في الستينات من هذا القرن أصبحت الدول العربية العلمانية ، ولكن المستبدة ، ظاهرة عامة تقريباً. وهي المرحلة التي نشهد الآن بداية نهايتها. إن ظاهرة الدولة العلمانية المستبدة بعيدة كل البعد عن واقع التراكم التاريخي والتطور التدريجي الذي يحتفظ بإنجازات الماضي. فأول عملية قطع مع عصر النهضة كانت ظاهرة الاستعمار والتدخل الخارجي، وثاني عملية قطع كانت بروز ظاهرة العسكر واستلام السلطة. الظاهرة التي أطاحت بالنظم الديموقراطية وأسست الدول العلمانية المستبدة. وها نحن نعيش ظاهرة جديدة قد تؤدي إلى قطع جديد مع الدولة العلمانية لقيام دولة دينية. لا يجب أن تطرح المسألة كما تطرح الآن على أساس خيارين ، إما دولة علمانية مستبدة. أو دولة دينية مستبدة ،بل ما يجب طرحه هو ٍخيار الدولة العلمانية الديموقراطية، التي تسمح لجميع القوى السياسية بان تمارس نشاطها وقادرة على استلام السلطة دون الإطاحة بنظام الدولة العلمانية ـ الديموقراطية. إن أي خيار آخر هو إعادة إنتاج لمشكلة الحكم على نحو أصعب. عوائق تحقيق الليبرالية يعود تاريخ نشوء الخطاب الليبرالي العربي إلى مرحلة مبكرة من القرن العشرين، بل قل إن نهاية القرن التاسع عشر شهدت بوادر خطاب ليبرالي في مصر وبلاد الشام. فأسماء كفرح أنطون، د. شبلي شميل ولطفي السيد وطه حسين، أسماء سرعان ما تنقلنا إلى ذلك الخطاب الذي يمتلئ بمفاهيم العقلانية والديموقراطية والحرية والعلمانية مفاهيم شكلت جهاز الليبرالية ومازالت. ولم تشهد أية مرحلة من مراحل الوعي العربي غياب الخطاب الليبرالي، وإنما شهد خبو صوته وبخاصة في مراحل الستينيات حتى الثمانينيات. حين سادت الأيديولوجية الشيوعية والقومية العربية. وبعد أن وصلت هاتان الأيديولوجيتان إلى مأزق شديد أطلت برأسها الأيديولوجيا الإسلامية مكتسحة ولاءات الأكثرية. هنا بالضبط عاد الاتجاه الليبرالي إلى الظهور ولكن هذه المرة لدى عدد من مناصري الأيديولوجية الشيوعية والأيديولوجيا القومية السابقتين، ناهيك عن الميل العام لعدد من المثقفين الذين عاشوا مرحلة الاستبداد ومازالوا يعيشون. لقد استعاد الخطاب الليبرالي الراهن كل أطاريح الليبرالية العربية النهضوية وما بعد النهضوية: الدستور، المواطن، الحرية، الديموقراطية، العقلانية، وأضاف إليها حقوق الإنسان والمجتمع المدني، ليس هنا معرض شرح هذه المفاهيم التي يعج بها الخطاب الليبرالي ذلك أن الموضوع هو البحث عن عوائق تحقق الليبرالية عربياً. تقوم الفرضية الأولى على أن بنية المجتمع العربي نفسها متناقضة مع بنية الخطاب الليبرالي إلى الحد الذي لا يمكن فيه أن تتحقق الليبرالية في بنية كهذه ، فبنية الخطاب الليبرالي لا تتحقق إلا في مجتمع أنتج الخطاب الليبرالي كوعي ذاتي عبر نخبه. والحق أن تاريخ الخطاب الليبرالي في علاقته بالتاريخ الواقعي يدلل على ذلك. أما الفرضية الثانية: فهي أن المجتمعات العربية الآن تنمو في أحشائها بنية جديدة تستدعي الخطاب الليبرالي كخطاب مطابق لها. أولاً : في التناقض بين بنية المجتمع وبنية الخطاب. إن الخطاب الليبرالي جاء مبكراً وينتمي إلى خطاب النهضة العربية، لكنه بالأصل خطاب نخبة تعرفت على العالم الأوروبي وأغراها هذا الخطاب كما أغرتها التجربة غير أن الليبرالية كانت مجرد مشروع مقطوع الجذور عن بنيته الواقعية، إنه مجرد حلم رواد نهضويين صادقين ولكنهم رومانسيون. وفي التجربة الاستعمارية، بدا أن الليبرالية ـ كشكل من أشكال السلطة فقط ـ أخذت طريقها بفضل الاستعمار ذاته. لكن بنية المجتمع العربي كانت تحضر لعالم آخر وتشق طريقاً مختلفاً عن ذلك الطريق، من هنا يتبين لماذا بدأ العالم العربي بعد رحيل الاستعمار التقليدي كارهاً لليبرالية ومصنعاً للانقلابات العسكرية وما شابه ذلك. يتكون المجتمع العربي من بنية طبقية فلاحية وإقطاعية وإن لم تكن المدن في حال من المركزية بحيث تطبع بطابعها المجتمع كله. في بنية طبقة فلاحية وإقطاعية تكون العصبيات عصبيات: قبيلية، مناطقية، طائفية، وما شابه ذلك. ووعي العصبيات لذاتها يحدد وعيها السياسي والثقافي، ولهذا نجد في المجتمع العربي ظاهرتين: 1 ـ ظاهرة تطابق بنية السلطة مع بنية المجتمع وهذا ينطبق على دول الخليج العربي والسعودية. وهذا التطابق لا يعني سوى أن نظام السلطة ـ نظام الحكم متوافق مع بنية المجتمع وعصبياته، ولهذا فالتناقض بالأصل لم يقم بين عصبيات المجتمع وعصبية السلطة الناتجة عن بنية مجتمع تحتل فيه العائلة المشيخية مكانة أساسية. وقد تعامل الغرب مع هذا الواقع تعاملاً صحيحاً بامتياز. لكن سيحدث تناقضاً لاحقاً، سيجري الحديث عنه فيما بعد. 2 ـ ظاهرة النخبة التي تريد أن تخلق بنية سلطة متناقضة مع بنية المجتمع، فعولت على الانقلابات العسكرية وما شابه ذلك، لكنها عادت لتخضع لبنية المجتمع وتعيد العصبيات التقليدية كبلاد الشام والعراق ومصر