Montag, 2. Juli 2007

بصدد بعض الأصول الأخلاقية لعنفنا





بصدد بعض الأصول الأخلاقية لعنفنا..
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن 02.07.07



قد تكون أبرز خصائص العنف المزدهر في مجالنا العربي الإسلامي خصيصته الأخلاقية. إنه قبل كل شيء عنف أخلاقي، يمارس كواجب باسم مبدأ أو عقيدة، ويقتحم أهلوه المخاطر بجسارة لنصرة قضية أو هدف، ولا يترددون في بذل الروح في مواجهة عدو. كيف يحصل إذن أن تفانيا قل نظيره في عالم اليوم، وشجاعات لا مراء فيها، تقترن بتفكك مجتمعات العرب والمسلمين وتدهور أحوالهم السياسية والأخلاقية في كل مكان؟ ولماذا يفضي المزيد من التضحية إلى المزيد من الانحطاط المادي والمعنوي والسياسي في مجالنا الثقافي السياسي؟ يبدو لنا أن أكثر من نصف الإجابة يتمثل في نوعية الأخلاقية الموجهة للعمل العام على أوسع نطاق في بلادنا، وليس فقط في أوساط الإسلاميين والقوميين. نستعير من ماكس فيبر تمييزا أساسيا بين أخلاق الاعتقاد وأخلاق المسؤولية، ربما يسهم في تفسير تلك المفارقة وإضاءة أحوالنا الثقافية والنفسية. وسنقول إنه تشيع في أوساطنا السياسية والدينية والإيديولوجية أخلاقية الاعتقاد، بينما تغيب تماما أخلاقية المسؤولية. فليسوا قلة في عالمنا العربي أولئك المستعدون للموت في سبيل أفكارهم، ولعلهم اليوم أكثر من أي وقت مضى. ولم يكن ضئيلا عدد الإسلاميين واليساريين الذي تحملوا تعذيبا وحشيا دفاعا عن قناعاتهم ومن أجل حماية إخوانهم ورفاقهم. وفكرتنا للبطولة تتصل بالاستعداد للفداء وبتحمل الأهوال في سبيل العقيدة أو المبدأ أو القضية. وهذا جوهر أخلاقية الاعتقاد التي تجد تربة خصبة في ثقافتنا. قد يتبدل السند الاعتقادي من القومية إلى الشيوعية إلى الإسلامية، لكن الأخلاقية تبقى ذاتها وتحتفي بالقيم ذاتها: التفاني والفداء والتضحية والبطولة، في مواجهة "عدو" لا بد من القضاء عليه. قد تحث أخلاقية الاعتقاد على البذل والقيام بجلائل الأعمال، بيد أنها كذلك أخلاقية أنانية وعصبوية وطائفية، متمركزة حول حزبنا "العظيم" وأمتنا "الخالدة" وعقيدتنا "السامية" وجماعتنا الرفيعة، في مواجهة أحزابهم الفاسدة ودولهم المنحطة وعقائدهم الكافرة أو الشريرة وشراذمهم السافلة.. وهي لا تضمن الالتزام تجاه الآخرين، من غير حزبنا أو طائفتنا أو ديننا..، ولو من أبناء بلدنا. فالواجب الاعتقادي لا يوافق الواجب الوطني إلا حين تكون الجماعة الوطنية مطابقة للجماعة الاعتقادية، وهذا نادر في مجتمعاتنا المركبة والمتعددة الأديان والمذاهب والإيديولوجيات. وأخلاقية الاعتقاد تصادر على التطابق بين "الجماعة" والأخلاق، فترفع الحماية الأخلاقية عن كل من هو من غير "جماعتنا"، أي ديننا وطائفتنا وحزبنا إلخ. بالمقابل تبدو أخلاقية المسؤولية، أي التفكير في نتائج أفعالنا وانعكاساتها المحتملة على من قد يتأثرون بها، ووجوب أخذ موافقتهم عليها إن كان مرجحا أن يتأثرون بها، واعتبار ذلك شرطا لسلامة الأفعال، يبدو خارج أفق تفكيرنا وحساسيتنا الأخلاقيين. وهي الأخلاقية الأنسب للعمل العام في الدولة الحديثة، الدولة التي طردت الحرب إلى خارجها، وأقامت نظامها الداخلي على الثقة والقانون. البطل في أخلاقية الاعتقاد هو من يموت من أجل القضية، لكن هو من قد يقتل من أجل القضية أيضا. أما "بطل" أخلاقية المسؤولية فهو من قد ينتحر لأنه لم يقم بواجبه، أو لأنه ترتبت على قراراته أضرار على مواطنيه (ليس ثمة أخلاقية مسؤولية عالمية بعد إلا على نطاق ضيق، الدول تستهدي بأخلاقية الاعتقاد في مجال العلاقات الدولية). الاستقالة من المنصب والانتحار تعبيران عن رسوخ أخلاقية المسؤولية، وندرة المستقيلين والمنتحرين من "المسؤولين" في بلداننا، رغم ما عانته من كوارث وهزائم، تصلح مقياسا على غياب مبدأ المسؤولية ذاته.