النظام يستنسخ ذاته: المهندس: غسّان النجّار
2007/07/11
أجيبوني – بربّكم – ما الّذي تغيّر في النظام نحو الأصلح ؟ ! لقد بحّت حناجرنا وانبرت أقلامنا ونحن نخاطب المسئولين : أصيخوا إلى نداء الشعب ، أصغوا إلى صوت العقل ، استمعوا إلى وهج الحكمة ، ارجعوا إلى نداء الضمير ، اصطلحوا مع الشعب ، وها نحن نعيد فنكرّر :
أيّتها (البروج العاجية) ؛ لماذا أنتم معرضون عن آهات المحرومين والمظلومين ؟! لماذا لا ترون بزاوية عيونكم المعدمين من الضعفاء والمساكين ؟! لماذا لا تسمعون أنّات ( الغلابى ) وآهات الأيتام والمشردين؟ أم أنّكم لا تنظرون سوى إلى ( الوزّات ) من أصحاب البلايين !! .
لماذا لاتتفقّدوا الأعشاش والأزقّة التي تسكنها تلك الفئات البائسين ؟! لقد كان عمر بن الخطاب يفعلها فيخرج ليلا ليتعرّف عن كثب أمور شعبه ، ولمّا تنصّت مرة من وراء جدار فسمع صوت طفل رضيع يبكي بحرارة ، قال لأمّه : لماذا لا تسكتين طفلك يا أختاه ؟ أجابت وهي لا تعرفه : أصلح الله أمير المؤمنين ، لقد فرض الخليفة للطفل المفطوم راتبا وأنا مضطرّة أن أفطمه كي أحصل على الراتب وليس عندي ما أطعمه ؛ أجهش عمر بن الخطاب بالبكاء وهو يقول : ويح عمر ! كم قتل من أبناء رعيته؟! ، ثمّ أصدر على الفور مرسوما تشريعيا يفرض راتبا لكل طفل منذ ولادته في الدولة الإسلامية ؛ هذا هو الشعور بالمسئولية فأين نحن منها ؟!.
إن مجلس الشعب يكرر في كل دورة ذاته والرئاسات الثلاث تستنسخ نفسها فلا تغيير ولا إصلاح.
أنا أعي أن النظام له قضيّة ومشاكل مع الخارج – والخارج ظالم – ولكن أليس العاقل من يحصّن ذاته بشعبه ويأخذ المصل الواقي من لقاحه والحصن معلوم واللقاح جاهز .
إن المعارضة الوطنية السلمية ما فتأت تطالب وتنصح ولكن كأنّي بكم لا تحبّون الناصحين وتتمسّكون بزخارف الدنيا وكأنكم لستم بميّتين والى القبور صائرين ، والعاقل من اتّعظ بغيره والكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني.
إن النظام لا ( يعبّر ) المعارضة ، فهو ينظر إليها بشزر أو استخفاف على الأكثر لأنّهم لا يرون فيها الخطر ! فمن هؤلاء ؟! لسان حال النظام يقول : أيّتها المعارضة نحن نستطيع أن نجمعكم في ساعة واحدة ، في شاحنة مغلقة ونقذفكم إلى صحراء تدمر المقفرة .
يا قومنا ؛ نحن ضمير هذه الأمّة المعبّر عن عزّتها وكرامتها ، عن حرّيتها واستقلالها ، عن صمودها أمام أعدائها ؛ نحن الثمانية عشر مليونا من ألأكثرية الصامتة ؛ عربها وكوردها ؛مسلميها ومسيحيها ؛ نحن الأكثرية من غير المنافقة ؛ من غير المطبّلة ؛ من غير المداهنة .
ثلاث قضايا ملحّة ، قرأتها على صفحات الانترنت أستعرضها بإيجاز ، متمنيا على النظام أن يعيرها اهتمامه ويدرسها بجديّة .
القضيّة الأولى : المذكّرة المرسلة إلى رئيس وأعضاء مجلس الشعب من قبل اللجنة السورية لحقوق الإنسان مع لفيف من المختصين والفقهاء الدستوريين ، والّتي تطلب فيها إلغاء القانون /49/ لعام 1980 والّذي يحكم بالإعدام على كل ذي فكر من جماعة الإخوان المسلمين .
هذا القانون يمثّل حالة شاذّة في الحياة القانونية السورية؛ ولقد انتفت كل معايير وجوده وذرائع مزعومة لصدوره وذلك بعد سبع وعشرين عاما من إقراره وتصديق رئيس الجمهورية له في 8/7/1980 أي بعد يوم واحد فقط على سن القانون من قبل مجلس الشعب .
نحن لانريد أن ننبش الماضي ولا أن نتكلّم عن التطبيقات المروعة لهذا القانون، ولا عن تطبيق القانون بأثر رجعي ( لقد طبّق منذ عام فقط على طفل من عائلة الحريري – لاأذكر اسمه الأول – وعمره خمسة عشر عاما بذريعة أنّ والده من جماعة الإخوان المسلمين ) .
إن جميع فئات المعارضة السورية ؛ يسارية ويمينية ، ليبرالية واشتراكية ، عربية وكوردية ، علمانية وإسلامية ؛ كلّها تجمع على إلغاء هذا القانون وعلى مجلس الشعب أن يثبت استقلاليته وجدارته وأن يثبت السيد رئيس الجمهورية حياده وعدم مسئوليته عن مآسي الماضي .
إن هذا القانون ما زال يثير الضغائن بين فئات الشعب ، فكلّما صدر حكم بموجبه كلّما سرت رعشة بين جنبات الشعب تصرخ بأعلى صوتها : أن اطووا صفحة الماضي الأليم ولاتثيروها أحقادا طائفية ، وانتقلوا إلى السلم الأهلي والمصالحة الوطنية ، كما أنّ رجالات الأمة والسادة الأعلام ، أمثال الدكتور إبراهيم السلقيني والدكتور فتحي الدريني والدكتور وهبه الزحيلي والدكتور سعيد رمضان البوطي والدكتور محمد حبش وغيرهم أجمعوا على ضرورة إلغاء هذا القانون فلم يعد هناك مبرر لوجوده ؛ فهل أنتم فاعلون ؟؟.
القضيّة الثانية : توزيع الأراضي في محافظة الحسكة على عشرات العائلات العربية دون الكوردية؛ هو إخلال بقيم المساواة بين المواطنين ورمز لخلق الفتنة والفرقة بين العرب والكورد .