والمغرب العربي. إن الظن بأن الأيديولوجيا قادرة على خلق عصبية سياسية وثقافية متجاوزة للعصبية الواقعية ـ التقليدية، العائلة، القبيلة، المنطقة، الطائفة ـ ظل ظناً ودلت التجربة التاريخية على هشاشته. والتجربة في هذه البلدان تدل على أن تكسير رأس التاريخ غير ممكن مهما تحولت الإرادة إلى قوة فاعلة. فالواقع الذي لا ينطوي على ممكن قابل للتحقيق ليس بمقدوره أن يولد أي مولود صحيح الجسم. ثانياً: بنية الوعي حدد الشرط التاريخي تكون الوعي بالسلطة في المنطقة العربية عموماً بوصفه وعياً تقليدياً يقوم على ملكية السلطة، وشكلها الأهم، الحاكم والرعية، والمجتمعات التقليدية لا تنتج بالأساس إلا هذا النمط من الوعي. ويدلل على ذلك أمران: الأمر الأول : ظاهرة المشيخة، الملكية، الإمارة. فهذه الأنماط من الحكم والتي تعود إلى نمط واحد هو الوعي بالسلطة بوصفها ملكية لشخص العائلة، وبالتالي فملكية السلطة تؤدي إلى ملكية الأرض ومن عليها وما عليها ومن هنا فقد سادت الملكيات المطلقة، أو المشيخات المطلقة أو الإمارات المطلقة. (دول الخليج والسعودية، المغرب ـ عهد الحسن ـ الأردن). فالحكم المطلق هو شكل من أشكال وعي السلطة القديم، الذي يعود إلى إرث التجربة الإسلامية من العصر الأموي حتى العصر العثماني مروراً بالعصور العباسية المتنوعة.. لقد أسست بنية المجتمعات العربية لمثل هذا الوعي ووقفت وراء استمراره . ولقد جاء الوعي الليبرالي المتناقض مع الوعي المشيخي وعي نخب لم تستطع أن تعمم وعيها لا لعجز في إرادتها بل بسبب واقع أقوى بما لا يقاس من إرادتها. الأمر الثاني: ظاهرة الانقلابات العسكرية: الانقلابات العسكرية هي بالأصل نزوع نحو استلام السلطة ذو خلفية أيديولوجية، ولأن أغلب الانقلابات العسكرية ذات خلفية أيديولوجية قومية ـ اشتراكية فإنها انقضت على التجارب الليبرالية الوليدة في مصر والعراق وسورية والسودان . هذه التجارب التي لم يشتد عودها أصلاً. لكن اللافت للنظر أن التأييد الشعبي لهذه الانقلابات كان ساحقاً. وهذا يدل على أن الوعي الليبرالي لم يتحول إلى وعي شعبي فالتصفيق للبيان الأول وحل البرلمان وتعليق العمل بالدستور تأكيد على ذلك . لكن أغلب الانقلابات العسكرية التي جاءت كتعبير عن أيديولوجيا متجاوزة لليبرالية من جهة وللبنى الاجتماعية التقليدية من جهة ثانية وجدت نفسها مع الأيام تمارس السلطة على أساس البنى التقليدية نفسها. وهذا يؤكد أن الأيديولوجيا المهزومة، أي التي وقفت وراء الانقلاب العسكري، مهزومة من بنية المجتمع أصلاً. فالأيديولوجيات القومية والاشتراكية التي سادت شعبوياً بقيت في مجتمع متأخر تاريخياً. ولهذا ما أن زالت السلطة القومية ـ الاشتراكية في بعض البلدان حتى عاد المجتمع إلى التعبير عن بناه التقليدية. وتجربة اليمن الجنوبي شاهد على ذلك. فما أن بدأ الصراع على السلطة في جمهورية اليمن الديموقراطية حتى تعين هذا الصراع أولاً في تحالفات مناطقية ـ قبيلية دون أي اعتداد بالأيديولوجيا. وحين زالت السلطة سرعان ما عاد المجتمع إلى سيرته الأولى وعاد مفهوم الشيخ وزعيم القبيلة . وهذا الأمر ينطبق جزئياً مع التجربة العراقية، حيث السلطة الحاملة لمشروع دولة حديثة اعتمدت عصبية تقليدية، وما أن زالت حتى عادت العصبية المذهبية إلى الظهور. ما ينتج من العرض السابق ، أن المجتمع المـتأخر تاريخياً لا يستطيع أن يستمرئ بنية فكرية متقدمة تاريخياً. إن الحديث هنا عن تجربة تاريخية ، و فشل تعين الليبرالية عربياً حتى الآن. ولكن الأمر هو في إطار تقويم تجربة مضت ، أما الآن فإن الأمة نعيش حالة جد معقدة. ألا وهي التناقض بين بنية سلطة فقدت ضرورتها التاريخية وتطابقها مع بنية المجتمع وبين مجتمع يتقدم موضوعياً بعلاقة داخلية وبتأثير خارجي ينتج وعياً ليبرالياً بالحياة ككل وبالسلطة على وجه الخصوص. ثالثا : في التناقض بين بنية السلطة وبنية المجتمع: تم الحديث في الفرضية عن تناقض بين بنية المجتمع وبنية الخطاب الليبرالي. ولهذا كان المجتمع عائقاً أساسياً من حيث بنيته الطبقية أو من حيث بنية الوعي أمام تحقق الوعي النخبوي الليبرالي . أما الآن ، تشير الدلائل ، على تناقض بين مجتمع متقدم تاريخياً وبنية سلطة متأخرة تاريخياً. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية ونيل معظم مناطق العرب استقلالها، تتقدم المجتمعات العربية بفعل آلية موضوعية ولكنها بطيئة جداً. هذا البطء في التقدم التاريخي جعل بنية السلطة متطابقة في حالات كثيرة من بنية المجتمع. ولهذا فالتناقض بين بنية السلطة وبنية المجتمع لم يكن تناقضاً حقيقياً بل كان اختلافاً على استلام السلطة. فظلت السلطة منطوية على معنى الملكية. لكن التطور البطيء للمجتمع عبر أكثر من نصف قرن أدى إلى تغيير في بنية المجتمعات العربية طبقياً وعلى مستوى الوعي. وهكذا صار الحال التالي : مجتمع متقدم وسلطة راكدة تاريخية، فالسلطة لاهي راغبة في التلاؤم مع منطق المجتمع وتقدمه، ولا هي قادرة على الاحتفاظ بسلوكها القديم المتوافق مع المجتمع القديم. وهكذا تعيش هذه السلطة مأزقاً تاريخياً كبيراً. فلكي تحتفظ بوجودها في ظل تناقض كهذا يجب أن تستخدم كل أشكال القمع وأهمه القضاء على أي جنين سياسي يظهر في أحشاء المجتمع، لكن فعلها هذا لا يلغي تقدم الوعي وهي غير قادرة مهما أوتيت من قوة إعلامية ومادية أن تصادر تطور الوعي. وهكذا عوضاً عن أن يكون المجتمع في بنيته الطبقية وبنية وعيه عائقاً أمام تحقق الليبرالية . تحولت السلطة ذاتها عائقاً أمام تحقق الليبرالية كوعي اجتماعي. وكمثال صارخ على ذلك هو التجربة السعودية كنموذج أمثل للتجربة في الجزيرة العربية ككل. لقد استولى آل سعود على السلطة في أنحاء السعودية الراهنة بالقوة، وقضوا على حكم شيوخ آل الرشيد وآل هاشم، وحكام عسير ، وأنجزوا وحدة أراض ما كان يمكن أن تنجز لولا القوة. حين آلت السلطة كلها إلى آل سعود كان المجتمع السعودي مجتمعا قبيليا شبه حضري، بدويا، رعويا، زراعيا ، ولا يعرف سوى حكم الأمراء، فكان من الطبيعي أن يؤسس آل سعود مملكتهم ونظام سلطتهم على نظام سلطة عائلة وهذا أمر جد متطابق مع بنية المجتمع المحكوم طبقياً وذهنياً. ولهذا جاءت السلطة ملكية مطلقة ذات نظام عائلي تراتبي، يتعامل مع القبائل الأخرى في صيغة التعامل المشيخي، وبعد استقرار الملك وظهور النفط والثروة الناتجة عنه راحت المملكة العربية السعودية تسير في عملية عصرنة وتحديث للبنية التحتية. ولقد صرفت أموالاً طائلة عبر عشرات السنين على التعليم وبناء الجامعات والمعاهد والوزارات، ثم بدأت تتشكل طبقة مالكة لرأس مال كبير ليس من آل سعود فحسب، بل ومن أوساط مجتمعية متنوعة، فضلاً عن ذلك أن عدداً كبيراً من الوافدين إلى السعودية ساهموا في عملية التطوير حاملين معهم ثقافتهم إلى هذا المجتمع، ثم انتقل العديد من أبناء الفئات المثقفة للدراسة في الخارج وعادوا حاملين شهادات عليا، وبدأت الصناعة ـ رغم ارتباطها بالخارج ـ بتكوين فئات جديدة متعددة. خلق المجتمع الجديد إذا ًطبقات جديدة، تجارية صناعية، وتطور الزراعة خلق عمالا زراعيين، كما خلق فئات جديدة: < مهندسين، مدرسين، أساتذة جامعيين، أطباء، موظفين من كل الأنواع > ، وثمة فئات مثقفة تعمل في الأدب والشعر والفن والفكر عموماً. ونشأت جمعيات ونوادٍ، وانتشرت الصحافة، بكل أنواعها، وصار الكتاب في متناول الجميع، كما أن العالم الخارجي صار حاضراً في عيون أهل المملكة. إذاً ، إن بنية المجتمع تطورت تطوراً إلى حد يمكن أن نقول أنه تطور في قطيعة مع الماضي القريب . هذا التطور هو تطور موضوعي ، لعبت فيه الدولة دوراً أساسيا ً. لكن بنية السلطة ظلت كما هي ، سلطة ملكية ـ عائلية ـ مطلقة. وهذا مما ولد التناقض الذي تم التطرق إليه بين تطور المجتمع الموضوعي وثبات السلطة التي نشأت في بنية مجتمعية ماضية متطابقة مع بنية السلطة الماضية. هذا التناقض عبر عن نفسه الآن في صور متعددة ، أهمها الدعوة إلى الإصلاح ، إصلاح بنية السلطة بما يتطابق مع بنية المجتمع الجديد ، إن الدعوة ببساطة هي شكل من أشكال الليبرالية ذات الخصوصية السعودية : المشاركة في السلطة، حرية أكثر للتعبير، حقوق المرأة ، انتخاب مجالس محلية. ولا تعدم ظهور دعوة لتحويل الملكية إلى ملكية دستورية . والحق إن هناك استجابة سلطوية لمثل هذه الأفكار ولكن إلى الحد الذي لا تنذر فيه الإصلاحات بتخلخل السلطة. وفي المغرب العربي ، وخاصة دولة المغرب كانت الاستجابة أسرع في إيجاد مصالحة بين بنية المجتمع الجديدة وبنية السلطة، ولهذا كانت الإجراءات الليبرالية أهم وهذا لا يعود إلى رغبة السلطة في المغرب وحسب ، بحيث جاءت الإصلاحات أكثر راديكالية من السعودية بل إن المغرب ـ مجتمعا وسلطة - هو في معيار التقدم التاريخي أكثر تطوراً من السعودية. والحق أن كل المجتمعات العربية اليوم تعاني من ذلك التناقض الذي أشير إليه: تطور مجتمع وتخلف سلطة عنه. بحيث صارت السلطة قميصاً أضيق، وفي كثير من الأحيان، مع جسد المجتمع. من هنا تفهم صيحة الإصلاح ومأزقه معاً. فالإصلاح في حقيقته دعوة إلى الليبرالية في السلطة وفي الاقتصاد وفي المجتمع وفي حرية الأفكار والتعبير. والمأزق أن كل سلطة لا تستطيع أن تكون في العلن ضد الإصلاح، ولكن مأزقها هو التالي: كيف لها أن تسير قدماً في عملية الإصلاح مع الحفاظ على ملكيتها للسلطة. وهذا أمر شبه مستحيل، لأن أهم عنصر للبرلة هو نزع فكرة الملكية الشخصية عن السلطة لتتحول إلى عقد اجتماعي. ملاحظة : لقد ورد مبحث الديمقراطية ، هذا ، في المشروع النظري للتيار القومي العربي الذي طرحته اللجنة التحضيرية لتفعيل التيار
يوميات طالب من دمشق... بقلم : محمد علاء عرار
كل هذه الأحداث حقيقية ... و حدث ولا حرج ...