والفارق الأهم بين أخلاق الاعتقاد وأخلاق المسؤولية أن الضمير ليس مستقلا في الأولى، إنه تابع للعقيدة ومثلها ومبادئها، فيما يقوم استقلاله في الثانية على استبطان فكرة الواجب وعموميته الكونية. بعبارة أخرى، ضمير المعتقد عقيدته، فيما للمسؤول ضمير ذاتي. تحتفي أخلاق الاعتقاد لدينا بأربعة أدوار اجتماعية مكرسة ثقافيا: البطل والشهيد والضحية والخائن. ندافع عن مبدئنا، فننتصر، فنغدو أبطالا؛ أو نخفق، فنحن ضحايا الأعداء أو الظروف؛ أو نموت، فنحظى بالشهادة؛ أو نجبن، فنكون متخاذلين وخونة. أما في أخلاقية المسؤولية فننجح في القيام بواجبنا فننال الاحترام، أو نخفق فنتحمل اللوم. ونميل إلى أن هيمنة أخلاقية الاعتقاد في حياتنا الثقافية والسياسية تعود إلى كون بنى السياسة والسلطة في بلداننا ومنطقتنا صراعية وتنازعية، تقوم على العداوة والمواجهة والحرب. والحرب تقوم تفضيليا على أخلاقية الاعتقاد، بالخصوص في ظل اختلال موازين القوى لمصلحة دكتاتوريات داخلية وإقليمية وحشية. في مثل هذه الشروط تبقى البطولة والتضحية شيئا مرغوبا. بعبارة أخرى، تلتقي شروط واقعية تختزن كثيرا من العنف مع استعدادات ثقافية ذاتية لتدعيم أخلاقية الاعتقاد وإضعاف أخلاقية المسؤولية. وإذا هي تعلي من الرد على العنف بالعنف، أو مقاومة الجور بالعنف، فإن أخلاقية الاعتقاد لا تصلح أساسا لرفض العنف وإدانته. كما لا يمكن أن يتأسس عليها قرار ثقافي، ولا نقول قرارا سياسيا أو محض إجرائي، بالتوقف عن العنف. وهو ما يعني أنها تسهم في إغلاق دائرة خبيثة من الأوضاع الجائرة ومن ردود الأفعال الثأرية والعنفية ومن الأخلاقية التي تضفى عليها قيمة سامية. هذه الدائرة يتعين كسرها. لسبب عملي أولا: ففي شروط التاريخ المعاصر، وبالتحديد تفوق الغرب وإسرائيل في صناعات العنف والحرب، العرب والمسلمون هم أول المتضررين من العنف، وأقل المتضررين من وقفه. ولسبب سياسي ثانيا: إن دوائر أخلاقية الاعتقاد لا تطابق دولنا القائمة على مفهوم الوطنية، تتجاوزها نحو "الأمة الإسلامية" أو تتدنى عنها نحو الطائفة والميليشيا والعصبة، الأمر الذي يجعل منها قوة تفجير لهذه الدول، مع ما قد يترتب على ذلك من كلفة إنسانية وسياسية ومادية باهظة. ولسبب ثقافي وأخلاقي أخيرا: إن الدائرة تلك تحصرنا في ثقافة الثأر والانتقام والتعصب والكراهية، وتثبتنا في أوضاع نفسية موتورة ومتحجرة، وتجعل الارتقاء الأخلاقي متعذرا علينا. وليس الاستعداد الثقافي لأخلاقية التضحية والتفاني والاعتقاد مدونا في جيناتنا. إنه ميل مرجح لأن المثقفين والفاعلين العامين يفضلون ما يدر عليهم شرعية اجتماعية عاجلة، تجامل أدوارا موروثة في ثقافتنا، على بناء شرعية جديدة، تناقض التراث، وتقوم على المسؤولية، وقد تسهم في حقن دمائنا قبل غيرنا. وهل من واجب أوجب من هذا على أي فاعل أخلاقي؟ وهو أوجب بعدُ حين نعاين النتائج اللاأخلاقية لأخلاقيات الاعتقاد المتضاربة، من موت وفير وتفجر لمجتمعاتنا وتدهور مستمر لاعتبارنا في العالم وفي عين أنفسنا بالذات. يكتسب دور المثقفين قيمة إضافية من حقيقة أن أخلاقيات الاعتقاد تنتج اليوم من الخونة الحقيقيين أكثر مما تنتج من الأبطال، بالخصوص لكون أبطال هذا الاعتقاد هما خونة الاعتقاد ذاك، فلم يبق من الوطنية غير التخوين (ومن الدين غير التكفير). ولا يعني إنتاج الخونة غير أن أخلاقيات الاعتقاد بلغت ذروة أزمتها، وأن من شأن نقدها فكريا وقيميا أن يكشف التهافت العقلي والأخلاقي والسياسي لتلك الأخلاقية وأسسها الاعتقادية. المطلوب اليوم شجاعة من نوع مختلف، لا تقتضي من أحد التضحية برأسه، بل فقط ببعض ما في رأسه.
-------------------------------------------