انّ الأخوة الأكراد هم نسيج أصيل من المجتمع السوري ؛ فلماذا هذا التحامل ضدّهم ؟! ، أنّ الغالبية العظمى منهم تعبّر عن أصالتها ووطنيتها ، وإذا وجد القليل القليل منهم يتكلم بالانفصال والتجزئة فالسبب هو تراكمات العزل والقمع ضدّهم وطمس حقوقهم الإنسانية والوطنية والثقافية منذ عهد طويل، وكأننا نحن العرب لا نقبل أن نتصوّر أن يكون إلى جانبنا قومية أخرى، كما هو الحال قوميات عديدة في سويسرا مثلا جنبا إلى جنب يتمتّعون بكامل حقوق المواطنة، وفي بلادنا الأخوة النصارى إلى جانب الغالبية المسلمة يتمتّعون بشعائرهم وعقائدهم بكامل حرّيتهم دون تعصّب أو إقصاء وهو مدعاة فخر لنا ، نتفوّق به على كثير من الأمم وأخصّ به دولة فرنسة العلمانية ، دولة الثورة الفرنسية !!.
إن قومنا الأكراد ليسوا أقلية وهم القومية الثانية في المجتمع والوطن فهل يعقل وجود مايزيد عن مائة ألف مواطن سوري كوردي مطموسي الهوية ومليونين آخرين محرومي الثقافة والحقوق ، عجيب أن نرى قومية أخرى هم فعلا أقلية في المجتمع – لا أريد أن أسمّيهم – لهم روضاتهم ومدارسهم وجرائدهم المحلية ونواديهم وكنائسهم وجمعيّاتهم الخيرية ولغتهم الثقافية ، ونحن مع اكتساب هذه الحقوق ، ولكنّ الحقّ لا يتجزّأ ، فهؤلاء أيضا قومنا ومواطنونا لايتمتعون بجزء من هذه الحقوق !! فهل هو استعلاء قومي وديننا يكره هذه العصبية والرسول ( ص ) يتحدّث عنها قائلا : " دعوها فإنها منتنة " .
الكورد إخواننا في المواطنة والدين ، ومعظمهم يشكّلون طبقة فقيرة في المجتمع ، وتأتي الدولة لتزيد من سوء حالهم وفقرهم فتحرمهم من أبسط حقوقهم في توزيع مزارع الدولة عليهم ، وهم يعيشون إلى جوار هذه الأراضي والمزارع ينظرون إليها بنفوس محرومة وقلوب ظامئة .
هؤلاء قومنا وأخوتنا ( الكورد ) - كما يحلو لهم أن يسموا أنفسهم – يشكّلون عشرة بالمائة من مجتمعنا هم من أطيب الناس خلقا ونفسا ودماثة وكرما وضيافة وعزّة وإباء – كما خالطتهم عن قرب – يرتبطون معنا بأواصر الدين والتاريخ والأرض والعيش المشترك ، فلقد روت دماؤهم هذه الأرض الطاهرة وهم يدافعون عن استقلالها وحريّتها ودينها ، ونحن نطمح أن يخرج الله من أصلابهم " صلاح الدين الثاني " فنسير تحت لوائه لإنقاذ المسجد الأقصى .
القضيّة الثالثة : إلغاء المحاكم الاستثنائية – أمن الدولة تحديدا – ولقد قدّم الناشطون الحقوقيون وأخصّ منهم الأستاذ هيثم المالح والأستاذ مهنّد الحسني والأستاذة رزان زيتون وغيرهم مذكّرات بالطعن في دستوريّتها وطالبوا بإلغائها ، كما أنّ رئيسها يفترض أن يحال على التقاعد منذ أمد طويل ، نحن نكرر مع القائلين بضرورة إنهاء وجودها كيما نعيد للقضاء السوري مكانته وسمعته .
إن من أولويات إصلاح النظام ؛ إصلاح المؤسسات القضائية ، ونحن نسمع من الجرائد الاليكترونية ومنظمات حقوق الإنسان إحالة المئات – بل الألوف – من الشباب على خلفية دينية أمام محكمة أمن الدولة العسكرية وهذا أمر خطير جدا في التمييز بين المواطنين في درجة ونوعية التقاضي ، ولقد خصص سجن ( صيدنايا ) العسكري لهذه الفئات حصرا .
هذه مسائل ثلاث معلّقة – تحتاج إلى معالجة - ، لا أريد من إثارتها سوى وجه الله وخدمة الأمة ، فلا تعرضوا عنها عن تعمّد وإصرار فينطبق عليكم قول الله عز وجل " بل اتّبع الّذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضلّ الله وما لهم من ناصرين " الروم 29 ، واعلموا أيّها المسئولون أنّكم موقوفون بين يدي الله عز وجل ، يوم لاينفع مال ولا عشيرة ولا سلطان فيقال لكم : " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ، إنا كنّا نستنسخ ماكنتم تعملون "الجاثية29 كما يقال لكم : " وقفوهم انّهم مسئولون ، مالكم لاتناصرون بل هم اليوم مستسلمون " الصافات24-26 صدق الله العظيم .
انّ السيد رئيس الجمهورية هو لكل شرائح الشعب لا لفئة دون فئة ولا طائفة دون أخرى ولا لحزب دون أغلبية الأمّة ، وانّا لنرجو أن ينحو السيد الرئيس منحى الحيادية والأبوة فيحل هذه المسائل الثلاثة العالقة – آنفة الذكر – بالإضافة إلى إصدار عفو عام عن سجناء الرأي وعودة المهجّرين ، مع بداية الولاية الدستورية الجديدة فيكون بذلك قد ارتقى درجة في سلّم الإصلاح السياسي وسيتبعها درجات إنشاء الله ، والله غالب على ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
ما أريد الاّ الإصلاح - ما استطعت – وما توفيقي الاّ بالله عليه توكّلت واليه أنيب .