تبدأ الأحداث صباحاً حيث و بعد المحاولات العديدة و الجهود الكبيرة، قد أنجح في النهاية بالاستيقاظ، و لكن الاستيقاظ ليس العقبة الوحيدة فهناك عقبة أخرى أخطر و أصعب من سابقتها.....
ألا وهي النهوض، فكيف لي أن أقوم من سريري الدافئ المريح إلى صقيعٍ يتجمد منه الدماغ !
لا بأس.... فلنكن متفائلين و نفترض أنني استطعت تخطي العقبتين في آن واحد !
لكن الآت ليس بالهين ....
الطريق نحو المجهول ....
أخرج من المنزل في الطريق نحو موقف الحافلة العامة نظراً لأن أجور التسجيل في باص مدرسي مرتفعة , أو لعدم توفر باص مدرسي أساساً ! مما يجعلني مضطراً لاستعمال الباص العام ....
وما أدراك ما الباص العام ؟؟ إذ يجب علي َّ أن أنطلق من المنزل قبل 45 دقيقة على الأقل من موعد بدء الدوام المدرسي كي أتفادى التأخر في حال عدم قدوم الباص في الوقت المناسب , و حتى هذه الاحتياطات كثيراً ما تفشل و أصل متأخراً إلى المدرسة .
أثناء الانتظار :
أنتظر قدوم الباص و أنا على أهبة الاستعداد للبدء بملاحقته فور قدومه ، و نظرات التحدي بين المنتظرين من العامة واضحة حتى قبل قدوم الباص ، و إذ به يأتي فتبدأ الصراعات و الخلافات والمناوشات للحصول على مقعد أو مكان للوقوف أو حتى في أسوء الحالات: الطيران !
و غالبا ما ينهزم الطلاب في هذا التحدّي , إذ أنَّ كل واحد منهم يحمل ضعف وزنه على ظهره وهذا كثيراً ما يسبب للطالب تعثرات و إنزلاقات أثناء الصعود إلى الباص .
الوصول إلى بر الأمان :
و أخيراً و بعد كل هذه الأحداث المفزعة، وصلت إلى بر الأمان, و أنا أتمنى أن أحظى بيومٍ خالٍ من إنقاص العلامات, أو الطرد إلى خارج الصف, أو إجراء امتحان شفهي مفاجئ, و القائمة تطول....
أدخل إلى المدرسة, و لسوء حظّي يبدو أنني متأخر و هذا الأمر يدعو إلى القلق بشأن أحداث مفزعة مقبلة، لا بأس فلنجرب لعلَّ الحظَّ يحالفنا و لو لمرةٍ واحدة ....
- كالعادة - ينقض الموجه عليّ فجأةً, و يدور الحديث ذاته في كل مرة.... و النهاية المأساوية ذاتها !
بداية الدرس :
- كالعادة - يدخل الأستاذ متأخرا خمسة دقائق و يبدأ بشتم و إهانة الطلاب بحجج واهية، فقد يقوم بذلك لمدة نصف ساعة فقط لأن أحد الطلاب لم يقف عند دخوله إلى الصف !!
- حتى أنّ بعض الأساتذة جعل من هذه الطريقة حلاً مثالياً لتضويع الوقت و الارتياح من إعطاء الدرس -
و لكن هل يعي هذا الأستاذ أن عدداً كبيراً من طلاب هذا الصف سوف يغدون أطباء و مهندسين و معلمين، و ليس عليه سوى الإطلاع على نسب هذه الجامعات المملوءة بالطلاب رغم تطلُّب دخول جامعات كهذه مجموع مرتفع، و لو جمع مثله هذا الأستاذ لما مات جدّه !
أثناء الدرس :
- كالعادة – يشرح الأستاذ الدرس بينما نصف طلاب الصف لا يفهم شيئاً مما يقوله الأستاذ و يسرح ذهن النصف الآخر و ينشغل البعض بأعمال الشغب ....
و من كلِّ هؤلاء.... يبقى طالب واحد يتابع الأستاذ ويفهم الألغاز و الأحجيات التي يقولها ، و بعد انتهاء الأستاذ من التكلم من بطنه, يسأل الطلاب أو بالأحرى الطالب : هل فهمتم الدرس؟
فيخيّم الصمت على الجميع و يتكلم الطالب الذي كان يتابع الأستاذ قائلا: نعم، ثم يثني عليه و يجامله! يسعد الأستاذ لسماع ذلك, ثمَّ يفر من الصف قبل أن يسأله أحد الطلاب سؤالا أو يطلب منه إعادة شرح فقرة من الدرس !
في طريق العودة :
و طبعا العودة أيضا تكون بواسطة الباص العمومي ، و لحسن حظي أجد مكانا للجلوس – وهذا أمر يدعو للبهجة و الاحتفال – ثم يضع سائق الباص أجمل الأغاني و الأهازيج الشعبيّة و ينطلق الباص بسرعة 1000 قفزة في الثانية و هي الحد الأدنى للسرعة و الحد الطبيعي هو : 13000 ق.ف.ث و طبعا نحن الأوائل عالميا في هذا المجال !
و في الطريق يتوقف الباص في كل ثانيتين ليحمل فوجاً من الناس حتى يمتلئ الباص تماما و كل شخص واقف يبحث عن أصغر الجالسين سناً ليذهب و يقف فوق رأسه – و غالباً ما يكون الطلاب ضحية هذه الأعمال نظراً لتمييزهم من بين الجالسين بواسطة ألوان اللباس المدرسي المشعة التي تبان حتى في ظلمة الليل – فيبدأ التنازع الداخلي في نفس الجالس بين جعله يجلس مكانه أم يتجاهله و يستمر النزاع في نفسه حتى يصاب الجالس بحالة هستيريا عصبية فيرجو من الواقف الجلوس مكانه من أجل التخلص من هذا النزاع الحاد.
