في المشهد الفلسطيني محمود جلبوط
لا يختلف المشهد الفلسطيني عن أمثاله من المشاهد العربية الأخرى المجاورة , في لبنان وسورية والعراق وغيرها , إلا في التفاصيل , فالوضع يظهر لنا في هذه المشاهد مجتمعة كما أرادوا لها , وكأن إعصار هائج مع رياح عاتية هبت على المنطقة , فدخلت في ظروف طارئة , تجر الجميع يلهثون وراءها , كأنها سفن انفكت عن مراسيها , تلعب بها الريح لا يهديها نجم أو خارطة , ولا يتحكم في سيرها دفة قبطان , هذا ما خططت له قوى الطغيان الاستعماري الامبريالي العسكري لها في ظل سياسة „الفوضى الخلاقة“ التي اعتمدها صيغة عالمية وبالخصوص للمنطقة العربية التي سمتها „الشرق المتوسط الكبير“ أو „الجديد“ , بسبب ما تحتويه من أكبر احتياط استراتيجي للطاقة للمرحلة المقبلة و“ إسرائيل“. فما هي أوجه التشابه وما هي هذه التفاصيل؟؟ما يشترك الكيان الصهيوني به مع الكيانات العربية الأخرى عدا الجغرافيا هو أنه كان مثلها نتاجا لإتفاقيات „سايكس بيكو“ التي قسمت تركة الرجل المريض آنذاك (تركيا) فيما بين القوتين الاستعماريتين العظميين حينها , بريطانيا العظمى وفرنسا , مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق الجوهري أنه ككيان استعماري استيطاني عنصري أقيم على جثث مساكين معتنقي الديانة اليهودية جلبوا من أوطانهم الأوربية وروسيا(ولحق بهم فيما بعد المجموعات اليهودية العربية نتيجة السياسات الشوفونية الدينية للمنطقة كرد فعل لقيام الكيان اليهودي ومن خلال سياسات موجهة أغلب الأحيان) بتضليل ايديولوجية خرافية عنصرية انتجت خصيصا لخدمة الامبريالية الاحتكارية العالمية وبالترابط معها وللقيام بوظيفة محددة يكلف بها على حساب شعب يسكن المنطقة منذ آلاف السنين لا يني هذا الكيان منذ إنشائه يسعى لإبادته ومحو هويته العربية عبر القتل الجماعي أو الفردي والتجويع والحصار والتهجير و الأسرلة .اتبع قادة الكيان الصهيوني العنصري المجيش مع سكان كيانه سياسة ليست بعيدة عما اتبعته الأنظمة العربية العسكرية مع سكان الكيانات العربية , فلقد أضفى الصبغة الدينية على كيانه , واعتبره وطنا يهوديا , ومارس طغيانا رهيبا على من تبقى من الفلسطينيين الذين تشبثوا بأرضهم (سكان 48 وسكان 67 ) , ومارس ضدهم تمييزا عنصريا بالنسبة للعنصر اليهودي بشكل عام الذي كان بدوره يعاني من تمييز من نوع آخر بين فئاته(اشكناز وسفرديم , يهود غربيين ويهود شرقيين...إلخ), واتبع سياسة تفتيت اجتماعي بحق المجتمع الفلسطيني لمنعه من التوحد في مواجهته ولحرف الصراع الحقيقي عن محوره , فما اعترف به كلا واحدا وعلى أساس الحقوق المتساوية من المواطنة بل كانوا بالنسبة له , دروزا , مسيحيين , بدو , مسلمين , بهائيين ...إلخ , (وحتى عندما هيأ هذا العدو الظروف الموضوعية لقيام حماس كتنظيم إسلامي وغيرها مابين العقدين السابع والثامن من القرن الماضي في الأراضي الفلسطينية التي يسيطر عليها بشقيها 48 و67 , لم يقم بهذا إلا لكي تكون تنظيما بديلا لمنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تمثل وطنا وجدانيا للتجمعات الفلسطينية الميأسة , أو لأي تنظيم وطني واسع يحتضن أبناء الوطن بكل فئاته بعيدا عن الانتماء الديني وفق سياسة القيادة البديلة التي تبنتها لسكان خلف وأمام الخط الأخضر , ولكي يهيء لصدام فلسطيني فلسطيني , كان آخرها الصدام الفلسطيني الذي يجري كأحد أوجهه هذه الأيام , يشبه بهذا تماما بما قامت وتقوم به معظم الأنظمة العربية العسكرية الشمولية من ضرب للقوى الديموقراطية واللبرالية واليسارية عندما تقوى في حدود كياناتها عبر تنشيط القوى الإسلامية المحافظة والتكفيرية للتصدى لهم ككفار ومستوردي الأفكار الأجنبية).