المهندس : غسّان النجّار نقابي – إسلامي
Ghassan-najjar@maktoob.com
"الرأي / خاص"
-------------------------------------------------
جماعات الارهاب تغتال التضامن العالمي مع شعوب البلدان العربية
نبيل يعقوب
قبل الحادي من سبتمبر، قبل جرائم الارهاب في مدريد ولندن ومصرع فان
جوخ في امستردام والذي ذبحه قاتله بعد ان رماه بطلقات قاتلة من مسدسه، قبل هذا كانت حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني تحقق تقدما وكان تأثير الدعايات الاسرائيلية في انحسار وكانت اوروبا مشغولة باعمال مواثيق حقوق الانسان احتراما لحقوق المهاجرين. كانت الاحزاب وحركات المجتمع المدني والبرلمانات والحكومات والاعلام في نقاش وصراع شبه يومي حول موضوع الاندماج وقضية المواطنة. وحقق المنادون بمساواة المهاجرين في الحقوق تقدما وسقط اليمينيون المتطرفون العنصريون في شبه عزلة، واضطر المحافظون لاتخاذ مواقف دفاعية حتى لا تلصق بهم تهمة العنصرية او القومجية. هولندا والسويد والنرويج كانوا في المقدمة، ووصل الامر للاعتراف بحق الانتخاب للاجانب ووصل البعض منهم الي عضوية البرلمانات. وفي المانيا اكبر دول غرب اوروبا بدأت منذ سنة 1998 عملية التخلي التدريجي عن سياستها المحافظة التي ولعشرات السنين تهربت من الاعتراف بواقع المتغيرات السكانية الاثنية والثقافية والتي تفرض انطلاقا من المواثيق الدولية ومن دستورها ذاته الاعنراف بالحقوق الثقافية والسياسية لملايين المهاجرين. وبدا ان مسيرة المجتمع متعدد الثقافات حيث تسود الحرية الثقافية، اي حق الانسان من اي بلد جاء في اختيار طريقة حياته، دينه وثقافته ولغته وعمله واتجاهه السياسي وهواياته بدأت تجتاز عقبات الايديولوجية القومية التي تعتبر المواطنة محصورة في رابطة الدم العرقية، وتخشى المهاجرين كخطر على ثقافة وامن الامة. مع الحادي عشر من سبتمبر ومع سيل دماء المدنيين مختلفي الجنسيات في بقاع مختلفة من العالم تلقت عقول المئات من ملايين مشاهدي التليفزيون وقراء الصحافة "نبوءة" صمويل هنتجتون عن صراع الحضارات كحقيقة ثابتة لا شك فيها. واصبح سهلا على الصحافة الرخيصة رسم صورة للاسلام ككائن من العصور البائدة على كل انسان ان يخشاه. هذا هو الانجاز الرئيسي للجماعات التي اختطفت الاسلام والتي اهدت لايديولوجيي العنصرية والامبريالية اهم نجاح حققوه بعد ما يسمى نهاية الحرب الباردة. حقائق لا بد ان نعرفهابعد نهاية العالم ذو القطبين واستفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم فقدت الشعوب المناضلة من اجل حريتها وسيادتها واللتان تعنيان حرية اختيار طرق تطورها واحتلالها مكانة متكافئة في العالم حليفا ساعد شعوب العالم الثالث على الانعتاق من نير الاستعمار وعلى بناء الاسس الاقتصادية للتحرر. ولكن سيطرة الامبريالية لم تصبح مطلقة اذ ان ضمير شعوب العالم كان قبل نشوء الاشتراكية وبعد هزيمتها قوة ذات شأن في كل قضية تقتنع بعدالتها الشعوب. ومظاهرات ملايين البشر في انحاء العالم ضد حرب العراق بالرغم من طوفان الدعاية السامة لتبرير الحرب جاءت دليلا على قدرة الشعوب على مقاومة التضليل، وعلى انتصارها لمبدأ السلام وحق الشعوب في تقرير مصيرها. ان اكتساب عقول وقلوب الشعوب هو اهم سند لنا في المعركة ضد العولمة المتوحشة، ضد العدوانية الامبريالية ومخططات الهيمنة، من اجل التحرر الوطني، من اجل تحرير العراق وفلسطين من الاحتلال..باسم الدين تدمر الحركات الظلامية التضامن العالمي مع كل عملية ارهابية يفقد العرب ملايين المتعاطفين مع قضاياهم في العالم. مع كل عملية ارهابية يتغير وضع ملايين المهاجرين المسلمين والعرب الي الاسوأ. مع كل تهديد ارهابي، مع كل أذى يصيب مواطنين من عالم الغرب يفقد العالم الثالث ملايين الاصوات المناصرة له في عالم الغرب. مع كل من هذه الاحداث تفقد الحركات المتضامنة مع العالم الثالث وبخاصة للشعب الفلسطيني انصارا. كيف يفهم المواطن المناصر للعرب في بلد من بلدان الغرب الاقتتال اللفلسطيني الفلسطيني، اختطاف ألان جونستون على يد عصابة تتخذ اسم "جيش الاسلام"، استيلاء حماس على غزة، الاقتتال الشيعي السني في العراق .. مع كل اعتداء على حقوق مواطنين في بلادنا كأن يعتدى على كنائسهم او تقيد حرياتهم او يهانوا او يجبروا على ما لا يريدونه نفقد انصارا لقضيتنا. مع كل خبر يذاع عن اضطهاد المرأة في بلادنا يبتعد عنا انصار لنا في عالم الغربوالرد المباشر يلمسه ملايين العرب والمسلمين في اوروبا وامريكا. مزيد من العزلة، مزيد من القوانين الامنية الجديدة في امريكا وهولندا والمانيا وفرنسا وغيرها. هذا هو جدل السياسة في عالمنا المعاصر: لكي نكسب معركة التحرر والديمقراطية والتقدم نحتاج للوحدة بيننا وللتضامن العالمي. ولكي نستحق تضامن الشعوب المناصرة للحرية والديمقراطية يجب ان نستعيد لحركة التحرر الوطني وجهها التحرري والتقدمي والديمقراطي
-----------------------------------------------
ليلة القبض على سوريا
محمد عبد المجيد
عندما أزمع الكتابةَ عن سوريا وقضاياها وهمومها ومشاكلها وأحزانها وأفراحِها تقف اللغةُ مترددةً قبل أن تسعفني بمفرداتها، وكلما أمدّتني ضادُنا الجميلة بألفاظ أخشى على قلب العروبة النابض منها، ينتقل الترددُ من اللغةِ إلى أصابعي، فما كرهتُ شيئاً مثلما كرهت قطعَ شعرةِ معاوية مع دمشق.