- و قد تحدث أحيانا حوادث سقوط أو انقلاب أو تدحرج لأحد الواقفين بسبب التوقف الفجائي للباص .
* أتمنَّى أن تكونوا قد استمتعتم بالتعرف على يوميَّات طالب من دمشق، بل العديد من طلاب دمشق..
------------------------------------------------
جمال الدين الأفغاني
جمال الدين الأفغاني(إنني كصقر محلق يرى فضاء هذا العالم الفسيح ضيقًا لطيرانه!! وإنني لأتعجب منكم، إذ تريدون أن تحبسوني في هذا القفص الصغير).
في قرية (أسعد آباد) إحدى القرى التابعة لكابل عاصمة (أفغانستان) حاليًا، ولد (محمد جمال الدين بن السيد صَفْدَر) سنة 1254هـ/1838م، وينتهي نسبه إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعرف بجمال الدين الأفغاني نسبة إلى بلده (أفغانستان).انتقل مع والده الذي كان يعمل مدرسًا في (كابل) وهو في الثامنة من عمره، فلفت أنظار من حوله بذكائه الشديد، مما جعل والده يحفزه إلى التعلم قائلاً له: (لقد آن لك أن تتعلم يا جمال).وأسرع جمال الدين يتلقى العلم في منزله حتى بلغ سن العاشرة، فحفظ القرآن الكريم، وعكف على دراسة اللغة العربية، وظهر حبه الشديد للمناقشة في المسائل الدينية، وقرأ في اللغة والأدب والتاريخ والتصوف والشريعة، كما برزت هوايته للرحلات والأسفار.وفي سنة 1264هـ/1848م ألحقه والده بمدرسة (قزوين) التي كان يعمل بها، ومكث بها عامين، وفي تلك الفترة ظهر اهتمامه الكبير بدراسة العلوم، فكان يصعد إلى سطح المنزل يتأمل النجوم ويحاول دراستها!! وعندما انتشر مرض الطاعون بقزوين، حاول دراسة أجساد الموتى، رغبة منه في الوصول إلى أسرار المرض وأسبابه، فخاف والده عليه، فانتقل به إلى طهران أوائل سنة 1266هـ/1849م.
وفي طهران سأل جمال الدين عن أكبر علمائها في ذلك الوقت، فقيل له: إنه (أقاسيد صادق) فتوجه مباشرة إلى مجلسه، فوجده جالسًا بين طلابه يقرأ كتابًا عربيًّا، ويشرح إحدى المسائل العلمية، ولاحظ جمال الدين أنه قد شرحها شرحًا موجزًا، فطلب منه أن يعيد شرحها بصورة أكثر تفصيلاً حتى يتفهمها الجميع، فتعجب الشيخ من جرأته وفضوله، ولكن جمال الدين أجابه بأن طلب العلم لا فضول فيه، ثم قرأ جمال الدين المسألة وفسرها، فتحرك الشيخ من مكانه، وأقبل عليه وضمه إلى صدره وقبله، ثم أرسل إلى والده يستدعيه، وأمره أن يشتري لجمال عباءة وعمامة، ثم قام الشيخ بلف العمامة ووضعها بيده فوق رأس جمال الدين تكريمًا له، واعتزازًا بعلمه.ثم ترك جمال الدين طهران، وسافر مع والده إلى النجف بالعراق في نفس العام، ومكث فيها أربع سنوات درس فيها العلوم الإسلامية وغيرها، فدرس التفسير والحديث والفلسفة والمنطق وعلم الكلام وأصول الفقه والرياضة والطب والتشريح والنجوم .. وغير ذلك من العلوم.وفي الثامنة عشرة من عمره، سافر إلى الهند، ومكث بها سنة وبضعة أشهر درس خلالها العلوم الرياضية، ثم سافر إلى مكة المكرمة سنة 1273هـ/ 1857م، فأدى فريضة الحج، ثم عاد إلى بلده أفغانستان مرة أخرى، وعمل بالحكومة، وكان عمره حينئذ 27 عامًا ووصل إلى درجة كبير الوزراء في عهد الملك (محمد أعظم) الذي نال تأييد الأفغاني، ولكن الملك (محمد أعظم) خُلع، وتولى أخوه (شير علي).ونظر جمال الدين في أمر نفسه فوجد أن الأفضل له أن يغادر البلاد وبالفعل سافر إلى الهند، وكان ذلك سنة 1285هـ/1868م، وفي الهند استقبله الناس استقبالا حسنًا، لكن الحكومة الهندية خافت من وجوده، فطلبت منه ألا يقيم في الهند طويلاً، ولا يجتمع بالعلماء وأفراد الشعب، حتى لا يشعل نار الثورة، وأجبروه على ترك الهند وقبل أن يغادرها قال لأهلها: (يا أهل الهند، لو كنتم وأنتم مئات الملايين من الهنود وقد مسخكم الله فجعل كلا منكم سلحفاة، وخضتم البحر، وأحطتم بجزيرة بريطانيا العظمي لجررتموها إلى القعر وعدتم إلى الهند أحرارًا) فلما انتهى من كلامه تساقطت دموع الحاضرين، فصاح فيهم بصوت عال صيحة قال فيها: (اعلموا أن البكاء للنساء، لا حياة لقوم لا يستقبلون الموت في سبيل الاستقلال بثغر باسم).وبعد إقامة لم تزد عن شهر واحد،توجه بعدها إلى مصر سنة 1869م فأقام فيها مدة قصيرة لا تزيد عن أربعين يومًا، تردد خلالها على الأزهر منارة العلم، وجاءه الكثيرون يطلبون علمه، واشتهر (جمال الدين) وأصبحت له مكانة عالية بين العلماء جعلت السلطان العثماني (عبد العزيز) يدعوه إلى زيارة (الدولة العثمانية) فأجاب جمال الدعوة، وسافر إلى (استنبول) فرحب به السلطان خير ترحيب، وأكرمه رجال الدولة من العلماء والأدباء والأعيان.ولم تمضِ ستة شهور حتى عينه السلطان عضوًا في مجلس المعارف، لكن أعداءه شنعوا عليه، مما جعله يغادر البلاد متوجهًا إلى مصر مرة أخرى، وكان ذلك سنة 1286هـ/1871م، أي في زمن الخديوي إسماعيل، وفي مصر رأى ظلم الحكام وجورهم، ووجد نظام الحكم نظامًا استبداديًّا لا تنفذ فيه إلا إرادة الحاكم، كما وجد الخرافات منتشرة في أماكن كثيرة من أرض مصر، فتذكر العهد الذي أخذه على نفسه، فأخذ يدعو الناس إلى الإسلام الصحيح، ويبصرهم بحقوقهم وواجباتهم، مبينًا لهم أن الشعب مصدر القوة، فقال لهم:(هبوا من غفلتكم، اصحوا من سكرتكم، انفضوا عنكم الغباوة وشقوا صدور المستبدين لكم كما تشقون أرضكم بمحاريثكم، عيشوا كباقي الأمم أحرارًا سعداء، وموتوا مأجورين شهداء).وعندما وجد الفلاحين المصريين يُضربون بالكرباج، والضرائب تفرض عليهم بما لا يقدرون عليه قال: (أنت أيها الفلاح.. يامن تشق الأرض لتستنبت فيها ما تسد به الرمق.. لماذا لا تشق قلب ظالمك؟! لماذا لا تشق قلب الذين يأكلون ثمرة أتعابك؟!).وفي مصر، تآمر عليه أعداؤه من الإنجليز وبعض الجاحدين في الفكر فلم يتركوه يسير في طريق الإصلاح، فوشوا به عند الخديوي (توفيق) الذي أمر بنفيه إلى الهند، وبقي في الهند ثلاث سنوات، ثم تركها إلى أوربا، فزار لندن، ثم انتقل إلى باريس، ومن هناك استدعى تلميذه (محمد عبده) ليحضر إليه، فأصدرا معًا جريدة (العروة الوثقى) التي كانت تدعو المسلمين إلى الوحدة الإسلامية، حتى إنه قام بتأسيس جبهة إسلامية عالمية أطلق عليها (أم القرى) كما نشر (جمال الدين الأفغاني) أفكاره السياسية التي كان يحارب فيها تدخل الدول الغربية في شئون الأمم الإسلامية.وظل جمال الدين ينتقل في أوربا بين باريس ولندن، ويتصل بالعلماء والكتاب ورجال السياسية، إلى أن دعاه الشاه (ناصر الدين) إلى إيران فسافر إليها في 16 شعبان سنة 1303هـ (20 مايو سنة 1886م) واستقبله الشاه في حفاوة بالغة، وجعله مستشاره الخاص في إصلاح شئون بلاده، والتف حوله الإيرانيون لأنهم وجدوا لديه علمًا غزيرًا وإلمامًا بشئون السياسة والحياة والعلوم الحديثة، فبلغ مكانة عالية مما جعل الشاه خاف من التفاف الناس حوله، وأحس (جمال الدين) بذلك فاستأذنه في السفر، فغادر إيران إلى روسيا ومكث بها أربع سنوات، والتقي بالقيصر الذي لم يسترح للقاء هذا المصلح الذي يهاجم الأباطرة والملوك، فطلب من حاشيته إبعاده من روسيا.ترك جمال الدين روسيا وأخذ يتجول في أوربا ، فزار باريس ثم توجه إلى (ميونيخ) حيث التقى بالشاه ناصر الدين الذي طلب منه العودة إلى إيران، فعاد برفقته في سنة 1305هـ/1889م ليواصل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولكن الشاه عاد فغضب عليه وطرده شر طردة.وفي سنة 1308هـ/1892م ذهب (جمال الدين الأفغاني) إلى لندن مرة أخرى، وفي أثناء وجوده هناك أخذ يهاجم الشاه والاستبداد، فأرسل إليه السلطان (عبد الحميد) في الحضور إلى الأستانة، فقبل وسافر إليها حوالي سنة 1309هـ/1893م، فأكرمه السلطان، ثم ما لبث أن ساءت العلاقات بينهما بفعل الواشين.لقد وهب جمال الدين الأفغاني نفسه وحياته في سبيل إيقاظ العالم الإسلامي، وتوحيد كلمة الإسلام والمسلمين، وإزالة الفوارق بينهم، وكان أول مسلم شعر بخطر السيطرة الغربية المنتشرة في الشرق الإسلامي، وما سينزل ببلاد المسلمين من المصائب إذا استمروا خاضعين للدول الاستعمارية، فكان لا يمل من الكلام عما ينير العقل، ويطهر العقيدة، ويبصر الناس بمالهم من حقوق وما عليهم من واجبات، ومن أجل ذلك قال كلمته المشهورة: (الشرق .. الشرق.. لقد خصصت جهاز دماغي لتشخيص دائه).ومن مؤلفاته: (تتمة البيان في تاريخ الأفغان)، و(الرد على الدهريين) و(القضاء والقدر).. وغير ذلك، مرض جمال الدين وهو في الأستانة وظهر في فمه مرض السرطان ، فأُجرِيَت له عملية جراحية ، لكنها لم تنجح ، ثم ما لبث إلا أيامًا حتى فاضت روحه في صبيحة يوم الثلاثاء 9 من مارس سنة 1897م، وظل قبره هناك في تركيا إلى أن نُقِلَ رفاته إلى أفغانستان سنة 1944م
---------------------------------------
حوار هادىء مع عضو القيادة القطرية السابق لحزب البعث الرفيق علي جمالو
اثارت المقالتين اللتين كتبهما الرفيق علي جمالو - عضو المؤتمر القطري العاشر للحزب المنعقد بتاريخ 6 حزيران 2005 – جدالاً ولغطاً كبيراً بين الأوساط الحزبية وخاصة في وسط القيادة القطرية التي اعتبرتها أن هناك جهة ما من أركان النظام قد طلبت منه ان يكتب هذه المقالات لإرسال رسالة قوية للقيادة القطرية الحالية عن سوء أدائها .وسأحاول رفيق علي أن أحاور بعض الافكار التي وردت في مقالتيك علماً أن الثانية منهما قد ذيلتها بجملة (وللحديث صلة ) ولكن يبدو أن أمراً ما قد حصل ومنعك من متابعة الكتابة في هذه المواضيع ؟.ذكرت التالي عن مستوى أداء القيادة القطرية الحالية : (( قلنا ارتباكا في الملفات الداخلية وغياب عن الملفات الخارجية فماذا عن مقررات وتوصيات المؤتمر..؟ ولماذا لم تشرح لنا القيادة الحزبية ماذا فعلت حتى تاريخه بمقررات وتوصيات المؤتمر )) .تتحدث يا رفيق علي وكأن القيادة القطرية هي مالكة قرار نفسها ؟, وأنت تعلم كيف يتم اختيارها وكيف يتم ما يسمى انتخابها , لقد شاهدت بنفسك في المؤتمر كيف تم تفويض الأمين القطري باختيار اعضاء اللجنة المركزية للحزب ومن ثم إنتقاء أعضاء القيادة القطرية من بينهم بمعنى أنه ليس لأعضاء المؤتمر أي دور او قدرة على اختيار ممثليهم في القيادة بل يقوم الأمين القطري للحزب ومن خلال تقارير أجهزته الأمنية بتعيين أولئك الأشخاص وفقاً لحسابات الدين والمناطق والعشائر والاثنيات والأهم في القيادات التي اختارها الرئيس بشار هو الولاء للاجهزة الأمنية وهو ما أدى لاختيار هذه الشخصيات المهزوزة الضعيفة التي قلت عنها ما قلت عن غيابها وارتباكها وتخلفها .وأنت تعلم أن القيادة السابقة التي شكلت عقب المؤتمر القطري التاسع قد شكلها اللواء الدكتور بهجت سليمان وتم اختيار افرادها فقط بسبب ولائهم للرئيس بشار الذي لم يكن قد انتخب رئيساً للجمهورية بعد لذلك عندما جاء استحقاق مجلس الشعب السابق لم يستطع انتقاء أي شخص منهم كرئيس لمجلس الشعب رغم كون الرفيقين عبد القادر قدورة ود.محمد فاروق ابو الشامات عضوين في مجلس الشعب وقام الرئيس باختيار ترشيح اللواء غازي كنعان وكان حينها رئيساً لجهاز الأمن السياسي الرفيق د.محمود الأبرش وقد أعلمني بجلسة خاصة أن الرئيس حينها أرسل له سيارة من القصر الجمهوري و استمر اللقاء ثلاث ساعات من اجل التعرف عليه وفي نهاية الجلسة وافق على الترشيح وتم تعيينه رئيساً لمجلس الشعب وهو ما صرح به الدكتور الأبرش للصحفيين اللبنانيين بدون حصافة بعد تعيينه ونشرته الصحف اللبنانية كعنوان بارز " لقد تم تعييني من الرئيس بشار الأسد " .أما القيادة الحالية فقد اختارها اللواء الدكتور آصف شوكت لذلك فهو يعتبر المرجع لكل أعضائها البارزين , وبالتالي لا يمكن لوم أعضاء القيادة الحاليين على سوء اختيار أعضاء مجلس الشعب -كما ذكرت في مقالتك - لأن من اختار وانتقى أعضاء مجلس الشعب هو اللواء اصف شوكت وليس هم .لذلك الارتباك بالملفات الداخلية لا يعود إلى ضعف أو قلة كفاءة جميع أعضاء القيادة كما تريد أن توحي بل يعود إلى عدم وجود أي صلاحية للقيادة باتخاذ أي اجراء في الشأن الداخلي وعدم إمكانيتنا عقد جلسة خاصة لمناقشة مواضيع مهمة في الشأن الداخلي إذ لم نتمكن من عقد أي جلسة تحت رئاسة الدكتور سليمان القداح ورغم اقتراحاتي المتكررة له عن موضوع القضية الكردية أو ازدياد التطرف الإسلامي أو الهجرة المنظمة للاشوريون من محافظة الحسكة في أواخر الثمانينات إذ كانت الإجابة دائماً أن هذه القضايا ليست مسموحة لنا ولا نريد ان نفتح الباب على حالنا وهذا الأمر مازال سارياً حتى الآن وتحت قيادة الرفيق ابو سعيد بخيتان مما يؤكد بأنه ليس إجراء شخصي بل سياسة النظام الحاكم .أما الغياب عن الملفات الخارجية فأنت تعلم أن التعاطي بالشأن والسياسة الخارجية محصور بشخص الرئيس حيث يفوض نائبه أو وزير الخارجية ببعض المهام أما بخصوص الإعلام الخارجي والسفارات فهي تحت إشراف الأجهزة الأمنية بشكل مباشر وليس لنا أي سلطة عليها لذلك فالدراسة التي قدمتها أنت يا رفيق حول تفعيل الإعلام الخارجي وإنشاء مكتب للإعلام في واشنطن على غرار لندن وكذلك إصدار صحيفة بالإنكليزية توزع لأصحاب القرار في الخارج وكذلك فضائية خاصة لنقل وجهة نظرنا السياسية كلها انتهت بدون نتيجة وبدون جواب كما ذكرت انت نفسك والسبب بسيط لأنه ليس لديهم الصلاحية لمناقشة هذه المواضيع ولسبب آخر تعرفه ولكنك لم تذكره وهو تضارب آراء الأجهزة الأمنية في تقييم ولاءك فبعضها يعتبرك مقرباً وجديراً بالثقة ويستقبلك ويقوم بإيفادك بينما بعضها الآخر يجدك انتهازياً غير جدير بالثقة وتبحث عن المنفعة الشخصية .اما بالنسبة لقولك (( هل استخدمت القيادة الحزبية طريقة جديدة لرفع الغبن عن البعض ممن نكلت بهم القيادة السابقة ام انها استعادت ذات الطريقة في الاقصاء والاستنسابية .. الطريقة المسجلة باسم عبد الحليم خدام وشركاه )) فهذا القول فيه الكثير من التجني علينا لأننا كما ذكرت لك ليس لدينا السيطرة الكاملة على عملية اختيار ممثلي الحزب في مجلس الشعب فمعظمها يتم ترشيحه من الاجهزة الأمنية ويتم طرحه في الاجتماع الذي يخصص لاختيار ممثلي الحزب في كل محافظة عبر الامين القطري المساعد ونعرف مباشرة ان هذه الاسماء قد أتته من جهات وصائية في النظام و يبقى عدد من الكراسي يمكن لنا ان نطرح من خلالها اسماء من نرشحهم أو ترشحهم اللجنة القطرية التي تشكل عادة لكل محافظة وتسافر إلى هناك لمقابلة وترشيح الرفاق فيها , اما بالنسبة لقولك أن طريقة الاقصاء هذه مسجلة باسم الرفيق خدام وشركاه فانت تعرف ومتاكد بأنه لم يكن له أي دور في اختيار أي عضو في مجلس الشعب السابق الذي تم في آذار 2003 ومن الطبيعي ليس في هذا الدور الذي يتكرر فيه نفس هذه المظاهر السلبية جداً مما يعني أنه ليس لأحد من القيادة القطرية – أي قيادة قطرية – دور في ذلك بل المشكلة الأساسية في راس النظام وهو رئيس الجمهورية الذي يسلط الأجهزة والمؤسسات القريبة منه وأفراد عائلته للتدخل في مثل هذه العمليات وبالتالي تنتج هذه التناقضات حيث يحسب على كل واحد منهم عدة اعضاء في مجلس الشعب .