وانسجاما مع منطق التاريخ لم يستسلم الفلسطينيون للطغيان وللظلم ولكل ما اتبع ضدهم من سياسات ومؤامرات استعمارية فقاوموا , ولكن كيف قاوموا , هنا تقبع المشكلة المتكررة والمعاد إنتاجها لدى حركة التحرر الوطنية الفلسطينية وشقيقاتها العربيات منذ انطلاقتهم ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي وإلى الآن .إن التهيب الذي يسيطر على المرء عند قيامه بمحاولة تقييم حركة التحرر الوطني الفلسطيني هو الذي منع ومازال إلا فيما ندر من دراستها موضوعيا بشكل يفيد القضية بشكل جوهري , وذلك للهالة من القدسية التي أضفيت على هذه الثورة نتيجة التعاطف الشعبي العربي العارم معها منذ انطلاقتها في العصر الحديث ستينيات القرن الماضي إثر نكسة حزيران 67 .فمن أين أتتها هذه الهالة من القدسية؟لم تختلف ظروف ووسائل ومفاهيم المقاومة الفلسطينية عن مثيلاتها العربيات في مرحلة الاستعمار البريطاني والفرنسي للمنطقة عدا ما تميزت عنها من خطورة ما كان مخططا لها كأراضي وتاريخ وتراث من قبل قوى الاحتكار العالمي آنذاك بقيادة الامبريالية البريطانية لجعلها رأس حربته المستقبلية في المنطقة على تخوم حقول النفط المكتشف حديثا بعد انسحابها العسكري منها , ولأهميتها في مركز منطقة عقدة مواصلات التجارة العالمية وخاصة بعد شق قناة السويس بعرق المصريين وجثثهم , وبالتالي جعلها سوقا كولونياليا لها تنهب موادها الخام وثرواتها الطبيعية وتسوق فيها بضائعها ومنتوجاتها الاستهلاكية لتجني الأرباح الهائلة , وذلك من خلال التخطيط لإقامة كيان غريب فيها من يهود كانوا يضطهدونهم في بلادهم بل نفذوا فيهم المجازر والمحارق غير عابئين بالتضحية بهم في خضم حروب متكررة مع سكان المنطقة الأصليين ليحولوا دون قيام دولة واحدة قوية فيها إن توفرت الظروف , لها من الإمكانيات و من مقومات القوة الكثير .صبغت بدايات المقاومة بالتحركات الشعبية والحركات المسلحة الغير منظمة إلا فيما ندر , وافتقرت لأي برنامج ثوري أو وضوح رؤية سوى الاعتماد على التهويش العاطفي القومي والديني , منساقين في معظم مراحل الصراع دون دراية لخوضه مع القوى الامبريالية ومع الكيان الصهيوني بنفس أدوات العدو بل بمفاهيمه .إن ما ينطبق على حركة التحرر العربية وغير العربية في المنطقة ينسحب على حركة التحرر الوطنية الفلسطينية لأنها جزء لا يتجزء منها ولا يفصلها عنها سوى أنها تعبير محلي صغير عنها في مواجهة تعبير محلي عن الاحتكار العالمي تمثل بالكيان الصهيوني المقام على أساس هذه الوظيفة الاحتكارية العالمية المعينة والمحددة , رغم كل المحاولات التي بذلتها وتبذلها كل من القيادات الكومبرادور البورجوازي العربي وغير العربي والكمبرادور الفلسطيني المحلي , عبر التمويه الأيديولوجي الذي دعت إليه للفصل بين أطر الحركة الواحدة والفصل بين مهماتها(بل الاكتفاء أحيانا بإقامة كيان فلسطيني على غزة فقط أو اعتبار الكيان الأردني هو الكيان الفلسطيني المحقق, وكليهما انسجاما مع الطرح الصهيوني) , في الوقت الذي يصر الطرف الآخر الامبريالي يوميا على عدم الفصل بينه وبين هذا الكيان العنصري من خلال تبنيه ورعايته له ولأمنه من عتاد عسكري وتقني وبشري وحتى للقمة جنوده بل وخوض حروب عنه كان ضحاياها إلى جانب ضحايا سكان المنطقة من مواطني ودافعي ضرائب هذه الدول الاحتكارية لحمايته وتثبيت وجوده في مواجهة أي تهديد له في المنطقة عربيا كان أو كرديا أو إيرانيا أو تركيا أو إسلاميا , لادراكه لأهميته كقاعدة متقدمة له في إخضاع شعوب المنطقة لسياساته الاستعمارية , ولحماية نهبه لخيراته .نعم , كما أنه لا انفصام لعرى العلاقة بين الكيان الصهيوني والامبريالية العالمية بل إنه يعتبره عصاه التي يهش بها على المنطقة , أنظمة وشعوبا , لتخويفها ولتطويعها(بالرغم من بعض التفارقات بين الايديولوجية الصهيونية والامبريالية) , فإنه بالمقابل لا انفصال بين فصائل التحرر العربي ولا لمهامها , والصراع مع الكيان الصهيوني هو إحدى تمظهر الصراع مع الامبريالية العالمية , والمشكلة الفلسطينية هي بالتالي من إشكاليات القضايا العربية بل قضايا المنطقة كلها وشعوبها . دون الدخول في التفاصيل التاريخية لتطور ومسيرة حركة التحرر العربية والفلسطينية انطلاقا من أواسط الستينات تاريخ انطلاق الثورة الفلسطينية الحديثة بقيادة فتح ولغاية الحكم الإداري في سياق ما توصل إليه من اتفاقيات مع العدو كان آخرها „أوسلو“ , بالرغم من أهمية هذا كخلفية لفهم ما يجري هذه الأيام من أحداث , وإثر حصول حركة حماس على الأكثرية النيابية في المجلس التشريعي والبلديات صوت لها الشعب نكاية بفتح بسبب الفساد الذي ترعاه قياداتها والتنازلات المجانية على مستوى الثوابت الوطنية التي قدمتها للعدو من أرض الوطن التاريخية ومن حق اللاجئين الذين طردوا منه بالعودة إلى ديارهم , وسياسة المساومات والعهر السياسي بالتنسيق مع كل الكومبرادور العربي المحيط , وأيضا وينبغي عدم إغفال هذا , بسبب تجييش المنطقة على أسس دينية لاغية للعقل وللآخر وبكل التراكيب الاجتماعية الماقبل مدنية في مواجهة الشحن الذي يجري في الكيان على أسس يهودية , يصل المشهد إلى حالة الاشتباك الداخلي „المحظور“ بين الفصيلين الفلسطينين الكبريين , فتح وحماس , والذي آل بالنهاية لانقلاب حماس على مؤسسات „السلطة“التي أتت بها إلى „الحكومة“ و“المجلس التشريعي“ ضمن صيغة أوسلو راضية بقبول اللعبة وقوانينها , ثم بالانقلاب عليها عبر „التحرير الثاني“ لغزة من قبلها من „الاحتلال الفتحاوي“ كما عبر بهذا مسؤوليها ومقنعيها عبر فضائيتها ووسائل الإعلام الأخرى . إن الاشتباك المسلح تعبيرا عن الخلاف وعدم التوافق بين فصائل حركة تحرر ما ليس حكرا على حركة التحرر الفلسطينية وفصائلها , فهذا طبيعي أو أنه قابل الوقوع بل وقع ذ في ظل اختلاف الايديولوجيات والبرامج والمنابع الفكرية والخلافات السياسية والخلاف على وسائل النضال , والمصالح المتضاربة أحيانا , وأيضا في ظل الصراع على قيادة الصراع (حدث هذا لأكثر من حركة تحرر ولأكثر من مرة), هذا في الأحوال العادية , فكيف إذا ألم بحركة ما ألم بالحركة الفلسطينية , وأحاط بها ما أحاط من إشكاليات وتعقيدات وتداخلات ومؤامرات , واستطالات إقليمية ودولية , تحمل على الرغم من صغرها تجليا للصراع العالمي على أرضها تخندقت الأطراف المحلية والإقليمية والدولية على أساس الصراع من أجلها .ثم إن الاشتباك الفلسطيني الفلسطيني لم يقتصر على مرة واحدة , فكان هناك مرات سابقة وبين فصائل مختلفة , وفي كل مرة كان هناك نظاما عربيا أو أكثر يرعى الاشتباك أو يحرض عليه , وليست المرة الأولى التي يستباح فيها الدم الفلسطيني بأيد فلسطينية بتبريرات مختلفة , فمازالت الذاكرة الفلسطينية زاخرة بأسماء الشهداء , (عز الدين قلق , ناجي العلي , أبو إياد ........إلخ) , حقا أن معظمها كان لأجندات عربية أو دولية أو صهيونية , ولكنها نفذت بأيد فلسطينية أوجدت تبريراتها سلفا , تخوينية أو تكفيرية أو القتل الخطأ .إن ماجرى ويجري وما سوف يجري هو نتيجة حتمية للحصار الظالم والموت البطيء الذي فرضه المجتمع الدولي والصهيونية العالمية بالتعاون مع الكمبرادور العربي الإقليمي عقابا لشعب مسكين لأنه انتخب حماس ضدا بفتح , مع أن كل هذه الأطراف المذكورة هي التي دفعت هذا الشعب لاختياره هذا بعد أن بذلت كل المساعي لتوصله إلى ما أوصلته إليه في خياره عبر التيئيس .إن عملية الانتحار الجماعية التي نفذتها حماس نحو الداخل هذه المرة عبر „تحريرها“ لغزة من „براثن الفتحاويين“ والجرأة التي تمتعت بها بالاعتداء على الرموز الوطنية من علم فلسطيني بل وتغييره(كتابة عبارة لا إله إلا الله؟؟؟على العلم) أو بيت عرفات وأبو جهاد وتحطيم نصب الجندي المجهول , وقتلها لعناصر خصومها بهذا التجرد من اللإنسانية , لا بل والاستهتار بالجثث المنتشرة حولها عندما أقام مقنعوها صلاتهم في المواقع التي سقطت بين أيديهم , ورمي الناس من الأبراج أحياءا , وسحلها بالشوارع وقطع الرؤوس للخصوم , ولو تحت حجة تصفية الفاسدين والخونة , والشروع في إعلان الإمارة وتنظيم حكمها وتبديل أسماء أحيائها(منطقة تل الهوى صار اسمها تل الإسلام)لهو نتيجة منطقية لنهج سياسة الانتحار والقتل والموت من أجل الموت التي سيطرت على المقاومين , وعمت الساحة الفلسطينية في السنوات الأخيرة بعد عسكرة الانتفاضة الثانية , في ظل ما ساد المنطقة كلها من أفكار ظلامية تكفيرية مغلقة محورها الحقد على الآخر المخالف للتعاليم المتبعة لأفراد التنظيم أو الجماعة أو الأمير , بغض النظر إن كان عدوا خارجيا أو داخليا أو فكريا أو عقائديا أو سياسيا , هذه السياسة المتناقضة كليا مع عقيدة الاستشهاد من أجل الوطن والإنسان أو الكفاح من أجل الحياة والتقدم والسلام , يجري هذا في ظل سياسة التيئيس والتقنيط والإحباط التي مورست ضد الشعب نتيجة ممارسات ولسنوات طويلة من القمع والاستبداد والطغيان للأنظمة المحلية بالتعاضد الصهيوني والامبريالي الصلف على شعوب المنطقة على مدار عمر الأزمة الفلسطينية , في ظل نكوص المشروع القومي واستحالة المشروع اللبرالي , وانهزامية وانتهازية اليساريين .إن جولة صغيرة جدا على تعليقات جمهور حماس تبين مدى الانهيار الفكري والسياسي الذي وصلت إليه الأراضي الفلسطينية فمثلا :الإسم : من ليس حماس فهو كافرعنوان التعليق : من ليس حماس فهو كافرالتعليق :من ليس حماس فهو كافرالإسم : حمساوي حتى النخاععنوان التعليق : هذه البلد ستصبح اسلاميةالتعليق :حماس هي الاسلام و الاسلام حماس و هذه البلد ستصبح اسلامية و من يتمرد سيقتل كان من كانالإسم : عشتارالبريد الإلكتروني : chee_man@hotmail.comالدولة / المدينة : لا يوجد للاسفعنوان التعليق : جميعكم مشارك في هذه المهزلهالتعليق :استغرب من التعليقات التي هي جزء من هذا الفلتان.لماذا نضع انفسنا قضاه وجلادين، ومن قال انه من المطلوب منا كمواطنين نصرة طرف على طرف، او تكذيب طرف وتصديق طرف.لا تكونوا مشاركين في هذه المهزلة ولو حتى بالكلمة او التعليق.لن تقف هذه الدموية الا اذا نبذنا الطرفين ووقفنا عن انتظار المنصر وتأييد كلا الباطلين.اعزائي ابناء وطني المسلوب بيد الاحتلال والمرتزقه.قفوا بجانب عقولكم، بجانب فلسطين، وضد كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات شعبنا.سننتصر اذا قتلنا تزمتنا وعنصريتنا التي نبدي اراءنا من خلالها مثلما يقتل القتله بعضهم بسببها.الإسم : حعنوان التعليق : كفرة و يجب قتلهمالتعليق :هؤلاء كفرة و يجب قتلهم جميعا فحماس ستحرر البلاد منهم و من كل ما يقول لحماس لااللهم فتحك ونصرك ونورك وهداك وبركتك لرجالك رجال حماس والقسام والقوة التنفيذية وكل من يحبهم ويدعو لهم وينصرهم ولو بكلمة .. اللهم انصرهم .. اللهم انصرهم على القوم الظالمين يا ذا القوة المتين يالله .... اللهم إنهم جندك وأحباؤك لا تخيب رجاء المسلمين فيهم يارب العزة العظيم ...نصركو الله يا ابناء القسام وحماكم و ايدكم الي الامام يا ايها القسامين الطاهرين المتوضئين قاتلو الفئة المجرمة الضالة العميلة المتصهينة ولا ترحمو فيها احدا. انتهى الاقتباس.لايهم , وكما سبق مع المشهد اللبناني الشقيق في سياق ما يندرج من صراعات بين الأطراف فيه أو ما يجري من أحداث على أرضه , أو ما يجري على أرض المشهد العراقي , من أن ما يحصل هو تنفيذ لأجندات سورية أم إيرانية أم صهيونية أم أمريكية ..إلخ , فإن ما يجري يندرج ضمن الخطة النمطية التي تتبعها الامبريالية الأمريكية تحت مسمى „الفوضى الخلاقة“ التي ما فتأت تمارسها نهجا للعالم وللمنطقة بشكل خاص التي حققت فيها نجاحا مثاليا لما شكلته من حاضنة نموذجية وأرض خصبة لها لتوفر التركيب الفسيفسائي من طوائف ومذاهب وإثنيات لخوض الحروب الدينية منذ مجيء المحافظين الجدد إلى السلطة في أمريكا , ولهذا فالصراع لا يتم لأسباب داخلية بحتة بل يصبح جزءا من صراع إقليمي دولي تنخرط فيه أطراف عدة , وكل ما يجري من الجرائم والأجندات وتصفية الحسابات يجري على حساب الشعب والمجتمع الفلسطيني وأمنه ولقمته وأرضه .
--------------------------------------------------
ميلاد حزب اليسار في المانيا
الرأسمالية هي الخطر الذي يهدد السلام والمصالح الاجتماعية للشعب والمناخ" شهدت المانيا يوم 16 يونيو ميلاد حزب اليسار والذي وحد حزبي "الاشتراكية الديمقراطية" من شرق المانيا (60 الف عضو) وحزب العدالة الاجتماعية من غرب المانيا (10 الف عضو).جاء نشوء حزب اليسار تكليلا لعملية التوحيد التي استمرت لمدة عامين، وادت لخوض الانتخابات العامة في سنة 2006 بقائمة انتخابية مشتركة نجحت في الدخول الي البوندستاج بكتلة برلمانية واحدة تحت اسم "كتلة اليسار" وحققت مؤخرا انتصارا في انتخابات برلمان مقاطعة بريمين فنجح اليسار لاول مرة بعد الوحدة الالمانية في دخول برلمان مقاطعة في غرب المانيا.اعلن قادة اليسار انهم يتركون خلفهم صراعات سياسية وايديولوجية دامت قرنا كاملا لتتركز الجهود على التصدي للرأسمالية المنفلتة من عقالها والتي دمرت ما كان يعرف باسم الدولة الاجتماعية، ولمقارعة العولمة الرأسمالية التي تنشر الحروب في العالم من اجل المصادر الاولية والاسواق. ترددت في مؤتمر الوحدة الدعوة للعودة للقانون الدولي، ولعدم المساس بالحريات الديمقراطية، وبالغاء القوانين والسياسات التي تحكم على الملايين بالفقر في واحدة من اغنى دول العالم. بقيام هذا الحزب الجديد تغيرت الخريطة السياسية لالمانيا فتعززت التعددية السياسية لتشمل اليسار الذي اصبح كما اتفق محللو السياسة الحزبية في المانيا ظاهرة راسخة، وتصدعت نظام الاحزاب الثلاثة او الاربعة التي تعبر عن التيارات المحافظة والليبرالية، والتي ظلت تحكم البلاد بالتبادل مجمعة على اقصاء اليسار في تشكيل الحكومة الاتحادية. وطبقا لعدد اعضاء الحزب وايضا حسب أحدث استطلاعات الرأي يعد حزب اليسار القوة السياسية الثالثة في المجتمع ( نحو 11 بالمائة في الانتخابات البرلمانية العامة). وكان حزب اليسار قد حصل على 4 ملايين صوتا في الانتخابات العامة منذ اقل من سنتين."الحرية والاشتراكية" بدلا من "الحرية بدل الاشتراكية" وقد حافظ اليسار على نسبة 20 الي 25 بالمائة من اصوات الناخبين منذ الوحدة الالمانية في مقاطعات الشرق بينما لم ينجح اليسار في الغرب في تحقيق وجود برلماني في البوندستاج فيما عدا عدة سنوات بعيد الحرب العالمية الثانية كان فيها الحزب الشيوعي الالماني ممثلا في البرلمان. وتؤكد نتائج الاستطلاعات الحديثة قبولا ملحوظا من الرأي العام لوجود حزب لليسار ويؤيد ربع الناخبين ان حزب اليسار مؤهل للمشاركة في الحكم على المستوى الاتحادي. بهذه الوحدة حقق اليسار الالماني خطوة حاسمة في التغلب على مشكلة بنيوية اذ تبين اليسار في شرق المانيا انحصاره في الشرق وفشله في الامتداد نحو الغرب، كما تبين آلاف المنتمين اليسار النقابي وللحزب الديمقراطي الاجتماعي في الغرب ضرورة الاستقلال السياسي عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي للتمكن من الدفاع بفعالية عن مصالح العاملين. خلال اكثر من عامين تواصل الحوار والعمل المشترك بين حزبي اليسار للتوصل الي مفهوم مشترك للتوحد بين قوتين سياسيتين نابعتين من جذور سياسية وثقافية وتاريخية مختلفة. ولكن المتغيرات الاقتصادية الاجتماعية السريعة التي تمثلت في هجوم الرأسمال على المنجزات الاجتماعية التاريخية للعاملين وتحول السياسة الخارجية الالمانية الي مواكبة السياسات الامريكية مما انعكس في توسيع المشاركة العسكرية الالمانية في افغانستان وافريقيا والشرق الاوسط مثلت تحديا واجه اليسار من حزب الديمقراطية الاجتماعية في الغرب فانفصلوا عن حزبهم ليؤسسوا حزب العدالة الاجتماعية. وانبثق مؤتمر الوحدة الذي انعقد في برلين عن مؤتمرين عقدهما كل من الحزبين بشكل متزامن ومتجاور واختارا عددا متساويا من المندوبين لمؤتمر الوحدة وكذلك في انتخاب قيادة الحزب التفاوت الواضح في عدد الاعضاء وفي نفوذ كل منهما في مناطق وجوده. اهتم الاعلام الالماني اهتماما كبيرا بتغطية وقائع المؤتمر التوحيدي. وهب قادة الحزب الليبرالي واحزاب الحكومة بالهجوم على الحزب الجديد وانطلقت التصريحات والمقالات لترسم الخطر الذي يهدد المانيا. وكان الحزب الليبرالي الذي وضع لمؤتمر حزبه الذي تزامن مع مؤتمر اليسار شعار "الحرية بدل الاشتراكية" ورد عليه رئيس حزب اليسار لا فونتين بالقول "الحرية من خلال الاشتراكية".