شرحتُ كثيراً في السنوات العشر الماضية قصةَ حبي لسوريا التي بدأت عام الوحدة بين الاقليمين الشمالي والجنوبي وظلت دمشق في قلبي لا تبرحه فهي جزء من دعاء الشرق، وجبهة الصمود، وآخر المقاومين المحترَمين!
لكن الواقع يُكَذّب تلك الصورةَ الورديةَ في ذهني، ويُخرْجني من عالم الحُلم إلى عالَم الواقع المرير.
تهكمتُ على نفسي مؤخرا قبيل اعلان نتيجة الاستفتاء على الرئاسة السورية، وقلت لها ربما تكون النتيجةُ أقل من ثمانين بالمئة فالرئيس الشاب الذي تعلّم في الغرب يعرف أن نسبة التسعين في المئة تثير الاحتقارَ لدىَ الشعب، وكل صور الازدراء لدىَ المثقفين ومنظمات حقوق الانسان.
قلت لنفسي أيضا بأن الرئيسَ الشابَ لن يجعل ضيوفَه الكبارَ من زعماء ورؤساء وفود وغيرهم ينظرون إليه تلك النظرةَ الدونية التي لا نخطئها جميعاً عندما نقرأ نتيجةَ الاستفتاء فصدام حسين حصل على مئة في المئة، وزين العابدين بن علي اقترب كثيرا منها، أما مبارك فقد وافق على المسرحية الأمريكية للانتخابات وجعل النسبة المئوية لنجاحه كأنها حقيقية، ثم قام بتأديب منافسه الدكتور أيمن نور، وألقاه في بيوت الأشباح المصرية.
كان المشهد من طبيب العيون مؤذياً للعيون، فسوريا العظيمة ذات التاريخ النضالي، والتي يسكن في كل بيت منها قائد انقلاب عسكري ينتظر الفرصة المناسبة ليثِبَ على الحُكم يجعلها الرئيس الشاب أضحوكة أمام العالم كله، ويجعل شعبنا السوري يلطم وجهه في المرآة، فأجهزة استخبارات بشار الأسد جعلت النسبة أكثر قليلا من سبعة وتسعين بالمئة.
إنه الاستبدادُ بكل ما فيه من عنف ودماء وقسوة إلا أن هناك أيضا مشاهد كوميدية ليست مقتصرة فقط على الأخ العقيد قائد ثورة الفاتح، لكنها تنسحب على كل الطغاة والمستبدين وهم يزيّفون إرادة الشعب، ثم يعيدون صناعة الأيدي المرتعشة والأسنان المصطكة لتكملة الصورة النهائية للعلاقة بين الشعب والسلطة، بين الرعية والحاكم، بين الماشية وراعيها.
كانت النتيجة صفعةً على أقفية أبناء أكثر شعوب المنطقة تمرّدا ووعياً وطنياً وانخراطاً في العمل السياسي وفهما لتشابكات المنطقة وصراعاتها الخفية.
كانت النتيجة شبيهة بيوم أنْ وقف أعضاءُ مجلس الشعب وقد تلقى كل منهم أوامر من سيد القصر أن يشتموا، ويلعنوا، ويسبّوا عبد الحليم خدّام الرجل الذي تولى تربية الرئيس الشاب.
ووقف ممثلو الشعب يرتعشون، ولا تستطيع رُكَبُهُم أن تحملهم، وتكاد تسمع صراخَ لغة أهل الجنة وهم يفككونها، ويعجّمونها، ويطلقونها في آذاننا كأنهم غاضبون عليها لأنها قامت بتعريتهم.
أربعون عاما وجيشنا السوري تأكل مشتريات أسلحته ثلث ميزانية الدولة، ويقف على أبوابه عدو لا مندوحة عن نزاله يوما ما، وتحتل جولانَه فرقٌ رمزيةٌ من الجيشِ الاسرائيلي لو كانوا على حدود الجزائر أو تشاد أو الصومال أو إرتيريا لما زار النومُ عيونَهم.
ومع ذلك فهذا الجيش لا يستطيع أن يتصدى لطائرات إسرائيلية تحلق فوق قصر السيد الرئيس، وتعطي إشارةً بأنها قادرة على اصابة هدفها حتى لو كان طبيب العيون في فراشه.
ويصمت جيشنا البطل، وتسكت كل المدافع، وتصُمّ أجهزةُ الاستخبارات من الحدود التركية والفلسطينية واللبنانية آذانها، وتصُكّ وجهَها كأنها عجوزٌ عقيم.
فالمعركة الحقيقية هي مع المواطن السوري، والخوف الحقيقي يعرف طريقَه إلى السلطة عندما يتنفس أبناءُ البلد، وأقبيةُ السجون قادرةٌ على تذكير السوريين بأنَّ كرامتَهم هي آخر اهتمامات السيد الرئيس.
عندما يتم توقيف شاب صغير في الثالثة والعشرين من عمره ( محمد نافع الصايل من دير الزور ) وتتم محاكمته بعد عامين من الاعتقال فتلك لعمري كارثة إنسانية تتنافى مع كل القيم والمباديء والأعراف.
إن التعامل مع حيوات الناس وسنوات أعمارهم وعدم الاكتراث بقضائها في داخل السجون انتظارا لمحاكمات قد لا تأتي أبدا، هو غاية الامتهان لكرامة المواطن.
عندما يقوم صحفيان( مهند عبد الرحمن وعلاء الدين حمدون ) بالاستعداد لعمل تحقيق صحفي عن النقابات في سوريا، فإنه من الطبيعي أن يطرحا أسألتهما على النقابيين.
لكن أجهزة الاستخبارات البارعة في انزال الرعب في قلوب السوريين تقرر احالتهما للمحاكمة بتهمة طرح أسئلة على نقابيين عن موضوع صحفي لم يتم نشره بعد، وأن مضمون الأسئلة ينال من هيبة الدولة!
أي اذلال هذا يريده الوطن من المواطن ثم يطالَب بعد ذلك بالدفاع عنه؟
قلنا عشرات المرات ونكرر مثلها أضعافا مضاعفة ولن نملّ الحديثَ عنها فهي لُب الموضوع، وصُلب القضية، بأن المواطن الذي تطلب منه الدولة الخنوعَ والمسكنةَ، وتطُعمه خوفاً، وتسقيه رعباً، وتلقي به في زنزانات قذرة بدون محاكمة لعدة سنوات هو مشروع تعاون مع أعداء الوطن. إنها صناعة نُسخ جديدة من إيلي كوهين وهؤلاء سيرشدون عن عناوين وأسماء ضباط التعذيب في أجهزة الاستخبارات إذا سقطت سوريا، لا قدر الله، في براثن خصومها وأعدائها، وهم كُثر.
المواطنُ الحرُّ هو الضمان الوحيد لوطنٍ حر، وهو الذي تفكر كل القوى المعادية فيه قبل إلحاق الأذىَ ببلده أو نظامه.
والمواطن السوري الحُرّ الذي يجلس أمام ضابط استخبارات ويضع ساقا فوق ساق، ويرتشف قدحا من القهوة دون أن يرفّ له جفن أو تتسارع نبضات قلبه هو القادر على حماية سوريا.
والمواطن السوري الذي يقدم جواز سفره في مطار دمشق لضابط الأمن، وينظر في عينيه، ويؤكد لمنتظريه في الخارج بأنه قادم إليهم بإذن الله دون أي تأخير، هو نفس المواطن الذي سيستثمر في بلده، وسيدافع عنها في كل المحافل، وسيمنحها روحه وأمواله ودعمه، وسيساهم في افشال أي مؤامرة ضد النظام.
أنا لا أفهم كيف تفكر أجهزة الأمن في مستقبل طالب يتم اعتقاله، ثم تتأخر محاكمته عاما أو اثنين أو أكثر وكأن مستقبله ودراسته وحياته لا تعني أحدا في الدولة كلها!
تهمةٌ فيها من اللاعقلانية والظلم والغباء ما يجعلها بصقة في وجه كل من يؤمن بحقوق إنسان خلقه العلي الكريم، ونفخ فيه من روحه.التهمة هي ( تعريض البلاد لأعمال عدائية )، وهي فضفاضة، وواسعة، وزئبقية، أينما نظرت إليها لا تصطدم إلا بوجه غليظ سادي لضابط مخابرات لا يعبء لاسرائيل، ولا يكترث لنشاطات الطابور الخامس، إنما المهم أن يقول كما قال قائد الاحتلال في العراق بعد القبض على صدام حسين: سيداتي سادتي .. لقد قبضنا عليه!
آه أيها الشهامة والنخوة والرجولة العربية التي حتى عندما جاء الاسلام برسالة خاتم الانبياء تركها كما هي: إنها نجدة الملهوف، ونخوة رجال كانوا يخجلون من اطلاق السهم في ظهر الخصم.
يونس خضر يونس يتم الحكم عليه بثلاث سنوات لأنه نشر أخبارا من شأنها أن توهن نفسية الأمة! هل صحيح أن بلادنا أصبحت هشة وتحتاج لأجهزة استخبارات قوية تحاكم المواطنين الذين يقتربون من ( نفسية الأمة ) خشية أن تسقط، وتتحطم كما تتحطم لعبة طفل رخيصة مصنوعة في تايوان؟
الاختفاء القسري هو نتيجة طبيعية لاختطاف مواطن كان عائدا إلى منزله، وفجأة تتوقف سيارة، وينزل منها رجلان كما في الأفلام الأمريكية، ويصطحباه إلى مكان مجهول.أي امتهان هذا لكرامة ابن البلد وأهله وأبناء وطنه عندما يتم منعه من أن يتصل بوالدته أو شقيقه ولا نقول المحامي فتلك رفاهية في عالم الاستبداد.
وتبدأ عملية العقاب الجماعي عندما تقوم الأسرة بالمرور على أقسام الشرطة، والاتصال بالمستشفيات، ودفع ( إكراميات ) للصغار والكبار من الأمن على حد سواء من أجل معرفة مصير ابنهم.
الصحفي سالار أوسي من القامشلي كان متوجها في بدايات شهر يونيو إلى نادي الصحفيين.
ثم اختفى كما اختفى من قبله الكثيرون، فأمريكا اللاتينية في ظل حُكم العسكر كانت هكذا. يختفي المواطنُ كحشرة سقطت تحت حذاء عسكري، وقد لا يعود أبداً إلى أهله.
في العاشر من يناير 2005 تقوم المخابرات العسكرية بمدينة حلب باعتقال الطالب محمد عبد القادر طالب وهو يدرس في كلية الهندسة. يختفي كما اختفى غيره، وأسرته تستجدي أعلى سلطة في البلاد، لكن أهله نسوّا في غمرة اللهفة على ابنهم أن قانون الطواريء المعمول به منذ عام 1964 يسمح للدولة أن تُلقي القبض على أي مواطن، ولو تم توجيه تهمة النظر إلى ضابط الأمن بطريقة تهدد رخاء واقتصاد وسلام الدولة فإن القاضي قادر على أن يستخرج من اللاقانون مواد شبحية تُثَبّت التهمة على المواطن المسكين.
فؤاد الشغري يتم الحكم عليه بالاعدام بموجب القانون 49/1980الخاص باعدام كل من ينتسب لجماعة الاخوان المسلمين. ثم يتم تخفيف الحكم إلى 12 عاما، وهي أيضا تعني الاعدام ولكن في خلال فترة العقوبة.
أما فارس نقور فهو حالة من الظلم لا مثيل لها في كل الأحكام التي أصدرها طغاة وحافظ عليها زبانية التعذيب.
حاول أن يجتاز الحدود لأهله المقيمين في الجولان، لكن سلطات الحدود التي تصمت صمت القبور عندما تعلن اسرائيل عن مناورة في الجولان، تقرر القبض على المواطن الذي يريد أن يعيش مع أهله أو يعمل معهم.
الحكم عليه يصدر من حُماة العدالة بالسجن 12 عاما، وما أدراك ما السجن في سوريا؟
سيقول قائل بأنه أرحم من سجون المغرب والجزائر والأردن ومصر وليبيا وتونس واليمن وغيرها.
الكاتب عادل محفوظ كان محظوظا فالذي حَكم عليه امرأةٌ، وهي قاضيةٌ في مَحكمة مدنية في مدينة طرطوس. ستة اشهر فقط بتهمة تعكير صفو الأمة! كل منا شاهد ولو مرّة في حياته بلطجياً من قبضايات الحي، يجلس على المقهى والكل يتملقه، ثم يجيء صبي صاحب المقهي ويهمس في أذن الفتوة قائلا: إن هذا الرجل ينظر إليك!
يضرب البلطجي المنضدة بقبضة يده فتهتز لها كل الكؤوس والأقداح، ثم يتوجه إلى المسكين سائلا إياه عن سبب النظر إليه!
إنه ليس قانون القبضايات فقط إنما دستور الطغاة، ولكل قاض أو ضابط أمن أن يفسر قوانين الدولة وفقا لمزاجه أو شجاره مع زوجته أو اكتشافه أن ابنه الوحيد أصبح مُدمنا، فيخرج الغضبُ قابضاً على عنق المواطن في عهد فخامة الرئيس.
لا تزال الضجة مثارة حول اختفاء 73 مصريا في سوريا حتى ظهرت قضية اختفاء عمرو أحمد المواطن المصري الحاصل على الدكتوراة في جامعة سانت بيترسبرج الروسية.
دعاه أحد أصدقائه السوريين، وقضى في ربوع سوريا الحبيبة 26 يوما، ثم اختفى في اليوم السابع والعشرين من مايو 2007.
قام بزيارة حلب لمدة يومين، وفي الطريق إلى دمشق بعدما اتصل بزوجته الروسية وأبلغها أنه سيحصل على تأشيرة دخول روسيا من السفارة في العاصمة السورية، اختفى فجأة.
أغلب الظن أن الأمن قام باعتقاله من الفندق، كما قال شهود عيان، وكانت حملة اعتقالات بمناسبة الاستفتاء على رئاسة الجمهورية قد شملت كل شبر من قلب العروبة النابض.
أرسل والد الشاب رسالة خاصة إلى الرئيس بشار الأسد ولم يتلق عليها ردّاً، ولن يتلقى أبدا، فالرئيس ليس لديه الوقت لهذا العبث، وكرامة المواطن وحياته وحقوقه وحريته آخر ما يفكر فيه القائد الشاب، فكيف بمواطن مصري تسحله حكومته، ويعتقل مبارك ثلاثين ألف شخص لم يُعرض أكثرهم على العدالة، أن تدافع عن مصري في الخارج أو 73 مصريا اختفوا في الاقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة؟
جناية أخرى يصدر فيها الحكم بتهمة ( إضعاف الشعور القومي ) وتلك لا يزيد الحكم فيها عن ثلاث سنوات مع كل المستلزمات الواجبة والمرافقة للحكم من ضرب وركل وتعذيب حتى يصرخ المواطن ويقول لنفسه دون أن يسمعه الآخرون بأن هذه ليست بلدي.
ليلة القبض على سوريا نترك تحديدها لكل عاشق لهذا البلد الطارد لأبنائه، ولا أظن أن مليون رسالة ستقنع الرئيس بشار الأسد بأن للسوريين حقوقا في بلادهم أكثر من حقوق العبيد.
عندما أزمع الكتابةَ عن سوريا وقضاياها وهمومها ومشاكلها وأحزانها وأفراحِها تقف اللغةُ مترددةً قبل أن تسعفني بمفرداتها، وكلما أمدّتني ضادُنا الجميلة بألفاظ أخشى على قلب العروبة النابض منها، ينتقل الترددُ من اللغةِ إلى أصابعي، فما كرهتُ شيئاً مثلما كرهت قطعَ شعرةِ معاوية مع دمشق.
شرحتُ كثيراً في السنوات العشر الماضية قصةَ حبي لسوريا التي بدأت عام الوحدة بين الاقليمين الشمالي والجنوبي وظلت دمشق في قلبي لا تبرحه فهي جزء من دعاء الشرق، وجبهة الصمود، وآخر المقاومين المحترَمين!
لكن الواقع يُكَذّب تلك الصورةَ الورديةَ في ذهني، ويُخرْجني من عالم الحُلم إلى عالَم الواقع المرير.
تهكمتُ على نفسي مؤخرا قبيل اعلان نتيجة الاستفتاء على الرئاسة السورية، وقلت لها ربما تكون النتيجةُ أقل من ثمانين بالمئة فالرئيس الشاب الذي تعلّم في الغرب يعرف أن نسبة التسعين في المئة تثير الاحتقارَ لدىَ الشعب، وكل صور الازدراء لدىَ المثقفين ومنظمات حقوق الانسان.
قلت لنفسي أيضا بأن الرئيسَ الشابَ لن يجعل ضيوفَه الكبارَ من زعماء ورؤساء وفود وغيرهم ينظرون إليه تلك النظرةَ الدونية التي لا نخطئها جميعاً عندما نقرأ نتيجةَ الاستفتاء فصدام حسين حصل على مئة في المئة، وزين العابدين بن علي اقترب كثيرا منها، أما مبارك فقد وافق على المسرحية الأمريكية للانتخابات وجعل النسبة المئوية لنجاحه كأنها حقيقية، ثم قام بتأديب منافسه الدكتور أيمن نور، وألقاه في بيوت الأشباح المصرية.
كان المشهد من طبيب العيون مؤذياً للعيون، فسوريا العظيمة ذات التاريخ النضالي، والتي يسكن في كل بيت منها قائد انقلاب عسكري ينتظر الفرصة المناسبة ليثِبَ على الحُكم يجعلها الرئيس الشاب أضحوكة أمام العالم كله، ويجعل شعبنا السوري يلطم وجهه في المرآة، فأجهزة استخبارات بشار الأسد جعلت النسبة أكثر قليلا من سبعة وتسعين بالمئة.
إنه الاستبدادُ بكل ما فيه من عنف ودماء وقسوة إلا أن هناك أيضا مشاهد كوميدية ليست مقتصرة فقط على الأخ العقيد قائد ثورة الفاتح، لكنها تنسحب على كل الطغاة والمستبدين وهم يزيّفون إرادة الشعب، ثم يعيدون صناعة الأيدي المرتعشة والأسنان المصطكة لتكملة الصورة النهائية للعلاقة بين الشعب والسلطة، بين الرعية والحاكم، بين الماشية وراعيها.
كانت النتيجة صفعةً على أقفية أبناء أكثر شعوب المنطقة تمرّدا ووعياً وطنياً وانخراطاً في العمل السياسي وفهما لتشابكات المنطقة وصراعاتها الخفية.
كانت النتيجة شبيهة بيوم أنْ وقف أعضاءُ مجلس الشعب وقد تلقى كل منهم أوامر من سيد القصر أن يشتموا، ويلعنوا، ويسبّوا عبد الحليم خدّام الرجل الذي تولى تربية الرئيس الشاب.
ووقف ممثلو الشعب يرتعشون، ولا تستطيع رُكَبُهُم أن تحملهم، وتكاد تسمع صراخَ لغة أهل الجنة وهم يفككونها، ويعجّمونها، ويطلقونها في آذاننا كأنهم غاضبون عليها لأنها قامت بتعريتهم.
أربعون عاما وجيشنا السوري تأكل مشتريات أسلحته ثلث ميزانية الدولة، ويقف على أبوابه عدو لا مندوحة عن نزاله يوما ما، وتحتل جولانَه فرقٌ رمزيةٌ من الجيشِ الاسرائيلي لو كانوا على حدود الجزائر أو تشاد أو الصومال أو إرتيريا لما زار النومُ عيونَهم.
ومع ذلك فهذا الجيش لا يستطيع أن يتصدى لطائرات إسرائيلية تحلق فوق قصر السيد الرئيس، وتعطي إشارةً بأنها قادرة على اصابة هدفها حتى لو كان طبيب العيون في فراشه.
ويصمت جيشنا البطل، وتسكت كل المدافع، وتصُمّ أجهزةُ الاستخبارات من الحدود التركية والفلسطينية واللبنانية آذانها، وتصُكّ وجهَها كأنها عجوزٌ عقيم.
فالمعركة الحقيقية هي مع المواطن السوري، والخوف الحقيقي يعرف طريقَه إلى السلطة عندما يتنفس أبناءُ البلد، وأقبيةُ السجون قادرةٌ على تذكير السوريين بأنَّ كرامتَهم هي آخر اهتمامات السيد الرئيس.
عندما يتم توقيف شاب صغير في الثالثة والعشرين من عمره ( محمد نافع الصايل من دير الزور ) وتتم محاكمته بعد عامين من الاعتقال فتلك لعمري كارثة إنسانية تتنافى مع كل القيم والمباديء والأعراف.
إن التعامل مع حيوات الناس وسنوات أعمارهم وعدم الاكتراث بقضائها في داخل السجون انتظارا لمحاكمات قد لا تأتي أبدا، هو غاية الامتهان لكرامة المواطن.
عندما يقوم صحفيان( مهند عبد الرحمن وعلاء الدين حمدون ) بالاستعداد لعمل تحقيق صحفي عن النقابات في سوريا، فإنه من الطبيعي أن يطرحا أسألتهما على النقابيين.
لكن أجهزة الاستخبارات البارعة في انزال الرعب في قلوب السوريين تقرر احالتهما للمحاكمة بتهمة طرح أسئلة على نقابيين عن موضوع صحفي لم يتم نشره بعد، وأن مضمون الأسئلة ينال من هيبة الدولة!
أي اذلال هذا يريده الوطن من المواطن ثم يطالَب بعد ذلك بالدفاع عنه؟
قلنا عشرات المرات ونكرر مثلها أضعافا مضاعفة ولن نملّ الحديثَ عنها فهي لُب الموضوع، وصُلب القضية، بأن المواطن الذي تطلب منه الدولة الخنوعَ والمسكنةَ، وتطُعمه خوفاً، وتسقيه رعباً، وتلقي به في زنزانات قذرة بدون محاكمة لعدة سنوات هو مشروع تعاون مع أعداء الوطن. إنها صناعة نُسخ جديدة من إيلي كوهين وهؤلاء سيرشدون عن عناوين وأسماء ضباط التعذيب في أجهزة الاستخبارات إذا سقطت سوريا، لا قدر الله، في براثن خصومها وأعدائها، وهم كُثر.
المواطنُ الحرُّ هو الضمان الوحيد لوطنٍ حر، وهو الذي تفكر كل القوى المعادية فيه قبل إلحاق الأذىَ ببلده أو نظامه.
والمواطن السوري الحُرّ الذي يجلس أمام ضابط استخبارات ويضع ساقا فوق ساق، ويرتشف قدحا من القهوة دون أن يرفّ له جفن أو تتسارع نبضات قلبه هو القادر على حماية سوريا.
والمواطن السوري الذي يقدم جواز سفره في مطار دمشق لضابط الأمن، وينظر في عينيه، ويؤكد لمنتظريه في الخارج بأنه قادم إليهم بإذن الله دون أي تأخير، هو نفس المواطن الذي سيستثمر في بلده، وسيدافع عنها في كل المحافل، وسيمنحها روحه وأمواله ودعمه، وسيساهم في افشال أي مؤامرة ضد النظام.
أنا لا أفهم كيف تفكر أجهزة الأمن في مستقبل طالب يتم اعتقاله، ثم تتأخر محاكمته عاما أو اثنين أو أكثر وكأن مستقبله ودراسته وحياته لا تعني أحدا في الدولة كلها!
تهمةٌ فيها من اللاعقلانية والظلم والغباء ما يجعلها بصقة في وجه كل من يؤمن بحقوق إنسان خلقه العلي الكريم، ونفخ فيه من روحه.التهمة هي ( تعريض البلاد لأعمال عدائية )، وهي فضفاضة، وواسعة، وزئبقية، أينما نظرت إليها لا تصطدم إلا بوجه غليظ سادي لضابط مخابرات لا يعبء لاسرائيل، ولا يكترث لنشاطات الطابور الخامس، إنما المهم أن يقول كما قال قائد الاحتلال في العراق بعد القبض على صدام حسين: سيداتي سادتي .. لقد قبضنا عليه!
آه أيها الشهامة والنخوة والرجولة العربية التي حتى عندما جاء الاسلام برسالة خاتم الانبياء تركها كما هي: إنها نجدة الملهوف، ونخوة رجال كانوا يخجلون من اطلاق السهم في ظهر الخصم.
يونس خضر يونس يتم الحكم عليه بثلاث سنوات لأنه نشر أخبارا من شأنها أن توهن نفسية الأمة! هل صحيح أن بلادنا أصبحت هشة وتحتاج لأجهزة استخبارات قوية تحاكم المواطنين الذين يقتربون من ( نفسية الأمة ) خشية أن تسقط، وتتحطم كما تتحطم لعبة طفل رخيصة مصنوعة في تايوان؟
الاختفاء القسري هو نتيجة طبيعية لاختطاف مواطن كان عائدا إلى منزله، وفجأة تتوقف سيارة، وينزل منها رجلان كما في الأفلام الأمريكية، ويصطحباه إلى مكان مجهول.أي امتهان هذا لكرامة ابن البلد وأهله وأبناء وطنه عندما يتم منعه من أن يتصل بوالدته أو شقيقه ولا نقول المحامي فتلك رفاهية في عالم الاستبداد.
وتبدأ عملية العقاب الجماعي عندما تقوم الأسرة بالمرور على أقسام الشرطة، والاتصال بالمستشفيات، ودفع ( إكراميات ) للصغار والكبار من الأمن على حد سواء من أجل معرفة مصير ابنهم.
الصحفي سالار أوسي من القامشلي كان متوجها في بدايات شهر يونيو إلى نادي الصحفيين.
ثم اختفى كما اختفى من قبله الكثيرون، فأمريكا اللاتينية في ظل حُكم العسكر كانت هكذا. يختفي المواطنُ كحشرة سقطت تحت حذاء عسكري، وقد لا يعود أبداً إلى أهله.
في العاشر من يناير 2005 تقوم المخابرات العسكرية بمدينة حلب باعتقال الطالب محمد عبد القادر طالب وهو يدرس في كلية الهندسة. يختفي كما اختفى غيره، وأسرته تستجدي أعلى سلطة في البلاد، لكن أهله نسوّا في غمرة اللهفة على ابنهم أن قانون الطواريء المعمول به منذ عام 1964 يسمح للدولة أن تُلقي القبض على أي مواطن، ولو تم توجيه تهمة النظر إلى ضابط الأمن بطريقة تهدد رخاء واقتصاد وسلام الدولة فإن القاضي قادر على أن يستخرج من اللاقانون مواد شبحية تُثَبّت التهمة على المواطن المسكين.
فؤاد الشغري يتم الحكم عليه بالاعدام بموجب القانون 49/1980الخاص باعدام كل من ينتسب لجماعة الاخوان المسلمين. ثم يتم تخفيف الحكم إلى 12 عاما، وهي أيضا تعني الاعدام ولكن في خلال فترة العقوبة.
أما فارس نقور فهو حالة من الظلم لا مثيل لها في كل الأحكام التي أصدرها طغاة وحافظ عليها زبانية التعذيب.
حاول أن يجتاز الحدود لأهله المقيمين في الجولان، لكن سلطات الحدود التي تصمت صمت القبور عندما تعلن اسرائيل عن مناورة في الجولان، تقرر القبض على المواطن الذي يريد أن يعيش مع أهله أو يعمل معهم.
الحكم عليه يصدر من حُماة العدالة بالسجن 12 عاما، وما أدراك ما السجن في سوريا؟
سيقول قائل بأنه أرحم من سجون المغرب والجزائر والأردن ومصر وليبيا وتونس واليمن وغيرها.
الكاتب عادل محفوظ كان محظوظا فالذي حَكم عليه امرأةٌ، وهي قاضيةٌ في مَحكمة مدنية في مدينة طرطوس. ستة اشهر فقط بتهمة تعكير صفو الأمة! كل منا شاهد ولو مرّة في حياته بلطجياً من قبضايات الحي، يجلس على المقهى والكل يتملقه، ثم يجيء صبي صاحب المقهي ويهمس في أذن الفتوة قائلا: إن هذا الرجل ينظر إليك!
يضرب البلطجي المنضدة بقبضة يده فتهتز لها كل الكؤوس والأقداح، ثم يتوجه إلى المسكين سائلا إياه عن سبب النظر إليه!
إنه ليس قانون القبضايات فقط إنما دستور الطغاة، ولكل قاض أو ضابط أمن أن يفسر قوانين الدولة وفقا لمزاجه أو شجاره مع زوجته أو اكتشافه أن ابنه الوحيد أصبح مُدمنا، فيخرج الغضبُ قابضاً على عنق المواطن في عهد فخامة الرئيس.
لا تزال الضجة مثارة حول اختفاء 73 مصريا في سوريا حتى ظهرت قضية اختفاء عمرو أحمد المواطن المصري الحاصل على الدكتوراة في جامعة سانت بيترسبرج الروسية.
دعاه أحد أصدقائه السوريين، وقضى في ربوع سوريا الحبيبة 26 يوما، ثم اختفى في اليوم السابع والعشرين من مايو 2007.
قام بزيارة حلب لمدة يومين، وفي الطريق إلى دمشق بعدما اتصل بزوجته الروسية وأبلغها أنه سيحصل على تأشيرة دخول روسيا من السفارة في العاصمة السورية، اختفى فجأة.
أغلب الظن أن الأمن قام باعتقاله من الفندق، كما قال شهود عيان، وكانت حملة اعتقالات بمناسبة الاستفتاء على رئاسة الجمهورية قد شملت كل شبر من قلب العروبة النابض.
أرسل والد الشاب رسالة خاصة إلى الرئيس بشار الأسد ولم يتلق عليها ردّاً، ولن يتلقى أبدا، فالرئيس ليس لديه الوقت لهذا العبث، وكرامة المواطن وحياته وحقوقه وحريته آخر ما يفكر فيه القائد الشاب، فكيف بمواطن مصري تسحله حكومته، ويعتقل مبارك ثلاثين ألف شخص لم يُعرض أكثرهم على العدالة، أن تدافع عن مصري في الخارج أو 73 مصريا اختفوا في الاقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة؟
جناية أخرى يصدر فيها الحكم بتهمة ( إضعاف الشعور القومي ) وتلك لا يزيد الحكم فيها عن ثلاث سنوات مع كل المستلزمات الواجبة والمرافقة للحكم من ضرب وركل وتعذيب حتى يصرخ المواطن ويقول لنفسه دون أن يسمعه الآخرون بأن هذه ليست بلدي.
ليلة القبض على سوريا نترك تحديدها لكل عاشق لهذا البلد الطارد لأبنائه، ولا أظن أن مليون رسالة ستقنع الرئيس بشار الأسد بأن للسوريين حقوقا في بلادهم أكثر من حقوق العبيد.
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
http://taeralshmal.jeeran.com
http://www.taeralshmal.com
Taeralshmal@hotmail.com
http://Againstmoubarak.jeeran.com
أوسلو في 3 يوليو 2007
الحوار المتمدن
2007 / 7 / 11
----------------------------------------------