اما بالنسبة لقولك أن (( مظاهرة مرة باسم الفعاليات الاقتصادية ومرة باسم اخر ..وبدت القيادة الحزبية وكأنها خارج التغطية ..)) فهذا صحيح تماماً والقيادة حاولت تحريك الشارع عبر تظاهرات ولكنها كما عرفت منعت من ذلك لأن الحقيقة أن الرئيس يريد تحييد حزب البعث عن العلاقة بالجماهير نهائياً تمهيداً لإضعافه وتهميشه كما أشرت في مقالتي الأولى لذلك تم إقامة التظاهرات باسم الفعاليات الاقتصادية وهو نفس الامر الذي تكرر في استفتاء رئاسة الجمهورية حيث لم يوجد علم البعث ولا شعاراته ولا أي تواجد وكانت كل الحفلات الفنية تنظم تحت اسم الفعاليات الاقتصادية .أما بالنسبة لقولك ((لماذا لم تشرح لنا القيادة الحزبية ماذا فعلت حتى تاريخه بمقررات وتوصيات المؤتمر ... اين اصبح قانون الاحزاب ؟ ..في اي جارور ينتظر قانون الصحافة وماذا عن اقتصاد السوق الاجتماعي )) , هل تعتقد رفيق علي أننا اصحاب قرار في إصدار قانون للاحزاب ؟ , ألا تعلم أن القيادة السابقة قد شكلت لجاناً عدة لدراسة كل القضايا التي طرحتها ووضعت من بين أعضائها أشخاصاً من خارج جهازنا الحزبي وحتى من المعارضين كميشال كيلو ووضعت مشاريع لتلك القوانين ولكن قرار الرئيس كان بتجميدها بناءاً على توصيات الأجهزة الأمنية .أما بالنسبة لاقتصاد السوق الاجتماعي فهذا الموضوع بيد الرئيس شخصياً علماً ان القيادة السابقة وفي تقريرها الأولي الذي أعده رئيس اللجنة الاقتصادية التي أعدت التقرير للمؤتمر وهو الرفيق الدكتور محمد الحسين – رئيس المكتب الاقتصادي القطري – كانت ضد هذا التوجه بهذه السرعة نحو اقتصاد السوق الذي ورد في اقتراح رئيس هيئة تخطيط الدولة حينها عبد الله الدردري , وهو الامر الذي امر به الرئيس لاحقاً من خلال تعيينه عبد الله الدردري كنائب لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وأمر كذلك بانهاء تدخل الحزب بالموضوع الاقتصادي بالبلاد من خلال إغلاقه للمكتب الاقتصادي في القيادة القطرية حيث تم الحاقه بمكتب الأمانة و أنت تعرف شخصياً مستوى المعرفة الاقتصادية لرفيقنا ابو سعيد بخيتان .أما بالنسبة لقولك ((وللتاريخ فقط نذكر ان الرئيس وحده واكرر وحده كان يعيد تنظيم الرأي العام داخل البلاد وخارجها بكلمة او تصريح او مقابلة من وقت الى اخر )) فهذا بالضبط ما يريده الرئيس إذ أنه لا يسمح لأعضاء القيادة باتخاذ أي إجراء أو تواصل إعلامي أو جماهيري يمكن أن يزيد شعبتهم وعلاقاتهم واحترامهم بين الرفاق الحزبيين وبين جماهير شعبنا إذ أن لديه رعب أن يقوم بعض أعضاء القيادة بالانشقاق عن الحزب بعد أن أصبح أداة لهذا النظام الأسري تقوده مجموعة وكأنه أحد ممتلكات الأسرة .وأؤكد لك يا رفيق علي أن أخطر ما يخشاه النظام هو وجود مسؤول يحظى باحترام شعبي لذلك اتحداك أن تعدد اسم مسؤول حالي أو سابق تحت ظل بشار الأسد يحظى باحترام جماهيري إذ أن هذا الأمر ممنوع , حيث أن اختيار المسؤولين يتم لأشخاص فاسدين أو مدانين بملفات جاهزة ليتم كشفها في حالة أراد ذلك المسؤول تحدي أو رفض قرار ما من أي من أركان النظام , كما يمنع أيضا أن يكتسب أي مسؤول احترام أو شعبية أثناء فترة عمله وإذا ما نجح في ذلك فإنه لا بد من اختراع قضية وتلفيقها له من أجل بهدلته كما حصل مع السيد د.عصام الزعيم وحتى مع الرفيق فاروق الشرع وأنت تعرف الهجوم العنيف الذي شنيته أنت شخصياً عليه والبعض يقول بأنه بطلب من قبل بعض أركان النظام لإضعاف شعبيته واحترام الناس له قبل تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية وكنت أنت شخصياً بعد أن استقبلك في مكتبه في وزارة الخارجية قد أكدت بانك تفهمت ما يطرحه ولن تعود لشن مثل هذا الهجوم غير المبرر وغير المنطقي ولكن ما حصل كان عكس ذلك مما يعني أن هناك قوة خفية هي من تدير هذا المشهد ؟.أتمنى رفيق علي أن تحصر ردك علي بما ذكر في المقال وليس بهجوم شخصي علي وعلى صفاتي حيث ساوافقك سلفاً على كل ما ستقوله عني كي ترتاح وتنتقل لمناقشة ما طرحته وشكرا لتفهمكم .
عضو قيادة قطرية سابق ..شفاف سوريا
---------------------------------