انتخب المؤتمر رئيسين هما اوسكار لافونتين، الفيزيائي، ورئيس حزب العدالة الاجتماعية والرئيس السابق للحزب الديمقراطي والذي استقال من منصبه كوزير للمالية في حكومة شرودر بعد ان انقلب شرودر على برنامج الحزب واصبح المروج الاقوى للنهج النيوليبرالي، ولوتار بيسكي الاستاذ السابق في كلية السينما، ورئيس حزب الاشتراكية الديمقراطية والذي لعب دورا رئيسا مع جريجور جيزي في تحويل حزب االاشتراكية الموحد الذي حكم المانيا الديمقراطية الي "حزب الديمقراطية الاشتراكية".لافونتين والمساس بالمحرماتفي خطابه امام مؤتمر الحزب الذي لا زالت قوته الاساسية تكمن في شرق المانيا بيسارها ذي الجذور الشيوعية اراد لافونتين والذي عاش معظم حياته السياسية في حزب طالما عادى اليسار وخاصة الشيوعي منه التأكيد على قناعته بالانتماء الي تقاليد الحركة العمالية مذكرا بنضالات الاشتراكيين الالمان التاريخية منذ عهد بيسمارك، مذكرا بروزا لوكسمبورج وكارل ليبكنخت (مؤسسا الحزب الشيوعي الالماني). وشارك لا فونتين جريجور جيزي (رئيس الكتلة البرلمانية للحزب في البوندستاج) ولوتار بيسكي في التأكيد على ان تطبيق سياسات اجتماعية وسلامية وحامية للمناخ والحفاظ على الديمقراطية يتطلب تغييرات في النظام. وطالب لا فونتين بتأميم شبكات الامداد بالطاقة وبتحكم الدولة في اسعارها وامتدح شافيز رئيس فنزويلا وايفو موراليس رئيس بوليفيا لقيامهم بتأميم المواد الاولية في بلديهما وتحدث عن بناء اشتراكية القرن الحادي والعشرين.اعتبر الاعلام المناهض لليسار تعرض قادة حزب اليسار بالنقد للنظام مساسا خطيرا بالمحرمات وخطرا يواجه الجمهورية. والدستور الالماني يتضمن بالفعل مادة تسمى "المادة الابدية" تمنع تغيير النظام الاساسي الليبرالي. وبالفعل فقد بدت كلمات لافونتين امرا مثيرا في بلد ينتمي لاوروبا الرأسمالية ذات المجتمعات الرأسمالية الراسخة والتي اصبح لنظامها القديم في مكانة الايمان الديني. مطالبة لافونتين بتأميم شبكات الامداد بالطاقة اعتبرها الاعلام السائد مطلبا شيوعيا!مؤتمر حزب اليسار كان حافلا بالافكار والدروس وبالصراحة والشفافية في الحديث عن ان ما تحقق هو بداية الطريق والذي لن يخلو من صعوبات. ومن اهم المشاكل التي يشتد الجدال حولها في حزب اليسار هي السياسات الاجتماعية وبالاخص الموقف من الخصخصة. والمسألة ليست حوارا نظريا فحسب لأن حزب اليسار المشارك في حكومة مقاطعة برلين يتحمل مع حليفه الديمقراطي الاجتماعي المسؤولية عن عمليات الخصخصة في المقاطعة وعن سياسات تسريح العاملين بحجة خفض الانفاق الحكومي. بسبب هذه السياسة خسر حزب اليسار نصف ناخبيه في الانتخابات الاخيرة في المقاطعة. هنالك ايضا خلاف يتجدد مكررا في ندوات الحزب حول الموقف من العمليات العسكرية الخارجية تحت غطاء الامم المتحدة. حاليا يلتزم الحزب بقرارات مؤتمريه في مونستر ودورتموند والتي ترفض مشاركة المانيا في اية عمليات عسكرية خارجية. وتصرح دوائر من الحزب الديمقراطي الاجتماعي بأن اليسار سيظل غير مؤهل للمشاركة في الحكومة الاتحادية طالما ظل على رفضه لقيام المانيا بمسؤوليلتها العالمية، والمقصود هو المشاركة في عمليات عسكرية خارية. التلويح باغراء المشاركة في الحكومة الاتحادية يثير جدالا متجددا في حزب اليسار. وحدة اليسار اكدت امكان التقاء الفرقاء المتصارعين وامكان العمل المشترك لصياغة الحاضر والمستقبل وربما ايضا لانتاج فهم مشترك للتاريخ