ثقافة ومجتمع 01.07.2007
مقهى موكا ـ مشاهدات نقدية لراينهارد كيفر من أغادير المغربية
http://www.dw-world.de/dw/article/0,2144,2652401,00.html

------------------------------------------
فقر الفكر السياسي الإسلامي
بقلم: الدكتور عبد الله تركماني *
أخبار الشرق – 30 حزيران/ يونيو 2007
بداية يجدر بنا أن نميز بين الإسلام السياسي، بوصفه ظاهرة سياسية - دينية، وبين الإسلام كعقائد وعبادات وتراث ثقافي. إذ يمكن هنا الانطلاق من تعريف للإسلام السياسي على أنه اللجوء إلى مفردات الإسلام كدين للتعبير عن مشروع سياسي، على أن النقطة المحورية فى الإسلام السياسي ربما كانت هي سعيه للوصول إلى السلطة، باعتبار أنّ ذلك هو الشرط الضروري لإقامة مشروعه.
أما تيار العنف فهو يتجسد في جماعات إسلامية مغلقة، مرجعيتهم الدينية تمنحهم يقينا مطلقا لا يجدونه في سواها، كما تمنحهم إيديولوجية مبسطة تحل كافة التناقضات حولهم، وتمنحهم شعورا بالاستشهاد والتسامي والتعالي على الأوضاع الاجتماعية التي يعيشون على هامشها، وأخيرا تمنحهم " مشروعية " فيما يكنونه من عداء عميق لما حولهم. ولعل الإشكالية الأساسية بالنسبة لهذه الجماعات هي أن خصومتهم النهائية مع مؤسسات المجتمع تمتد إلى الواقع الاجتماعي كله فتجعلهم ينعزلون عنه.
وتضم الحركات الإسلامية، في مفهومها الواسع، جميع الأفراد والجماعات التي تسعى لتغيير مجتمعاتها عن طريق اشتقاق أفكارها وبرامجها من الإسلام. وفي حين تختلف هذه الجماعات والأفراد في طرقها ومناهجها وأساليبها، فإنها تتفق على القيمة الإيجابية للإسلام، وتريد تحويل إطار المرجعية في الحياة العامة إلى مرجعية يكون فيها الإسلام، بتفسيراته المختلفة، قوة رئيسية في تشكيل هذه الحياة.
وتاريخيا، لم يتناول التراث الفقهي السياسي والأحكام السلطانية مفهوم الدولة بمعنى الكيان السياسي الجغرافي المتضمن عناصر: الأرض والشعب والسلطة. بل أنّ التنظير لفكرة الدولة الإسلامية، خلال التاريخ المعاصر، حمل كثيرا من الطوباوية والتفكير الرغبوي، وقدر كبير من الشعاراتية والرؤية الأخلاقية لمفهوم الدولة، دون الغوص الحقيقي في الآليات وأساليب العمل، ودون التنظير لفكر سياسي واقعي يملك القدرة على التحرك والمرونة في محيط دولي مضطرب. لذلك بقيت أغلب الكتابات حول " الدولة الإسلامية " مثقلة بعبء التجربة التاريخية الإسلامية ولم تستطع الانفكاك عنها وتجاوزها. ففي الدولة الإسلامية المفترضة هناك غموض يحيط بالمفاهيم المرتبطة بالدولة، فالولاء مسألة خلافية: هل هو للدولة أم للدين، ومسألة غير المسلمين في الدولة الإسلامية ما تزال شائكة، كما أنّ مسألة ولاء المسلمين المواطنين في دول غير مسلمة هي مسألة أكثر تعقيدا. ثم هناك غياب ثقافة المؤسسة لصالح ما نسميه " القدوة والهيبة "، وهي صفات للفرد، إذ أنّ المؤسسة لا كاريزما لها، لكنها أقدر على رعاية مصالح الناس من الأفراد لأنها تضمن الاستقرار والثبات والاحتكام للقانون.
لقد توصلت أغلب الدراسات إلى أنّ هنالك أزمة بنيوية للفكر والخبرة الإسلامية في تحديد خطوط الاتصال والانفصال بين الدين والدولة، إذ ثمة ميول جارفة لإدخال القيم والمبادئ والأحكام والممارسات الإسلامية في قوانين الدولة وممارساتها، ومن أجل ذلك تبلورت صيغتان: أولاهما، في الإسلام السني المعاصر، حيث هناك حديث كثير عن نظرية الحاكمية (المودودي، وسيد قطب). وثانيتهما، في الإسلام الشيعي، حيث هناك تطبيق دستوري وفعلي لرؤية ولاية الفقيه في إيران.
