمدة 10 دقائق. الإعلام المرئي يساوي مائة خطبة سياسية وألف مقالة. هناك خصائص فريدة في الإنسان المصري الفقير، فهو قد لا يشتري سريراً أو مقعداً، ومن المؤكد انه لا يشتري ثلاجة ولا غاز، ويستخدم موقد الكيروسين، إنما لا بد له أن يشتري تلفزيون. لدى المصريين ولع بالإعلام. والمصري من بين الشعوب العربية ربما كان الأكثر تقديرا لقيمة الثقافة والإعلام. يوجد في الأرياف ظاهرة غريبة جدا ومن أكثر ما يدر ثراء اليوم، فأي شخص لديه بعض المال يشتري صحن لاقط وأجهزة استقبال ويوصلها بالكابل فيدفع الفلاح في الشهر 2 أو 3 جنيه ليشاهد كل شيء. ولأنه ليس في مصر حقوق ملكية، فيمكن لمن يشاء أن يقوم بهذه التوصيلات. وهذا له تأثير هائل وهو من بين الأمثلة على الأدوات البسيطة جدا والرخيصة نسبيا.
عندما ظهرت الحرة في البداية شكك فيها الناس وقاطعوها لارتباطها الوثيق بالأمريكيين. لكنهم راحوا هم أنفسهم بعد ذلك يشاهدونها لأنها تقدم شيئا جديدا. ومثلها قناة LBC اللبنانية. فحينما تقام قناة انجليزية قوية باللغة العربية، وأخرى فرنسية ثالثة ألمانية إلى جانب الحرة، فإن اثر ذلك يتجاوز الحكومات، ويؤثر على الثقافة الشعبية. هي مشاريع مكلفة بالنسبة لمعايير الاستثمار، أما بالنسبة للأهداف الإستراتيجية لأي دولة، فكلفتها ليست ذات بال. قناة الجزيرة التي كانت في البداية مشروعا للـ BBC ثم تخلت عنها الإذاعة البريطانية، تكتسب جماهيرية هائلة. يغلب على الجزيرة احيانا الطابع القومي أو الإسلامي الفج، إلا أنها تقدم خدمة إخبارية من الدرجة الأولى.
وخلاصة، فالسؤال هو كيف نساعد الناس أن تستمع وتشاهد وتفهم. كيف نفتح الأبواب لجعلها تتنفس هواء نظيفا. لا أموال ولا تدخل عسكري ولا سواه. عندما يبدأ الناس بالتفكير بطريقة صحيحة فسوف تسير الأمور في الاتجاه الصحيح.
أسامة الغزالي حرب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية