Montag, 16. Juli 2007

محمود درويش "يعود إلى حيفا" بعد غياب 35 عاما



















على أهدابه عشب الجليل...
صبحي حديدي

كما يحقّ لأيّ شاعر أن يحسد محمود درويش على أمسية حيفا المشهودة، سواء في مستوى الاختبار الرهيب لعلاقة الشعر العيانية بالمتلقي، بادىء ذي بدء، أو في البعد الإنساني الاحتفائي والاحتفالي والطقسي لإلقاء الشعر ضمن سياقات استثنائية كهذه بالذات؛ كذلك يحقّ للشاعر ذاته أن يشفق على درويش إذا تخيّل مقدار الضغوطات الهائلة، التي ستكون متبادلة عارمة عاتية، بين حاجات الحشود وحاجات القصيدة، وبين علم نفس العواطف الجَمْعية وعلم جمال
الشعر الرفيع.

وفي حوار مع "الإتحاد" الحيفاوية شدّد درويش على عنصرَي اللهفة والخشية في لقائه بأبناء شعبه بعد كلّ هذا الغياب
وعلى أرض حيفا التي تحتلّ في نفسه ـ في شعوره، كما في شعره ـ مكانة خاصة: " تمتزج الخشية باللهفة لأنّ الزمن الذي فصلنا عن بعض زمن طويل، كبرتُ فيه بطريقة ما، وأبناء جيلي كبروا بطريقة ما، ونمت أجيال جديدة لم يحصل من قبل احتكاك بحساسيتها الشعرية. لذلك أنا ذاهب إلى ما يشبه المجهول الجميل". وبعد أن أكّد، وفي الوسع تصديقه تماماً، أنه يشعر كمَنْ يقرأ للمرّة الأولى ويدخل امتحانًا، تمنى درويش "أن تكون المسافة الجغرافية بيني وبين قرّاء الشعر الذين سألتقيهم في حيفا مسافة وهمية، وأن يكون التطابق كاملاً بين ما أحسّ به وما يحسّون به، وبين حساسيتي الشعرية وحساسيتهم الشعرية"
.
هيهات، مع ذلك، أن يبلغ التطابق درجة كاملة في قاعة كهذه وتحت تأثير السياقات العديدة، الإنسانية والسياسية
والعاطفية والوطنية، التي اكتنفت تنظيم لقاء نوعي بالغ الخصوصية، سرعان ما تجاوز بكثير أغراض أمسيات الشعر. وغنيّ عن القول إنني أكتب هذه السطور قبل ساعات من بدء الأمسية، وأتمنى حقاً أن تخيّب وقائعها وجهة نظري الحذرة تجاه احتمالات التطابق الكامل بين حساسية درويش وحساسية ذلك الجمهور، تلك القاعة، ذلك المكان. غنيّ عن القول، كذلك، أنني هنا لا أقصد البتة الإيحاء بحكم قيمة من أيّ نوع على جمهور قاعة الـ "أوديتوريوم" الحيفاوية، بالقياس على جمهور درويش في أيّ مكان قرأ فيه شعراً، بل لعلّ العكس بالضبط هو ما أرمي إليه: أنني أنحاز إلى حساسية هذا الجمهور، أكثر من انحيازي إلى حساسية الشاعر.

ومنذ مطالع السبعينيات أصغيت إلى درويش يقرأ شعراً في مدن كثيرة: دمشق وعمّان وصنعاء وعدن وتونس وقفصة
والرباط والدار البيضاء والقاهرة ودبي... وكنت غالباً أبتهج حين يفاجىء جمهوره بشعر جديد، أو على نحو أدقّ: حين يميل إلى تغليب حقوق القصيدة الجديدة (التي يحدث مراراً أن يجدها المتلقي شاقة، صعبة، أو حتى غريبة بعض الشيء للوهلة الأولى) على رغبات الجمهور. ولكن لو قُيّض لي أن أكون في صفوف مستمعيه الحيفاويين أمس، هل كنت سأتردّد في المطالبة بحقّي في أن يقرأ شيئاً من شعره القديم، اللصيق بالذاكرة الجمالية والذاكرة الوطنية، الضارب عميقاً في باطن الذائقة الجَمْعية؟ وأيّ ارتطام للحساسيات (وهمي أصلاً، وافتراضيّ) يمكن أن يمنع الشاعر من قراءة قصيدة له أحبّها جمهوره، أو حتى أفرط في حبّها حتى رفعها إلى مصافّ الأيقونة؟ لماذا لا أطالب بقصائد قديمة مثل "بطاقة هوية" و"عاشق من فلسطين" و"إلى أمّي" و"برقية من السجن" و"موّال" و"يوميات جرح فلسطيني" حين ذكّر العالم: "نحن في حلّ من التذكار/ فالكرمل فينا/ وعلى أهدابنا عشب الجليلِ/ لا تقولي: ليتنا نركض كالنهر إليها، لا تقولي/ نحن في لحم بلادي... وهي فينا"... تماماً كحقّ درويش في أن يقرأ لي ما يشاء من أحدث قصيدة كتبها، ويرى
أنها تمثل شعريته الراهنة؟ وإذا لم أطالب بهذا الحقّ وأنا أستمع إليه في حيفا، فأين ينبغي أن أطالب به؟
غير أنّ درويش يُحسد على ذلك الناظم الذهبي الذي يدير العلاقة بين شعره الجديد وقارئه الدائم، الأمر الذي سبق لي أن
توقفت عنده بتفصيل أكثر في مناسبات سابقة. فإلى جانب عناده الشخصي وإصراره على تطوير برنامجه الجمالي، حظي درويش بمساعدة القارىء ذاته في مواصلة التطوير، لأنّ القارىء كان ويظلّ رفيع الاستجابة، ولا يتردد طويلاً قبل أن يجد مكانه في الطور الجديد. ولقد تبدّى هذا الوضع في القصائد الملحمية الطويلة بصفة خاصة، حيث كانت هذه تكتسب بُعداً أيقونياً يسري على القصيدة محطّ هوى القارىء، والقصيدة (ذاتها) وهي تمهّد لخيارات قادمة في قصيدة جديدة. وهكذا اكتسبت «سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا»، 1972، وظيفتها الأيقونية حين استجمعت دلالات التراجيديا الفلسطينية في شخص سرحان بشارة سرحان؛ ولكنها ظلّت ماثلة في ذائقة القارىء حين قرأ «أحمد الزعتر»، 1977، قبل أن تكتسب هذه بدورها وظيفتها الأيقونية بالنسبة إلى «مديح الظل العالي»، 1983؛ وهذه بالنسبة إلى «قصيدة بيروت»، 1983؛ ثمّ "مأساة النرجس، ملهاة الفضة"، و"أحد عشر كوكباً على آخر المشهد الأندلسي"، وهكذا..
.
وإذا صحّ أنّ التطابق الكامل ممتنع لاعتبارات ذاتية وموضوعية، ولعلّه غير مطلوب أصلاً، أفلا يُحسد درويش على هذا
التطابق الراهن، المتقدّم المتنامي باضطراد؟ وإذْ يحييّ المرء "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" ومجلة "مشارف" على مبادرة أدبية ذكية انقلبت سريعاً إلى حدث وطني، أفلا تُحسد حيفا ـ وفلسطين قاطبة ـ على حشد نوعيّ أسقط مسبقاً كلّ المسافات الوهمية بين ذائقة وذائقة، وبطاقة هوية وأخرى؟
-----------------------------------------------------









---------------------------------------------














أمسية على جبل الكرمل بعد أربعين عاماً من الغياب ... محمود درويش: عائد إلى حيفا لأطبّع علاقتي بنفسي
بيروت - عبده وازن الحياة - 15/07/07//

--> غاب عنهم قسراً طوال أربعين عاما، أمضاها منفياً بين مدينة وأخرى. لكن قصائده لم تغب لحظة عنهم. أولئك الفلسطينيون الذين يُسمون «عرب 1948»، والذين عاش بينهم ومعهم وكانوا في صميم وجدانه. مثلهم مثل اخوانهم الذين تشردوا خارج فلسطين سنوات طوالاً، وقد عاد بعضهم ولم يعد بعض آخر.

يعود محمود درويش اليوم الى حيفا شاعراً ويلتقي جمهوره على سفح جبل الكرمل في أمسية هي بمثابة الحدث الكبير، شعرياً ووطنياً وسياسياً. في الثامنة والنصف مساء، يحتفي محمود درويش بأهله الذين فصله عنهم الاحتلال الإسرائيلي، ويحتفون هم به شاعراً عائداً الى حيفا، المدينة التي انطلق منها وكتب فيها قصائده الأولى وعاش فيها شبابه الحافل بالنضال والألم والمرارة.

الأمسية التي تنظمها مجلة «مشارف» و «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة» ستكون اللقاء الأول للشاعر «العائد» مع جمهوره الذي غاب عنه طوال تلك السنوات. وهو جمهور نشأ في غيابه وعاش في ما يشبه حال العزلة عن فلسطين نفسها والعالم العربي. يقول محمود درويش لـ «الحياة» في اتصال هاتفي معه في رام الله: «إنني في الحقيقة متهيب كثيراً من هذه اللحظة، لحظة لقائي بأبناء وطني هناك، في الداخل. لا أعرف ماذا حصل خلال تلك السنوات. سأحتفي بالجمهور احتفائي بنفسي. سألتقي طيفي هناك، سألتقي صباي وشبابي. إنها عودة الى ذاتي التي لا تزال هناك».

منذ أن أعلن المنظمون تاريخ الأمسية نفدت البطاقات بسرعة. ألف وخمسمئة شخص هم كل مَن يتسع لهم مسرح «الأوديتوريوم» الذي يستضيف الأمسية على جبل الكرمل. ولكن من المتوقع أن يتجمع خارج المسرح عدد كبير من المواطنين الذين سيتابعون شاعرهم عبر الشاشات الكبيرة التي ستُنصب في الهواء الطلق. وهذه الشاشات ستنتشر في مدن أخرى مثل عكا والناصرة وسواهما. فتتيح للناس أن يشاهدوا الأمسية ويستمعوا الى القصائد من خلال البث الحيّ والمباشر الذي ستتولاه فضائيات عربية، ما يسمح أيضاً للجماهير العربية بأن تتابع الحدث، أينما كانت.

طلب المنظمون من محمود درويش أن يحيي أمسية ثانية، فتحفظ وفي يقينه أن أمسية واحدة تكفي، نظراً الى ما تحمل من معانٍ ورموز. ولعلها المرة الأولى يتطلب الاستماع الى محمود درويش شراء بطاقة، لكن ريعها سيعود إلى المسرح الأكبر في حيفا.

وعن القصائد التي سيقرأها يقول محمود درويش لـ «الحياة»: «سأقرأ من الدواوين التي نشرتها خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة. شعري الأول يعرفه جمهوري هناك. سأقرأ من جديدي الشعري ولا أعلم كيف سيكون رد فعل الجمهور. إنه جمهور جديد. حتى الذين يعرفونني تغيّروا مثلما أنا تغيّرت. وهذا الإقبال الكبير على الأمسية يجعلني أشعر بشيء من الرهبة. صحيح أنني زرت الداخل مرّات قليلة وآخرها عندما ذهبت الى حيفا العام 1996 للمشاركة في تأبين الروائي إميل حبيبي مؤسس مجلة «مشارف». لكن الأمسية التي سأحييها شيء مختلف. مدينة حيفا تعني لي الكثير. انها مدينتي، إنها جزء من وطني. وذكرياتي فيها لا تحصى. وحيفا كانت البوابة الأخيرة التي غادرت منها الى بلاد المنفى». وقال إنه حصل على تصريح للدخول ليومين فقط أو لثمانٍ وأربعين ساعة. وسينتقل من رام الله الى حيفا في سيّارة أحد النواب الفلسطينيين في الكنيست.

لم يبال محمود درويش بالمقالات القليلة التي كتبت في الصحافة ودعاه أصحابها الى عدم الذهاب الى حيفا، واعتبرها «دعوات صبيانية» لا تحتاج الى أي ردّ عليها. وفعلاً لم تلقَ هذه الأصوات أي صدى واعتذر الأفراد الفلسطينيون الذين شاركوا في هذه الدعوة وأصدروا بياناً حيّوا فيه الشاعر بعدما أيقنوا أهمية الأمسية. يقول درويش: «إنني ذاهب لأطبّع علاقتي مع شعبي ومع نفسي وهويتي. هذا هو التطبيع الحقيقي».

سيلقي الشاعر كلمة في المناسبة مرتجلة وربما مكتوبة، وسيرافقه الفنانان سمير ووسام جبران في عزف موسيقي. وسيلقي الكاتب رمزي سليمان كلمة مجلة «مشارف» والمحامي أيمن عودة كلمة «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة».

--------------------------------------------------------






أهلآ بكم في موقع منظمة حزب الشعب الديمقراطي السوري في ألمانيا

يسعى هذا الموقع إلى نشر مساهمات الكتاب في مختلف المواضيع التي تهم المواطن السوري ويأمل أن يكون جسراً بين الداخل والخارج وأن يساهم في حوار وطني يلتزم باحترام الرأي الآخر ويلتزم القيم الوطنية والديمقراطية وقيم حقوق الإنسان ونتمنى أن يساهم الرفاق والأصدقاء في إغناء هذا الموقع والتواصل معه وشكراً.


المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها فقط


يرجى المراسلة على العنوان التالي

bayad53@gmail.com



Blog-Archiv

منظمة حزب الشعب الديمقراطي السوري في ألمانيا

أهلآ بكم في موقع منظمة حزب الشعب الديمقراطي السوري في ألمانيا