وهنا يدور الأمر حول ما إذا كان بالإمكان طرح مفهوم للمواطنة يقوم على أساس التوفيق بين مجتمع مؤمن ودولة لا دينية، أي دولة تحترم الدين وتصون الحريات الكاملة لرعاياها المؤمنين لممارسة شعائرهم الدينية، المتعددة والمختلفة والمتباينة، من دون أن تتخلى عن مدنيتها.
وربما تستطيع التيارات والحركات الإسلامية، التي انخرطت في معمعة النضال السياسي الواقعي، تجاوز التجربة التاريخية والتنظير لرؤية إسلامية تعبر عن فكرة ومشروع الدولة، عمادها الإصلاح السياسي وإقامة الحريات العامة والمجتمع المدني الديمقراطي، وإصلاح الفساد الداخلي والتنمية المستدامة.
ومن شأن هذه المراجعة وتواصلها أن تعكسا، من جهة، هموم قطاع كبير من الرأي العام العربي الحريص على القيم الدينية، والمتمسك بها. وتعملا، من جهة ثانية، مع الحركات الاجتماعية والسياسية الأخرى في التوصل إلى الحلول المجدية، لإقامة نظم سياسية عربية تضمن المساواة والعدالة والحريات الفردية لجميع المواطنين.
وقد يكون هذا المدخل في استشراف اتجاه إعادة الحركة الإسلامية لإنتاج نفسها أكثر منطقية وصحة، فهي بحاجة إلى أن تبحث عن تعريف لنفسها يختلف عما كانت عليه طوال العقود الماضية، وهو تعريف يجب أن يكون مستمدا من رؤية لدورها وما تسعى إليه بالفعل، ومن حاجة مجتمعاتنا العربية إلى الانخراط في عصر العولمة بكل تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
المطلوب إذا من الجماعات الإسلامية السياسية أن تكف عن الاستعمال الشعاراتي للإسلام، وأن تبدأ في صوغ النظرية الإسلامية السياسية الناضجة، ولن يكون ذلك إلا من خلال مجموعة من القراءات المعمقة التي يمكن الانطلاق منها وجعلها قاعدة لخطط إصلاحية عملية.
ولاشك أنّ نشوء تيار إسلامي مدني‏،‏ يؤمن بفصل الدين عن الدولة‏،‏ ودعم الدولة المدنية التي ترعى كل الأديان وتصون مقدساتها، وتضمن حقوق كل مكونات مجتمعاتنا،‏ هو أمر بالغ الأهمية في زماننا الصعب الذي لابد فيه من دعم مؤسسات الدولة المدنية القائمة علي مبدأ المساواة في المواطنة‏،‏ وهو أمر بالغ الحيوية والأهمية لتطوير المفاهيم الدينية‏،‏ ولكن بشرط الإيمان بدنيوية الممارسة السياسية‏،‏ ولوازم الدولة المدنية من الديمقراطية الحقيقية والتعددية‏‏ وتداول السلطة‏،‏ واستناد البرامج السياسية إلى أسس مدنية ومعايير عقلانية،‏ بعيدا عن المزايدات الدينية‏ والتدخل في حيوات الناس الشخصية‏.
__________
* كاتب وباحث سوري مقيم في تونس
--------------------------

أهلآ بكم في موقع منظمة حزب الشعب الديمقراطي السوري في ألمانيا

يسعى هذا الموقع إلى نشر مساهمات الكتاب في مختلف المواضيع التي تهم المواطن السوري ويأمل أن يكون جسراً بين الداخل والخارج وأن يساهم في حوار وطني يلتزم باحترام الرأي الآخر ويلتزم القيم الوطنية والديمقراطية وقيم حقوق الإنسان ونتمنى أن يساهم الرفاق والأصدقاء في إغناء هذا الموقع والتواصل معه وشكراً.


المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها فقط


يرجى المراسلة على العنوان التالي

bayad53@gmail.com



Blog-Archiv

منظمة حزب الشعب الديمقراطي السوري في ألمانيا

أهلآ بكم في موقع منظمة حزب الشعب الديمقراطي السوري في ألمانيا